جديد المدونة

الموضوع : آداب المساجد

الموضوع : آداب المساجد  
الحَمْدُ للهِ الَّذِي جعلَ بيوتَهُ فِي الأرضِ المسَاجِدَ، وأمر بالعناية بها وتهيئتها للراكع والسَّاجد ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبينا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ رغَّبَ فِي الاهتمامِ بِالمساجد وأمرَ بنظافتِهَا وطهارتِهَا ، وصيانتها عن اللغو والعبث ، صلى الله  وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ وتابعِيهِمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ . أما بعد: فأوصي ونفسي وإيَّاكم بتقوى الله القائل سبحانه ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ ، فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾[[1]].
أيها المسلمون: إنَّ المساجدَ بُيُوتُ الله تعالى في الأرض، وَعُمَّارُهَا زُوَّارُهَا، فمنْ أتى المسجد فهو زائرٌ الله ، وحقٌّ على المزور أن يكرم الزَّائر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟ أَيْنَ جِيرَانِي ؟ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِد ؟ »[[2]].
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء، ومنازل العظماء، أصابه جودُهم وفضلهم، ونال من أعطياتهم وَغَنِمَ من إكرامهم، فكيف بضيفٍ نزل بأكرم الأكرمين، وحلَّ على رب العالمين..؟ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربِّه:« إِنَّ بُيُوتِي فِي أَرْضِي الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي ، فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ »[[3]].
ولا شك أنَّ أعظم هذه الكرامات، وأفضل هذه الأُعْطيات، أن يُذِيقَهُ الله تعالى لِذَّةَ قربه وحلاوة مناجاته، وأن يمنحه شهادة الإيمان. فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾ »[[4]]. وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكونُ في ظلِّ عرش الرحمن، آمناً مُطمئنًا. فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ – وَعَدَّ مِنْهُمْ - وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ..»[[5]].
ولهذا إخوة الإيمان :  يُستَحَبُّ لقاصِدِ المسجد أن يتجمَّل لصلاتِه ، بما يستطيعُ من ثيابِه وطيبِه وسِواكه، قال جلَّ في علاه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾[[6]]. وقال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ مَنْ تُزِيَّنَ لَهُ . »[[7]]. وعلى قاصدِ المسجدِ للصلاةِ ، اجتنابُ الروائحِ الكريهةِ في ملبسِه ومأكله وجسمهِ، فلا يؤذِي إخوانَه المصلين بنَتَنِ الرائِحَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَكَلَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ ، فَلاَ يَقْرَبْنَا فِى مَسَاجِدِنَا ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ »[[8]]. فأكرِم بعبدٍ يأتي بيوتَ الله مُتطهِّرًا مُتنظِّفًا، تفوحُ رائحتُه طيبًا وعُودًا.
وأمَّا تسويةُ الصُّفوفِ إخوة الإيمان : فلها أجرٌ عظيمٌ ، فينبغي للمصلين تَسْوِيَةِ صفوفهم ، ويتمُّون الصف الْأَوَّلَ فالأوَّل ، ولا يتركون فُرَجًا فيما بينهم ، ففي يومٍ من الأيامٍ خرجَ رسولُ الله على أصحابه في المسجد، فوجد أنَّ الصفوفَ غيرَ مُستقيمةٍ فَقَالَ « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ »[[9]]. - وقَالَ عليه الصلاة والسلام :« أَقِيمُوا الصُّفُوفَ ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ ، وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ. وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ »[[10]]. فعلى المصلين عدم التهاون في تسوية الصفوف واستقامتها وإتْمامها .
إخوة الإيمان : وعلى قاصِد المسجد ، أن لاَ يؤذِيَ إخوانَه المصلّين بتخطِّي رقابِهم ، ومضايَقَتِهم ومزاحمَتِهم ، ومحاولةِ اقتحام الصُّفوفِ عليهم , فقد جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ »[[11]].
وإنَّ من التشويشِ والإيذاء الذي عمَّ وطمَّ في كثير من مساجدِنا ، وقطَعَ على المصلين خشوعَهم وسكونَهم ، ما يصدُر من أجهزةِ الجوَّال من أصواتٍ أثناء الصلاة ، والتي آذت المسلمين أيَّما إيذاءٍ، فعَلى كلِّ مسلم يخشى ربَّه أن لا يترك جوَّاله يرنُّ في بيوتَ الله ، وعليه أن يسارعَ إلى إقفالها ولو كان في الصلاة ، حتى لا يُشوش على المصلين ، ومن التشويش ما يحدث يوم الجمعة ، من أصواتٍ للآذان من الجوَّالات ، عندما يحين وقت الآذان ، وما فيها من تشويشٍ على من يقرأ القرآن ، أو يصلِّي ، أو يذكر الله عزَّ وجل  ، فلا ينبغي رفع الأصوات ولو كان بقراءة القرآن ، فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ : « أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ ». أَوْ قَالَ : « فِى الصَّلاَةِ »[[12]]. وقال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم « إنَّ هذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِراءةُ القُرْآنِ »[[13]] فكيف بمن يؤذي المصلين ، بما يذهب خشوعهم ، ويفسد عليهم صلاتهم . واللهُ تعالى يقول:  ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾[[14]].
أيها الكرامُ: ويجب أن تُصانَ المساجدُ ، عن الأقوالِ الرذيلَةِ ، والأحاديثِ السيَّئةِ ، والأصواتِ المرتفعةِ، فلا مكانَ للغوغائيينَ والمشاغبينَ في المساجد ، فنحن أمَّةُ النِّظامِ والهدوءِ والسَّكينةِ ،ومن ابْتَلَي بهذا الصِّنفِ من الناسِ ، فليكنْ هو العاقلُ التَّقيُّ الصابرُ , « فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر »[[15]]. فليس لأحدٍ أن يسيءَ الأدب في بيتِ الله عزَّ وجل ،فبيتُ اللهِ مُحترمٌ ، له مكانةٌ رفيعةٌ وحصانةٌ شرعية ، يقول ربنا سبحانه وتعالى  ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾[[16]]. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وأن يجعلنا من عباده الأتقياء الأصفياء ، وأن يرزقنا حسن التأدب في بيوته ، ومعرفة مكانتها وعظمتها ،إنَّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والعاقِبَةُ للمُتَّقينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللهُمَّ صَلَّ وسلِّمْ وبارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تسليمًا كثيرًا . أما بعد فيا عباد الله ، وإنَّ مما يَجْدُرُ التنبيه والتوجيه إليه ،اصطحاب الأطفال الصغار، الذين لا يعون ولا يميزون ما يفعلونه، من ضحكٍ ولعبٍ وحربٍ وبكاءٍ وجريٍ أمام المصلين، فذلك مما يُؤَدِّي لقطع صلاة المصلين وفقدهم لخشوعهم، فهم لا يدركون خطر ذلك، ولا يميزون بين الحلال والحرام، ولا الطيب والخبيث، فعلى الآباء عدم اصطحاب أبنائهم الذين هم في سن الطفولة، حتى لا يتسببوا في أذية المصلين . فيأثمون بذلك ، ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال:« مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِى عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ »[[17]].   
 فينبغي عباد الله: أن تصان المساجد عن الصغير الذي لا يميز، وعن المجنون حال جنونه، وتصان المساجد عن رفع الأصوات بمكروه ، أو بتشويشٍ وإزعاجٍ بالأجهزة النَّقَالة . فالله الله باحترام المساجد وتعظيمها، وعدم أذية المسلمين العمار لها . والله تعالى أعلى وأعلم ، والحمد الله رب العالمين.. عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾[[18]]. اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمدٍ وارض اللهم عن آله وأصحابِه أجمعين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.. اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد يارب العالمين. اللهم اجعلنا إخوة متحابين على الخير متعاونين . اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ


[1] - التوبة18 .  
[2] - السلسة الصحيحة .
[3] - رواه أبو نعيم .
[4] - رواه الترمذي .
[5] - متفق عليه .
[6] - الأعراف31 .
[7] - سنن البيهقي .
[8] - رواه النسائي .
[9] - صحيح مسلم .
[10] - رواه البيهقي .
[11] - رواه ابن ماجة .
[12] - رواه أبوداود .
[13] - رواه أبوداود .
[14] - الأحزاب58 .
[15] - رواه أبوداود.
[16] - سورة الجن18.
[17] - رواه البيهقي .
[18] - الأحزاب56

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون