جديد المدونة

في الحث على بناء المساجد



التاريخ : 16 ذو القعدة 1440 هجرية
الموافق : 19 يوليو 2019 ميلادية

في الحث على بناء المساجد  

الْحَمْدُ لِلَّهِ جَعَلَ الْمَسَاجِدَ بُيُوْتاً لِيُذْكَرَ فِيْهَا اسْمُهُ يُسبِّحُ لَهُ فِيْهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْهِيْرِهَا والإنفاق عليها ، صلَّى لله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصَحابته أجمعين ومن تبعهم بإِحسانٍ إلى يوم الدِّين . أمَّا بعدُ: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله القائل سبحانه ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([1]).
معاشر المسلمين : جاء في الحديث الشريف : أنَّ أبا طلحة رضي الله عنه ، كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾([2])، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾([3])، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم « بخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ »([4]).
فيا عباد الله: تأسَّوا بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وتخلَّقوا بأخلاقه وأخلاق صَحابته، واعلَمُوا أنَّه ما نقَص مالٌ من صدقة، وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلِفه، وَمَالُكُمْ هو ما قدَّمتم، ومالُ وارثكم ما أخَّرتم؛ قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ « فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ »([5]).
فانظُروا - رحمكم الله - ما هو النافع لكم من مالكم، واحرِصُوا على نَزاهته وصِيانته ممَّا يَشُوبُه؛ فإنَّ الكثير يُتعِبُ نفسه، ويُعرِّضها للأخطار، ويُحاوِل الحصولَ على المالِ بأيِّ وسيلةٍ تكونُ، لا يهمُّه مِنْ أين اكتَسَبه، أَمِنْ حَلالٍ أم من حرام، وكلَّما ازداد مالُه ازداد شرَهُه وشَقاؤه، وقلَّ إنفاقُه في طريق الخير والسبل النافعة له في دُنياه وأُخراه، وربَّما حمَلَه هذا الجشعُ إلى منْع الواجب؛ كالزكاة التي هي الرُّكن الثالث من أركان الإسلام، فخَسِر الدنيا والآخِرة، ذلك هو الخسران المبين، فكان تعبُهُ وشقاؤه عليه، ونفعهُ وزهره لغيره، وربما استَعانَ به مَنْ بَعْدَهُ أو بعضُهُمْ على معاصي الله، فكان هذا المال شرًّا وشقاءً عليه في دُنياه وأُخراه، ووسيلةً لِمَن آلَ إليه إلى المعاصي والآثام، فلا صاحبُه انتفع منه في دُنياه وادَّخر منه لأُخراه، ولا سَلِمَ منهُ هو ولا مَن آلَ إليه، فكان شُؤمًا عليه وعلى مَن بعده؛ حيث لم يُؤخَذ من حلِّه ويُصرَف فِي مَحَلِّهِ.
فانظروا - رحمكم الله - في الطُّرق المشروعة للحصول على الأموال، واحرِصُوا على الإنفاق منها في الطرقِ النافعة ، تُضَاعَفَ لكم الحسنات، فإنَّ فضلَ الله واسع؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾([6]). فلا تخشوا الفقر؛ فإنَّ الله يُخلِفُ عليكم ما أنفقتم، ويُضاعِفُ لكُم الحسنات أضعافًا كثيرة، واعلَمُوا أنَّ من أفضَل وأنفَع ما يُنفَق فيه ، بناءَ المساجد؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ ، فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾([7]). وقال  صلى الله عليه وسلم « مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ »([8]).
فالمساجد بيوتٌ تُقامُ فيها الصلاة، ويُتلَى فيها كتابُ الله، ويُتدارَس فيها العلم، ويُذكَر فيها الله عزَّ وجل، وتُصان من الأقذار، والقيل والقال، والبيع والشراء؛ ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾([9]).
هذه البيوت التي بهذه الرفعة والمكانة هي التي ينبَغِي أنْ يُعتَنى بها وتُنفَق الأموال في عمارتها؛ لما لها من رسالةٍ وفوائد عظيمةٍ للإسلام والمسلمين، وإقامة شَعائر الله، بها يجتمع المسلمون؛ وَيتفقَّد بعضهم بعضًا، يُعْرَفُ مُسافرهم فيُدعَى له، ومريضُهم فيُزار ويُدعى له وتُخفَّف آلامه، وميِّتهم فيُصلَّى عليه ويُتَرحَّم له، فهي مجمَعُ خير وبركة، يُقام فيها ركنٌ من أركان الإسلام، بقعة خصبة تبذر فيها البذور فيتضاعَف الإنتاج، وَمَنْبِعٌ عذب لذيذ شَرابه، ومصدر إشعاع ونور للبشريَّة تستَضِيء بضيائه، فحريٌّ بنا أن لاَّ تَنسَى فضلَ المساجد ورسالتها، وأنْ نبذل الكثير من ألأموال في إقامتها وصِيانتها، وأنْ تتنافَس في ذلك، وأنْ يَقْصِدَ مَن قام بهذا العمل الخيري وجه الله والدار الآخِرة، وأنْ يتأسَّى البعض بالبعض الآخَر، وعلى مَن شَحَّتْ نفسه وَثَبَّطَتْهُ عن البذل في هذا السبيل الخيري، أنْ يُذَكِّرُها مآلها ، ومصيرَ المال من بعدها، وأنَّ ماله ما قدَّم ومال وارثِه ما أخَّر، ﴿ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ([10]). نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنفقين في سبيله ، ومن الحريصين على ذلك ،  أقول هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فيا عباد الله : انظُروا إلى هذا المسجد المبارك الواسع ، وما بُذِلَ فيه من أموال كثيرة، حتى اكتمل بناؤه ، وقام بعمارته المحسنين من الآباء والأجداد ، بطيب نفس ممَّا رزَقَهم الله من أموالهم ، وكمْ من قادرٍ بماله على مثل هذا العمل لم يُوفَّق للبذل فيه، ولم يَقْوَ على نفسه؛ ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾([11]). ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾([12]). ونحن إذ نتحدث عن الإنفاق على المساجد ، فإننا ندعو المحسنين من المصلين ، بالتبرع من أموالهم للمساهمة في شراء مولدٍ لهذا المسجد ، يُرفع به الآذان ، وَيُسْهِمُ في راحة المصلين عند آداء صلواتهم  ، في حال انقطاع الكهرباء ، فلا تبخلوا بأموالكم على بيوت الله عزَّ وجل ، ففي ذلك جزيل الأجر والثواب ، فجزى الله مَن قامَ بعمارة هذا المسجد أحسنَ الجزاء، وغفر الله لمن مات منهم وأسكنهم فسيح جنَّاته ، وبارك في عمر الأحياء منهم ، وأحسن عملهم، وأجزل للمساهمين بأموالهم الأجر والثواب، وبنى الله لهم بذلك بيوتًا في الجنَّة، وأكثر من أمثالهم ، ووفَّق أربابَ الأموال إلى مثل هذه الأعمال ، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه . عباد الله صلُّوا على رسول الله ، صلُّوا وسلِّموا على من أمِرْنا من رَبِّنا بالصلاة والسلامِ عليه بقوله عَزَّ قَائِلاً عليماً ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([13]). اللهم صل وسلم وزد وبارك وأنعم وأكرم على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن التَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ، وعنَّا معهم بجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين اللهم وفقنا لتعظيم حرماتك، وارزقنا برك وإحسانك، وعمنا جميعاً بفضلك ورحمتك ،  اللَّهُمَّ انْشُرِ الأمن والأمان والاِسْتِقْرَارَ وَالسَّلاَمَ فِي بلادنا وَبُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بلدنا ليبيا ، وَأَمْنن عَلَيْهَا بالأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، اللهم من أراد الخير والأمن والأمان لبلادنا فأعنه ووفقه وسدده وانصره ويسر له أمره ، ومن أراد لها التفرق والتشتت والتمزق فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين ؛ اللَّهُمَّ اغفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ،إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ، واشْمَل اللَّهُمَّ بعفوِكَ وغفرانِكَ ورحمتِكَ آباءَنَا وأمهاتِنَا وجميعَ أرحامِنَا ومَنْ كانَ لهُ فضلٌ علينَا ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَوا هَذَا الْمَسْجِدَ ولمن أنفق وينفق عليه  ، ولمن عمل فيه صالحا وإحسانا  يا رب العالمين .



([1]) التغابن16 .
([2]) آل عمران: 92 .
([3]) آل عمران: 92 .
([4]) متفق عليه .
([5]) رواه البخاري .
([6]) البقرة: 261 .
([7]) التوبة: 18 .
([8]) رواه أحمد .
([9]) النور: 36-38 .
([10]) البقرة272 .
([11]) الحشر: 9 .
([12]) الحديد: 21 .
([13]) الأحزاب56 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون