تربية الأبناء ومتابعة تحصيلهم العلمي
تربية
الأبناء ومتابعة تحصيلهم العلمي
الحمد
لله القائل سبحانه ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ
الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ
عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾([1]). وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، جعل المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، وأشهد أنَّ سيِّدنا
ونبيَّنا محمَّداً عبدهُ ورسوله القائل صلى الله عليه وسلم « كُلُّ مَوْلُودٍ
يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ . »([2]). صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، أجمعين ، والتابعين
لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليماً كثيراً . أما بعد فأوصي نفسي وإيَّاكم
بتقوى الله القائل سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ، وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَّاءلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ ، إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾([3]).
معاشر المسلمين:
لقد تفضل الله على عباده بنعمٍ لا تُحْصَى ، ومنن لا تستقصى ، فكلُّ نعمةٍ يراها
العبد على نفسه هبةً من الله ، قال تعالى ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ
اللّهِ ﴾([4]). واعلموا أنَّ هناك نعماً
خصَّ الله بها فئةً من الناس ، وحرمها فئةً أخرى ، ابتلاءً منه سبحانه وتمحيصاً لعباده ، ليميز الخبيث من الطيب ، قال
تعالى : ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ
لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ
ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً ، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
﴾([5]). فمن أعظم النِّعم
على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد ، ولا سيما الولد الصَّالح ؛ نعمة
الولد لا يعرف قدرها إلا مَنْ حُرِمَهَا ، فكم من النَّاس من مُنع نعمةَ الأُبُوَّةِ
والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ، بكل ما أوتي من جهدٍ ومالٍ للحصول
على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله تعالى فوق الطاقات والأموال المهدرات ، لأنَّه
سبحانه عليم قدير ، يختبر العباد ، وَيَمْتَنُّ على الإنسان ، فاصبروا وصابروا
ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
إخوة الإيمان :
إنَّ هذه النعمة ، نعمة الأولاد ، التي امتن الله بها علينا تحتاج إلى تربية
وتعليم ، ومتابعة وتوجيه وترشيد ، وحفظٍ
ورعاية ، حتى تنشأ سليمة مستقيمة ، متمسِّكةً بدينها وبأخلاقها وَبِقِيَمِهَا ، لكي
تؤتي ثمارها المرجوَّة والمنشودة ؛ فلقد عجز أعداء المسلمين اليوم ، عن إبعادهم عن
دينهم بقوة السلاح ، لكنهم استولوا على العقول ، ولا سيما عقول الشَّباب ، من خلال
القنوات الفضائية ، وشبكات المعلوماتية ، وعُملت المخططات ، وأُنشئت الدراسات ، كل
ذلك للإطاحة بشباب الإسلام ، وياللأسف فقد تحقق لهم ما أرادوا ، ونالوا من شبابنا
ما ناولوا ، ولكن لم يكن لِيُتِمَّ ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة ،
ومشاركةِ أولياءِ أمورٍ ، قَدْ تَنَصَّلُوا عن التربية ، واهتموا بسفاسف الحياة ،
فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه ، وخرج من عقيدته ، وتبرأ من أهله وعشيرته ، وتخلى عن
عاداته ، وانخلع من تقاليده ، فها نحن نرى جماعات من الناشئة ، رائحة إلى مدارسها
وغادية ، لا يعرفون معروفاً ولا يُنْكِرُون منكراً ، بل تغيرت أفهامهم ، وانتكست
أوضاعهم ، وَفَسُدَت طِبَاعُهُم ، وقلَّدوا أعداءهم ، وقد قال رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ،
لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى »([6]). وانظروا إلى بعض الشباب والشابات عبر الشوارع والطرقات ، تأملوا
تلكم الموضات والقصات ، أشكال غريبة ،
وهيئات مريبة ، شباب تائهون حائرون ، للحبوب والمخدرات يتناولون ، لعقولهم
ولأجسامهم يُدمِّرُون ، سرعة على الطرقات فائقة ، أغان صاخبة ، تصرفات طائشة ،
إزهاق لأرواح الأبرياء ، خطفٌ وقتلٌ وسرقة ، تصرفات غوغاء ، وأعمال هوجاء ، ونتائج
شنعاء ، وتدمير للمنشآت والأبنية العامة والخاصة ، فأين المسؤولية والمسؤولون ؟
وأين الأمانة والمؤتَمَنُونَ ؟ وربُّنا سبحانه وتعالى ينادي ويقول ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾([7]). وعَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ ،
وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ »([8]).
وكم
من المسؤولين أيها الآباء وَالْمُؤْتَمَنُونَ ، من فرطوا في مسؤولياتهم ، وأضاعوا
أماناتهم ، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم ، قال تعالى ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن
يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ، إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً
جَهُولاً ﴾([9]). فالتفريط في أمانة رعاية الشباب والناشئة ، خيانة عظمى ، ومصيبة
كبرى ، قد حطت رحالها بمجتمعاتنا ، وما يحدث من كوراث وانحرافات ، ومواجع وفاجعات
، كُلُّ ذلك سببها الإهمال في تربية الشباب ، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان
والفتيات ، فلقد انزلق بعض الشباب المسلم ، في براثن أصدقاء السوء ، وشبكات
المعلومات والفضائيات ، فوقعوا في الفواحش والرذيلة ، وسقطوا في مستنقعات العار
والفضيحة ، ووقعوا في بؤر الإسفاف ، ومراتع الاستخفاف ، والأدهى والأمر ومما يدمي
القلب ، أن هذه الانحرافات ، قد طالت بعضا من الناشئة الصغار الذين هم في مراحل
التعليم الأساسي ، قد انحرفوا عن المسلك
الصحيح ، يخرجون من بيوتهم صباحا ، قاصدين مدارسهم فلا يصلون إليها ، يهيمون في
الشوارع والطرقات والأزقة ، وحول المحالِّ التجارية ، وعند أركان البيوت ، دخانٌ
وربما مخدِّراتٌ ومسكرات ، ويتعرضون بالأذية للمسلمين ، ويعودون لبيوتهم مع نهاية
اليوم الدراسي وكأنَّ شيئاً لم يكن ، وآباؤهم وذويهم عنهم غافلون ، يظنون أنهم في
مدارسهم يتعلمون ، في إهمالٍ وتضييع للمسئولية من قبلهم ، فلا هم يتابعون ولا هم يسألون
ولا يتفقدونهم أبناءهم في مدارسهم ، وهذه هي بداية الانحراف ، خاصة إذا اختلط هذا الناشئ
مع غيره من المنحرفين ، فيجرونه إلى السرقة والقتل والخطف ، والإدمان على المخدرات
والمسكرات ، وأول المتضررين هم الآباء والأمهات ، ثمَّ المجتمع والمحيط الذي
يعيشون فيه ، فلا بد من سدِّ هذا الخلل ، ورقع هذا الخرق ، ورأب هذا الصدع ،
وترميم جدار التربية ، من قبل الآباء والأمهات أولاً ، ثمَّ التربية والتعليم
، قبل أن يفوت الآوان ؛ ألا فاتقوا الله
أيها الآباء وراقبوا أبناءكم وتابعوهم ، فأنتم عند ربكم موقفون ، وعن ذريتكم
مسؤولون ، قال تعالى : ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾([10]). وقال سبحانه ﴿ ثُمَّ
لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾([11]). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ، سيد الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم
وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فيا عباد الله : أوصي نفسي وإيَّاكم
بتقوى الله -جل وعلا- فتقواه هي السعادة العظمى، وطاعته هي الغنيمة الكبرى.
أيها الآباء أيها المربون :
بقي أن نذكر بمسألة أخرى وهي أن بعضاً من الآباء يوصلون أو يرسلون ببناتهم
للجامعات ولا يهتمون بما يلبسن من ملابس غير محتشمة ، تصف وَتُبْرِزُ مفاتن أجسامهن
، في إهمال وتقصير وعدم مبالاة ، نحو هذه المخالفات الشرعية ، التي يفعلنها بناتهم
، والله تعالى يقول﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾([12]). فالمسلمة تعرف بحيائها وسترها وعدم تبرجها ، طاعةً لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم ، وحتى لا تحرم من الجنَّة يوم القيامة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ
سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ
مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ
الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا
وَكَذَا »([13]). لذلك فإننا نناشد أولياء
الأمور أن يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم ، ويربوهم على الستر والعفاف والحياء ، ويجنبوهم
أصحاب السوء والفتنة ، ويعملون وإيَّاهم على المساهمة في حِفظِ أَمنِ بِلادِهِم وَرَاحَةِ
أَهلِهَا، لا أَن يَكُونُوا مَعَاوِلَ هَدمٍ في كيانِ أُمَّتِهِم وَبِنَاءِ مُجتَمَعِهِم،
أَو مَصدَرَ إزعاجٍ وقلق لمجتمعاتهم وإخوانهم المسلمين . نسأل
الله تعالى أن يصلحنا وأزواجنا وأبناءنا وبناتنا ، وأن يجنبنا وإيَّاهم منكرات
الأخلاق ، وسوء الأفعال ، إنَّه سميع قريب مجيب الدعاء . عباد الله : صلُّوا على
رسول الله ، صلُّوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير ، فقد أمرنا بذلك
اللطيف الخبير ، بقوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾([14]).
اللهم صل وسلم وزد وبارك وأنعم وأكرم على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله
وأصحابه أجمعين ، وعن التَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ، وعنَّا معهم بجودك
وكرمك وإحسانك يا رب العالمين ، اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا وأعنا على تربيتهم
التربية الحسنة ، اللهم أبعد عنهم رفقاء السوء يا رب العالمين ، اللهم اهد قلوبنا
، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالباقيات الصَّالحات أعمالنا ، وتوفنا وأنت
راضٍ عنا يا رب العالمين ، اللهم إنا
نسألك العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، اللهم
ارزقنا التواضع ، وجنبنا الكبر والغرور يا رب العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، واغفر اللهم لوالدينا ولمعلمينا
ولمشايخنا ، ولمن أوصانا وأوصاكم بصالح الدعاء ، ولمن أسسوا هذا المسجد ولمن يقومون على خدمته ، ولمن
عمل فيه صالحا وإحسانً يارب العالمين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب
المكروبين واقض الدَّين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى
المسلمين ، وعاف مبتلانا ومبتلى المسلمين يارب العالمين ..عباد الله :
ليست هناك تعليقات