يوم عرفة وأحكام الأضحية
يوم عرفة وأحكام الأضحية
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد
الحسنات، وتُغفر الزلات ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى
الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلَّم تسليماً كثيراً . أما بعد فأوصى
نفسي وإياكم بتقوى الله جل وعلا ، فبالتقوى تحصُل البركات، وتندفعُ الهلَكات، ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾([1]).
معاشر المسلمين : ألا ما أعظمَ هذا اليوم الذي نحن فيه ، اجتمع فيه يوم عرفة
بيوم الجمعة، فأما يوم الجمعة فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم : « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ . »([2]). وأما يوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة فهو يومٌ شريفٌ قدره،
يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، ويُسمَعُ فيه الدعاءُ ويُجابُ، عن عَائِشَةَ رضي الله
عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَا مِنْ يَوْمٍ
أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ،
وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ
هَؤُلَاءِ؟ »([3]).
وإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة كان له مزية على سائر الأيام
من وجوه متعددة: منها أنه اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام ، ومنها أن ذلك يوافق
حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها أنَّ الجمعة هو اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة،
ويوم عرفة من الأيام التي يستجيب الله فيها الدعاء ، وخير الدعاء دعاؤها ، قال صلى
الله عليه وسلم : « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ
أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ »([4]). فأكثروا من هذا الذكر ، وأظهِروا في هذا اليوم التوبةَ
والاستغفار، والتذلُّل والانكِسار، والندامةَ والافتقار، والحاجةَ والاضطرار، فو الله
إن في هذا اليوم من الفضائل والخيرات ، ما تستحق لأجلها أن تبذل الأوقات ، وإنما هي
سويعات قليلة محدودة، ولحظات يسيرة معدودة ، ستمضي وتنقضي فهنيئا لمن أودع فيها حاجاته
وَأَسَالَ فيها دمعاته وأظهر فيها إلى افتقاره وتضرعاته ، فإياك إياك أن تكون في هذا
اليوم عن الله منشغلا أو لغير الله راجيا ومؤملا ..
عِبَادَ اللهِ: وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ يَوْمُ
النَّحْرِ، فَقَدْ رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ، وَأَعْلَى ذِكْرَهُ، وَسَمَّاهُ: يَوْمَ
الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَجَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، يَتَقَرَّبُونَ فِيهِ إِلَى
رَبِّهِمْ بِذَبْحِ ضَحَايَاهُمْ . وإننا بهذه المناسبة ، ننصح التجار الذين يقومون
ببيع الأضاحي ، ونقول لهم إياكم والغش في البيع، وعليكم بتوضيح العيوب إن وجدت، فالمسلم
الحق صادق في بيع وشرائه، وفي جميع معاملاته ، لا يغالي بالسعر ولا يبالغ في الثمن
، إنَّما يأخذ حقه ولا يستغل هذه المناسبة ، فيكلف إخوانه ما لا يطيقون . قَالَ رَسُولُ
اللَّه -صلى الله عليه وسلم- :« رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، سَمْحًا
إِذَا اشْتَرَى ، سَمْحًا إِذَا قَضَى »([5]).
ثم انتبه أيها المضحي رعاك الله ، إلى ما يجزئ من الأضاحي،
فالأضحية ، قربةٌ يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً،
فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، وسليمة، وخاليةً من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها،
ولذلك اشترط فقهاؤنا شروطا تتعلق بالأضحية ، أذكر لكم أهَمَّهَا: وهي أن تكون الأضحية
من النعم ، وهي : الإبل والبقر والغنم ،، والضأن أفضل في الأضحية، لما روي عَنْ أَنَسٍ
رضي الله عنه قَالَ ، ضَحَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ
أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى
صِفَاحِهِمَا([6]). والفحل أفضل من
الخصي ، والخصي أفضل من الأنثى . وأقل ما يجزئ في الضحايا ، الجذع من الضأن وهو ما
أتم ستة أشهر وقيل ثمانية، وقيل عشرة، وقيل ابن سنة كاملة ، فكلها جائزة ، وأما ما
يُجزئ من المعز ، الثِّنِيُّ وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية دخولا بينا ، والثِّنِيُّ
من البقر وهو ما أوفى ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، والثني من الإبل وهو ما أوفى خمس
سنين ودخل في السادسة ، ويشترط في الأضحية كذلك السلامة مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِي تَمْنَعُ
الْإِجْزَاءَ، وَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
« أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ
الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي
لَا تُنْقِي». لا تنقي : وهي التي لا مخ لها لضعفها وهزالها . ، فيا أيها المضحي طب
نفساً بأضحيتك، واقْصد بها وجه الله ، واختر من الأضاحي أحسنها إن كنت قادراً على ذلك
، واحرص على الإخلاص والتقوى ، يقول الله تعالى ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا
دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾([7]). أسأل الله أن يحيي قلوبنا بالتقوى وان يجعل أيامنا عامرة
بذكره وطاعته ، أَقُولُ قولي هذا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين
مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله ، أفضلُ
الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه ، أما بعد فيا أيها المسلمون: فلنكثر
من ذكر الله تعالى فيما تبقى من هذا الموسم الكريم ، ولنحرص على حضور صلاة العيد ،
ولنجعل يوم العيد مع أيام التشريق، أيام شكر وذكر لله تعالى على ما هدانا وأعطانا يقول
سبحانه ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ
عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾([8]). هذا يا عباد الله وستكون صلاة العيد في ساحة المسجد إن
شاء الله على تمام الساعة السادسة وخمس وثلاثين دقيقة صباحا ، تقبل الله منا جميعا
الطاعات والقربات إنه سميع قريب مجيب الدعوات ،،
ليست هناك تعليقات