جديد المدونة

التعاون على البرِّ والتقوى


التعاون على البرِّ والتقوى

الحَمْدُ للهِ المَعبودِ المُستَعانِ، يُعينُ مِنْ عِبادِه مَنْ أَعَانَ، ويَشمَلُ بِرَحمَتِهِ أَهلَ البِرِّ والإِحسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ ، أَمَرَنا بالتعاون على البر والتقوى ، وعدم التعاون على الإثم والعدوان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ حَثَّنَا عَلَى المَحَبَّةِ والتَّعَاونِ والإِخَاءِ، لِمَا فِي ذَلِك الخَيْرَ والسَّعادةَ والرَّخَاءَ،  صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لَهُم بِإِحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ. أما بعد فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله تعالى ؛ فإنَّ النجاة والفلاح في التقوى ﴿ وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾([1]).

عباد الله : التَّعاوُنُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى البِرِّ والتَّقوى ، مَطْلَبٌ رَبَّانِيٌّ ، ومَنْهَجٌ إِيمَانِيٌّ، يَقُولُ اللهُ تبارك تعَالَى:﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾([2]). في هذه الآية الكريمة يأمرنا الله تعالى: أن نتعاون فيما بيننا على البر، وهو فعل الخيرات، وأن نتعاون على التقوى وهي ترك المنكرات، وينهانا عن التعاون على الإثم والعدوان ، وهو فعل المعاصي والاعتداء على الناس .

 والتعاون على البر والتقوى إخوة الإيمان : يشمل فعل الخيرات كلِّها، فالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، من التعاون على البر والتقوى ، لما في ذلك من إصلاح المجتمع ، وإيصاله إلى الخير العاجل والآجل ، وإبعاده عن أسباب الدَّمار والفساد ، قال تعالى﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾([3])

وتعليم العلم النافع ، من التعاون على البر والتقوى ، لما فيه من إزالة الجهل ، والدَّعوة إلى الخير، والتحذير من الشر، ومعرفة الحق والعمل به ، وأداء حقوق الله وحقوق المخلوقين ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ »([4]).

ومن التعاون على البر والتقوى ، الإنفاق على الأقارب والمحتاجين، وإنظار المدين الْمُعْسِر، وإقراض المحتاج ، قال سبحانه وتعالى ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ ([5]).

ومن التعاون على البر والتقوى ، التأليف بين القلوب وإصلاح ذات البين ، وإزالة الخصومات والمنازعات ؛ قَالَ اللَّهُ تعالى ﴿لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ ، إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ ([6]).

ومن التعاون على البر والتقوى ، قيام الموظفين بأعمالهم ، وأداء واجبهم الوظيفي ، لأنَّ المجتمع بحاجةٍ إلى خدماتهم وخبراتهم ، وكلُّ واحدٍ من المسلمين عضو في المجتمع،  يبذل ما يستطيع: فالعالم يعين الناس بعلمه، والغني يعين الناس بماله ، والوالدين يقومان بتربية أولادهم التربية الإسلامية ، وتنشئتهم على الخير والبرِّ والأخلاق الحميدة ، ليكونوا صالحين مصلحين في المجتمع ؛ قَالَ تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ([7]).

ومن التعاون على البر والتقوى ، تعاونُ كل أفراد المجتمع ، على نشر الأمن والأمان ، فبدونه لا تقوم حياة ، ولا يطيب عيش ، ولا يهنأُ بال ، وهي مسئولية الجميع من أبناء هذا الوطن ، وكذلك مساعدة من يسعون لتحقيق ذلك ،  بالتعاون  معهم ، وإعانتهم  على بسط الأمن والأمان ، بالصدق في التعامل ، واللين في القول والمعاملة ، والالتزام بالنظم والقوانين ، والبعد عن الكذب والفتن ، وعدم نشر الإشاعات وإحباط المعنويات ، وتوحيد الصفوف وعدم التفرق ، والاعتصام بحبل الله ، يقول سبحانه وتعالى ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ، وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً . ﴾([8]).

أيها المسلمون: وإلى جانب الأمر بالتعاون على البر والتقوى ، ينهى الله عن التعاون على الإثم والعدوان ؛ فلا يجوز للمسلم أن يرتكب المعاصي والمحرمات ، ويعتدي على الحرمات ، ولا يجوز له أن يعين من يرتكبها ، لا بقول ولا بفعل . قَالَ رسولُ صلى الله عليه وسلم « لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ ، اشْتَرَكُوا فِى دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِى النَّارِ »([9]). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ »([10]).

ثم ختم الله الآية بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ مؤكداً بذلك ما أمر به في أولها ، من التعاون على البر والتقوى، وما نهى عنه من التعاون على الإثم والعدوان ، ومحذراً من عقوبته لمن خالف ذلك. قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ »([11]). نسأل الله تعالى أن يجعلنا على الخير متعاونين متآلفين متنافسين ، وعن الشر والسوء مجتنبين مبتعدين ، إنَّه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ  يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ  إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ .

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين ، والعاقبة للمتَّقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين  صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد : فيا أيها المسلمون : ما  أحوجنا اليوم إلى التعاون على البر والتقوى ، وإلى التآلف والتآزر وتوحيد الصفوف ، وإزالة الأحقاد ودفع الفساد عن مجتمعنا ، وإلى تربية أولادنا ونسائنا وإصلاح بيوتنا ، وتنقية مجتمعنا من عناصر الشر والسوء والإفساد، وما أحوجنا إلى الحذر من الدعايات المضللة ، والأفكار الخبيثة التي تُدْفَعُ إلينا عن طريق وسائل الإعلام وشبكاته المختلفة . إننا اليوم بأمس الحاجة إلى التعاون على جلب المصالح وتكميلها ، ودفع المفاسد وتقليلها ، قال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ، أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾([12]). نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الطائعين ، وأن يوفقنا لما فيه الخير للناس أجمعين ..

عباد الله : صلُّوا على رسول الله ، صلُّوا عَلَى مَنْ أُمِرْنَا مِنْ رَبِّنَا بِالصَّلاةِ وَالسَّلاَمِ عليه بقوله سبحانه ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([13]). اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم يا بديع السموات والارض ، ذا الجلال والاكرام والعزة التي لا تُرام ، نسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك ، أن تحفظنا وتحفظ بلادنا من شر الأشرار ، ومن كيد الفجار، ومن شرِّ طوارق الليل والنهار ، اللهم إنا نستودعك ليبيا وأهلها ، أَمْنَهَا وَأَمَانَهَا ، لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا ، أَرْضَهَا وَسَمَاءَهَا ، مَرَافِقَهَا وَمُنْشَآتِهَا ، فاحفظها يا ربنا واحقن دماءَ أهلها ، اللهم ارحم شهدائنا ، واحفظ أمن بلادِنا، ووفقنا لما فيه الخير لنا ، والأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان لبلادنا ، اللهم من أراد لبلادنا الخير فأعنه ووفق وسدده ، ومن أراد لها الشر والتفرق والتمزق فاجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين ، اللهم اجمع كلمتنا ووحد صفوفنا وانصرنا على من عادنا ، اللَّهُمَّ اغفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ،إنَّك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ، واشْمَل اللَّهُمَّ بعفوِكَ وغفرانِكَ ورحمتِكَ آباءَنَا وأمهاتِنَا، وجميعَ أرحامِنَا ، ومَنْ كانَ لهُ فضلٌ علينَا ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَوا هَذَا الْمَسْجِدَ ولمن أنفق وينفق عليه  ، ولمن عمل فيه صالحا وإحسانا  يا رب العالمين .





[1]- الزُّمر:61 .
[2] - المائدة2 .
[3]- الروم41 .
[4]- رواه الترمذي .  
[5]- آل عمران92.
[6]- النساء114.  
[7]- الحج77 .  
[8]- آل عمران103 .
[9]- رواه الترمذي . 
[10]- رواه ابن ماجة . 
[11]- رواه الترمذي . 
[12]- التوبة71 .
[13] - الأحزاب56

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون