جديد المدونة

ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح والمناسبات


ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه:﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ([1]). وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم تسليماً كثيراً. أَمَّا بَعْدُ: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى اللهَ ، قال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ([2]).
معاشر المسلمين: إنَّ الزَّواج نعمة أنعم الله بها على عباده، فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([3]). والسُّنَّةُ في النِّكاح عباد الله : أن يعلن عنه بما شرع الله ورسوله ، وأن لا يتعدى الحدودَ الشرعية إلى الإسراف في الولائم، والتباهي والتفاخر بمظاهر العرس، كما يحرَّم أذية الناس والجيران، أو استعمال ما يسبب لهم الأذى والضرر، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: « يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ »([4]).
عباد الله : إنَّ من الظواهر المنكرة والعادات القبيحة التي فشت في أعراسنا، استخدام الأسلحة النارية وإطلاق الرَّصاص الحي، يزعم أصحابها أنَّهم بزواجهم يفرحون، وبأعراسهم يعلنون، غير مبالين بالضرر الذي يلحق بالآخرين، وأقلَّهُ إرعابُ الآمنين في بيوتهم وتخويفهم ،، ويا سبحان الله!! أيُّ رابطٍ هذا بين الفرح والسرور، وإطلاق الرصاص الذي يأتي بالضرر والشرور، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»([5]).
فمتى كان السِّلاح عباد الله : مظهراً من مظاهر الفرح ؟ السلاح إنما يستخدم في القتال وإرهاب العدو ولهذا صنع، وليس له أي تعلق بالأفراح والمسرات، قال تعالى:﴿ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ([6]).
عباد الله: إنَّ إطلاق الرصاص في الأعراس أصبح للتفاخرُ لا للفرح، كلٌ يريد أن يكون أفضل من الثاني بكثرة ما يُطْلَقُ من الرصاص في زواجه، فأين هؤلاء من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»([7]). فهل في إطلاق الرصاص والترويع والتَّخويف به تفاخر ؟
عباد الله: إنَّ الناسَ في العالم المتحضر، تتفاخر بالعلم والصناعة والنظام واحترام القانون، ونحن نتفاخر بالرَّصاص من يطلق أكثر وأي نوع من الأسلحة يستخدم!!. وإذا كانت هذه الظاهرة ربَّما تكون منتشرة في الأرياف لغلبة الجهل، فماذا نقول على انتشار هذه العادة القبيحة في المدن في مجتمع يُفترض أن يكون متمدناً حضارياً يكره هذه الظواهر ولا يقبل بها؛ لأنها لا تتناسب مع حياة المدينة!!.
عباد الله: لقد أصبح استعمال السلاح في الأفراح عادة، والكثير غير مبالين بما يسببه من أضرار ومآسٍ، وكم حدثت بسببه من جرائم قتل، فذاك يطلق الرصاص في الهواء فرحاً بزعمه؛ فيعود الرصاص الراجع على إنسانٍ آمنٍ فَيَقْتُلَهُ، والحوادث في ذلك كثيرة ، لذا جاء في إطلاق الرصاص مِن تخويف المسلمين الشيء الكثير، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا »([8]). وَتَعْظُمُ الْحُرْمَةُ بل تكون من الكبائر العظيمة، إذا اقترن إطلاقُ الرصاص بأذية الجار، فأيُّ شرع وأي عقل هذا الذي يجعلك تؤذي جارك والمسلمين في نصف الليل ؟ فهناك نساء وأطفال، وأناسٌ إذا قام أحدهم من نومه لا يستطيع العودة لنومه من جديد، وهناك كبار السن الذين قد يستيقظون مذعورين من صوت الرصاص، وربما دعا أحدهم بدعوة في هذا الوقت من جوف الليل، فُتِّحت لها أبواب السماء في وقت إجابة، فيخسر أهل العرس التوفيق والسعادة، أو يُصِيبُ من أطلق الرصاص من هذه الدعوة بلاء عظيم، فهل يجوز ذلك يا عباد الله  بدعوى الفرح بالزواج؟ أو أي مناسبة أخرى من المناسبات ، وهل هذا أمرٌ يرضاه الله ورسوله؟ بل هل هذا من الأدب العام الذي ينبغي أن يتأدب به الناس في المجتمع ؟. لقد نَهَي النبي  صلى الله عليه وسلم عن أذية الجار فقال: « وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ »([9]). بل وقد جاء النهي منه صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم، خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان ، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ»([10]).
عباد الله: إنَّ هذه الظاهرة العبثية القبيحة تؤدي لإتلاف المال بلا فائدة، وهذا تبذير وإسراف نهى الله تعالى عنه بقوله:﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ([11]). ومن ذلك أن هذا العتاد الذي يُستهلك إنما صُنع للقتال وللدفاع عن الدين والوطن والنفس، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صُنع من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له ، هو من كفران النعمة، لهذا كله، فإن الواجب يقتضي على العاقل، الابتعاد عن هذه الظاهرة، وعن تقليد الناس، فهي عادةٌ منافية للشرع مجانبة للعقل، وليكن التعبير عن الفرح بما أحله الله تعالى؛ لتبدأ الحياة الزوجية بالطاعة، فيباركُ الله فيها، قال تعالي: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([12]). نسأل الله تعالى أن يجعلنا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ([13]) ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَاَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيا عباد الله، إنَّ إزهاق الأرواح البريئة بغير حق، بسبب رصاصة طائشة من أحد الأعراس، يزيد في المآسي وبذلك يزداد الضحايا،، فيما الجناة غير معروفين، فالقاتل يَقْتُل ولا يعلم أنه قاتل، بل ولا يسأل نفسه: أين وقعت رصاصتُه بعد هبوطها على الأرض؟ فلعلها سفكت دماً حراماً وخلفت مأساة في مكان آخر!،
فيا أيها الشاب : الذي تستعمل السلاح ، اتق الله في نفسك أولا ، ثم في إخوانك المسلمين ثانيا ، فقد روَّعتهم باستعمالك للسلاح ، وقد أزعجتهم بأصواته ، وبما يَنتُج عن إطلاق الرصاص . فكم من رصاصةٍ طائشةٍ وقعت على غافلٍ ، بعد أن بردت وعادت إلى الأرض ، وَنُقِلَ من وقعت عليه إلى المستشفيات ، فأصابه الألم أو الموت ، وأنت غافلٌ ما تدري بماذا تسببت ، فاعلم أنك محاسبٌ عند الله يوم تلقاه ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى الدِّمَاءِ »([14]). وأنت أيها الأبُ وأيها الوليّ : اعلم أنك مسؤولٌ عما يحدث من أبنائك ، وتتحملُ جزءًا من الإثم ، بل ربما يكون الإثمُ عليك أعظم ، لأنك أنت الذي مَكَّنت ابنك من هذا السلاح ، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته . نسأل الله أن يصلح حالنا ، ويحفظ دماءنا وأموالنا وأرواحنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . عباد الله : صلُّوا على رسول الله ، صلوا على خير الورى وتعطروا، صلّوا عليه وسلمـوا واستكثروا ، فالله قـد أوصى بذاك مبيناً ، فضل السلام على النبي فأكثروا، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([15]). اللهم صل وسلم وزد وبارك وأنعم وأكرم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، اللهم وفقنا لطاعتك، واجعلنا قدوة حسنة لأهلنا وأبنائنا، اللهم اجعلنا صالحين مصلحين، هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين ، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال بلادنا وجميع بلاد المسلمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم مغفرتك ورحمتك ورضوانك لآبائنا وأمهاتنا ولأصحاب الحقوق علينا ولمعلمينا ولمشايخنا ، ولمن أوصانا بصالح الدعاء ، ولمن أسسوا هذا المسجد ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن يقومون على ختمته ، ولمن عمل فيه صالحا وإحساناً يا رب العالمين


([1]) القصص50 .
([2]) الحشر18 .
([3]) الروم21 .
([4]) رواه الترمذي .
([5]) رواه أحمد .
([6]) الحديد25 .
([7]) رواه أبي داود .
([8]) رواه أبو داود .
([9]) رواه البخاري .
([10]) رواه مسلم .
([11]) الإسراء27 .
([12]) النور51 .
([13]) الزمر18 .
([14]) رواه مسلم .
[15] - الأحزاب56 .



ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون