جديد المدونة

من فضائل يوم الجمعة


من فضائل يوم الْجُمُعَةِ
الحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، وجعلَ يومَ الْجُمُعَةِ عيداً لنا من بين سائرِ الأيام ، أحمده سبحانه وأشكره ، حمدا وشكرا مباركا فيه باقيًا على الدَّوام ، وأشهدُ أن لَّا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً نرجُو بها النَّجاةَ يوم تَزِلُّ الأقْدام ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبنا محمَّدًا عبدهُ ورسوله ، القائل عليه الصَّلاة والسَّلام « إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ »([1]). صلى الله وسلم وبارك عليه ، أفضلُ صَلاةٍ، وأزكَى تحيةٍ ، وأطيبِ سلام ، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين البررة الكرام ، وأصحابه الأئمة الأعلام ، والتَّابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقبت اللَّيالي والأيام ، والْجُمَعِ والشُّهور والأعوام ، وسلم تسليما كثيرا !! أمَّا بعد فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله وحسنِ عبادته، والقيام بشكره على فضله وَنِعَمِهِ ، فهي سبيلُ الفوز والسَّعادة ، والفلاحِ والغنيمةِ في الدُّنيا والآخرة ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ([2]).
معاشر المسلمين : يومُ الْجُمُعَةِ يومٌ عظيمٌ مبارك ، هو سيِّد الأيام وأعظمِها وأفضلها ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ »([3]). يوْمُ الجمُعَةِ عيدٌ لنا أهل الإسلام فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِى جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ :« مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ؛ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ عِيدًا ، فَاغْتَسِلُوا وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ »([4]).
عباد الله : إنَّ شُهُودَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ ، وَالسَّعْيِ إليها ، فرضُ عيْنٍ بالكتاب والسنَّة والإجماع ، يقول الله تباركَ وتعالى ، منادياً أهلَ الإيمان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ([5]). وقال صلى الله عليه وسلم « رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ »([6]). فيجب شهودُ صلاة الجمعة على كل رجل حُرِّ بالغ عاقل مُقيم ، ليس له عُذر من الأعذار المسقطةِ لها.
ومَن تَرك شهود صلاةِ جمعة واحدة ، مِن غيرِ عُذرٍ شرعي ، كان آثمًا ومستحِقًّا للعقوبة في الدنيا والآخِرة، وإنْ تكرَّر مِنه ترْك شُهودها ثلاث مرات ، كان فاسقًا ساقط الشهادة باتفاق أهل العلم ، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ »([7]). وقَالَ صلى الله عليه وسلم « مَنْ تَرَكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ »([8]). وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه هَمَّ بإحراق بيوتِ مَن يتخلَّفون عن شهودها، فقال: « لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّى بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ »([9]). وفي شهود صلاةِ الجمعة  تَكْفِيرُ الخطيئات ، قَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ »([10]).
عباد الله: إنَّ لشهود الجمعة ، سُننًا وآدابًا لها فضائلُ عظيمة، ويَنال العبد عليها أجْرًا كبيرًا، وثوابًا جزيلًا ، لو لم يُحصِّلْه مع يُسْرِه ، فقد حُرِم خيرًا كثيرًا.
فمن سنن يوم الجمعة ، الاغتسال ، والتبكير إلى حضورها من أول النَّهار ، والإتيان إليها ماشيا للقريب ، والجلوس بالقرب من الإمام ، فَقد ورَد في فضل ذلك أجْرٌ كبيرٌ جدًّا، قال رسول صلى الله عليه وسلم: « مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا »([11]). وللأسف أنَّ كثيرًا مِن الناس ، يفرِّطُون في هذا الأجر العظيم ، فيتأخرون عن الجمعة ، فما يأتون إلا بعد صُعود الخطيب المنبر، فيَحْرِمون أنفسهم مِن أجْر التبكير العظيم، ويأثمون على تأخرهم، لأنَّ حضور الخطبة واجب، وتفوتهم كذلك الكتابةُ في الصُّحف، قال رسول صلى الله عليه وسلم « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ – أي الذي يأتي مبكراً - كَمَثَلِ الَّذِى يُهْدِى بَدَنَةً ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى بَقَرَةً ، ثُمَّ كَبْشًا ، ثُمَّ دَجَاجَةً ، ثُمَّ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ »([12]). ومن المؤسفِ والمحزنِ كذلك ، أنك تدخلُ المسجدَ قبل مجيئِ الإمامِ بوقتٍ قليلٍ، ولا ترى إلا عدداً يسيراً من المصلِّين، حتى إذا قاربَ الامامُ أنْ يفرُغَ من خطبتِه، أو فرغَ منها ، اكتظَّت المساجدُ، وغصَّت بالمصلين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والبعض من المصلين يأتون مبكراً ، ويجلسون في مؤخرة المسجد ، ويتتبعون حائط المسجد ، قبل امتلاء الصفوف الأمامية، وبعضهم يجلس في الملحق الخارجي للمسجد مع وجود أماكن كثيرة داخل المسجد ، فيضطر الداخل لأن يتخطى الرقاب ، فقد رأى النبي  صلى الله عليه وسلم ، رجلاً يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم  يخطبُ، فَقَالَ لَهُ « اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ »([13]). وهذا يدل على تحريمِ التخطي؛ إذ إن أذيةَ المسلمين محرمةٌ، ومن رغب في الخيرِ وفي الصفوفِ الأولى فليُبادرْ إلى الصلاةِ ولا يتأخرْ، فإن الفضائلَ والدرجاتِ والمراتبَ لا تحصل بالكَسَلِ، بل هي كما قال الشاعر:
بعيدٌ عَنِ الْكَسْلَانِ أَوْ ذِي مَلَالَةٍ  
                         وَأَمَّا مِنَ الْمُشْتَاقِ فَهْوَ قَرِيبُ
عباد الله : ومن الآداب : عدم الكلام ، والخطيب يخطب على المنبر وفاعل ذلك آثم، لأنَّ الجمعة سكون وسكوت وإنصات، فيجب أن لا يفعل شيئا بل يجلس ويستمع بكل جوارحه، فلا يجوز الحديث والكلام ، حتى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو بكلمة أسكت أو أنصت. والواجب الإنصات للخطبة ، والحرص على فهمها والاستفادة منها ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ  وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ »([14]). فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك ، فيعبث أو يتحدث أو ينشغل عن الخطبة ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا »([15]). فيا أخي المسلم احرص في هذا اليوم المبارك ، على أن تكون نظيفا متعطِّراً في جسمك ، نظيفاً في مظهرك ، لتنال الأجر العظيم ، وتكسب الثواب الجزيل ، اسمع معي لقول نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال « مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ - إِنْ كَانَ عِنْدَهُ - ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِى قَبْلَهَا »([16]). نسأل الله تعالى أن يوفقنا لهذه الأجور ، وأن يرزقنا الإخلاص، وحسن الاتباع ، إنه سميع قريب مجيب. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين . أما بعد فيا عباد الله : وإنَّ من سنن يوم الجمعة ، قراء ةُ سورة الكهف، فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ »([17]).
ومن السنن كذلك في هذا اليوم  ، الإكثار مِن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ عليه الصلاة والسلام « إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ »([18]). وقَالَ صلى الله عليه وسلم« أَوْلَى النَّاسِ بِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً ». وَقَالَ « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ »([19]).
وما تصلي على المختار واحدةً
                        إلا عليكَ يُصلي ربُّه عشَرَهْ
فاغنم صلاتَك يا هذا عليه تَفُز
                       بالرِّبح عند إلهٍ فاز من شكَرَهْ
عباد الله صلُّوا على رسول الله ، صلُّوا وسلِّموا على من  أمِرْنَا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([20]). اللهمَّ صَلِّ وسلِّم وزد وبارك وأنعم عَلَى سيِّدنا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلَى آلهِ وصحْبِهِ أَجْمَعِينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين


([1]) رواه بن ماجة .
([2]) النور52 .
([3]) رواه مسلم .
([4]) رواه البيهقي .
([5]) الجمعة9 .
([6]) رواه النسائي .
([7]) رواه مسلم .
([8]) رواه النسائي .
([9]) رواه مسلم .
([10]) رواه الترمذي .
([11]) رواه النسائي .
([12]) رواه البخاري .
([13]) رواه بن ماجة.
([14]) رواه البخاري .
([15]) رواه مسلم .
([16]) رواه أبو داود .
([17]) سنن البيهقي .
([18]) رواه أبوداود .
([19]) رواه الترمذي .
([20]) الأحزاب 56 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون