جديد المدونة

طوبى لعبد شغله عيبه عن عيوب الناس


طوبى لعبد شغله عيبه فأصلحه

الحمد لله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَيَسْتُرُ الْعُيُوب ، ويتوبُ على من يَتُوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك مقلب الأبصارَ والقلوب ، علامُ الغيوب، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله ، القائل  عليه الصلاة والسلام « طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاس »الديلمي. صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين . أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم عبادَ اللهِ: وَنَفسِي بِتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ ، فَهي مُعتصَمٌ عند البَلايا، وسُلوانٌ في الهمِّ والرَّزايا. {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ، وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ ، لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29 .

معاشرَ المسلمين : سنتحدث اليوم عن موضوعٍ له خطره على النَّفس ، يَغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس ، ويستهينون به ولا يقيمون له وزنا في حياتهم ، ألا وهو انشغالهم بِعُيُوبِ الناس عن عُيوب أنفسهم ، فإن من أخطر الأمراض القلبية ، التي يُصاب بها العبدُ ، أَنْ يَرْضَى عَنْ نفسه، ويرى كمالات نفسه، ويغفل عن عيوبه، مع أنه لا يخلو إنسانٌ من نقص وعيب ، وذنب وخطيئة.. وإذا أراد الله بعبده خيراً ، صرفه إلى الاعتناء بعيوب نفسه، ومحاولة إصلاحها، فتجدُه دائماً منشغلاً بنفسه، حريصاً على تزكيتها. وكم هو قبيح ، أن ينسى الإنسان عُيوب نفسه، وينظر في عُيوب إخوانه بِمِنْظَارٍ مُـكـبِّـر!! وقد نوَّه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يُبْصِرُ أَحَدَكُمْ الْقَـذَاَةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِ نَفْسِهِ ». فهلاَّ رجع كلُّ واحد منا إلى عُيوبه ، ليعترف بها وليعالجها ، وليهذب نفسه ولِيقوِّم اعوجاجها ؟ هلا انشغل كل واحد منا بعيوبه ، ولم ينشغل بعيوب غيره ؟   

الْمَرْءُ إِنْ كَانَ عَاقِلاً وَرِعاً 

                       أَشْغَلَهُ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ وَرَعُهُ

 كَمَا الْعَلِيلُ السَّقِيمُ أَشْغَلَهُ 

                      عَنْ وَجَعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَجَعُهُ

إخوة الإيمان : إن الانشغال بعُيوب الآخرين ، والغفلة عن عيوب النفس ، سببٌ للانتكاس ؛ في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ . فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ». وصدق الله العظيم ، حيث يقول في سورة الشمس {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }. الآيتان 9 و 10 . فالفلاح لمن زكَّى نفسهُ بطاعةِ الله ، وطهرها من الدَّنس والمعاصي والآثام ، والخيبةُ لمن أذلَّ نفسه الخبيثة وَحَقَّرَهَا بارتكابه للمعاصي ، وفي ايذائه للآخرين ، وما أكثر الناس في مجتمعاتنا ، الذين يتحدثون عن عُيوب الناس ،  فيغتابونهم ويخوضون في أعراضهم ، ويتناسون عُيوب أنفسِهم ، ولو أن كل شخص أصلح نفسه وعالج عيوبها لصلح المجتمع . فأين محاسبة النفس ؟ وأين الانشغال عن عيوب الآخرين؟ 

لاَ تَكْشِفَنَّ مَسَاوِيَّ النَّاسِ مَا سَتَرُوا   

                     فَيَهْتِكَ اللهُ سِتْراً عَنْ مَسَاوِيكَا

  وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إِذَا ذَكَرُوا    

                  وَلاَ تَعِبْ أَحَداً مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا

فيا أيها المسلم: النفس النفس نقها من عيوبها، عليك نفسك هذبها ، عليك نفسك حاسبها ، عليك نفسك قَوِّمْها { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }يوسف53. فهنيئاً لمن انشغل بعيبه عن عيوب الناس . جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ».

فيا أخي المسلم : إياك والتحدث عن عُيوب الناس، وتصيد أخطائهم وعثراتهم ، وكشف أستارهم ، لأن أكثر ما يحزنك يوم الحساب ، أنك لا تستطيع أن تعطي أباك وأمك ، أو حتى ولدك حسنة واحدة ، مع حبِّك الشديد لهم ، ولكن في المقابل ، ستكون مرغماً على إعطاء هذه الحسنات ، لشخص كرهته أو اغتبه أو آذيته ، ولذلك سميَّ يوم التغابن ، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». فنسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا من المفلسين يوم القيامة ، وأن يغفر ويتجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا, إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فيا أخي المسلم ، عليك بتحصين نفسك بتقوى الله جل وعلا وطاعته ، فإنَّ لك في نفسك ، شُغْلٌ عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعافَ أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسِك باب الغيبة ، وسوء الظن ، وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك ... مَتَى تَلْتَمِسُ لِلنَّاسِ عَيْباً تَجِدْ لَهُمْ    

                       عُيُوباً وَلَكِنَّ الَّذِي فِيكَ  أَكْثَرُ

 فَسَالِمْهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ  

                   بِعَيْبِكَ مِنْ عَيْنَيْكَ أَهْدَى وَأَبْصَرُ

فليحذر الذين يخوضون في أعراض عباد الله ويتتبّعون عوراتهم ، وقد زيّن لهم الشيطان أعمالهم ، أنهم لا يقصدون من وراء ذلك إلا النُّصح لعباد الله  وتحذيرهم ، ويكفى رادعا لمن يتتبع عورات الناس حديث نبينا عليه الصلاة والسلام ، ففي مسند الإمام أحمد عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِى بَيْتِهِ ». نسأل الله السلامة والعافية ، والستر في الدنيا والآخرة ، وأن يصلح قلوبنا ويستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا و يحسن خاتمتنا. هذا ثم صلوا وسلموا على من أمرنا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله سبحانه  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين يارب العالمين ، اللهم واجعل بلدنا ليبيا أمناً وأماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ارحمنا وارحم بلادنا ، واحقن الدماء ، وأزل الشقاق والنفاق ، والبغضاء والشحناء من قلوبنا يا أرحم الراحمين ،  اللهم اغفر لمن أسسوا هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه يا رب العالمين ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، واغفرِ اللَّهُمَّ لنا ولوالدينا ولمعلمينا ولمشايخنا ولأصحاب الحقوق علينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك ياربنا سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات .  

 

 

 

هناك تعليق واحد:

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون