جديد المدونة

ربيع الأنوار والسلم الاجتماعي


الموضوع / ربيع الأنوار والسلم الاجتماعي

 الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ ، الحمدُ للهِ وسلامٌ على عِبادِهِ الذينَ اصطَفَى ، الحمدُ للهِ الواحِدِ الاحَدِ ، الفردِ الصَّمَدِ ، الذي لم يلدْ ولم يُولَدْ ، ولم يكُن لَهُ كُفُوأً أحد. أحمَدُهُ تعالى وأستَهْديهِ وأسترشِدُهُ ، وأتوبُ اليهِ وأسْتِغفِرُهُ ، وأعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنَا وسيِّئاتِ أعمالِنَا ، من يهْدِهِ اللهُ فهوَ المُهتد ، ومن يُضْلِلْ فلنْ تجدَ لَهُ ولياً مُرشِداً ، وأشهدُ أن لا الهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، أَرْسَلَ رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِ ليُظهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ ولو كره الكافرون ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنا مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، وصفيُّهُ وخليلُهُ ، بَعَثَهُ اللهُ رحمةً مُهداةً للعالمينَ ، أقامَ صُرُوحَ العدلِ وحاربَ الظُّلمَ، دَعَا الى عبادَةِ اللهِ الملكِ الدَّيانِ ، وحارَبَ الشِّركَ وحطَّمَ الأوثانَ ، نَشَرَ الاخلاقَ الحميدَةَ ، وحارَبَ الرّذيلَةَ ، دَعَا الى مكارِمِ الاخلاقِ ، وَنَبْذِ التباغُضِ والتَّحاسُدِ والتَّدابُرِ والتَّنَافُرِ بينَ المؤمنينَ، تَحوَّلَتِ الجزيرةُ العربيَّةُ بمولِدِه،ِ وازدانَتْ بِبِعثَتِهِ ، فصارتْ مركزَ إِشْعَاعِ نورٍ وهدْيٍ وبركةٍ، وأسرارٍ عمَّ على العالمينَ . الصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الانبياءِ وخاتِمِ المرسلينَ ، من بَعَثَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمينَ، الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ اللهِ ، يا من بشَّرَ بك الملأ الأعلى قبل ولادتك ، الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، يا من نَطَقَ الانبياءُ بالبشائِرِ بِبِعثتِكَ ومولِدِكَ، الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ ، يا من بَشَّرَ بمولِدِكَ وبِعْثَتِكَ الكُتُبُ السَّماويَّةُ كلُّها ، صلواتُ ربّي وسلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا أبا القاسِمِ ، صَلَوَاتُ ربي وَسَلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ .

 صلَّى عليكَ اللهُ يا خيرَ الورى

                             تِعْدَادَ حَبَّاتِ الرِّمَالِ وَأَكْثَراً

صلَّى عليكَ الله ما غيثٌ همى

                         فوقَ السُّهولِ وبالجبالِ وبالقُرَى

يا خيرَ مبعوثٍ بخيرِ رسالةٍ

                           للنَّاسِ يا خيرَ الأنامِ وأطهرا

صلى عليكَ اللهُ في عليائِهِ

                            مَا صَاحَ دَاعٍ لِلْأَذَانِ وَكَبَّرَا

يا ربِّ صلِّ على النَّبي وآله

                       ما فاضَ نَبْعٌ بالْجَدَاوِلِ أَوْ جَرَى

صَلُّوا على الْمُخْتَارِ أَحْمَدَ إنَّهُ

                     أَزْكَى الْأَنَامِ وَخَيْر مَنْ وَطِيءَ الثَّرَى

أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ونحن نستقبل  ذكرى المولد النَّبوي الشريف ، ما أحوجنا في هذه الأيام وغيرها ، أن نتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق الكريمة الفاضلة ، أخلاق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأن ننشرَ ثقافة السِّلم والسَّلام في مُجتمعنا ، ونسلك منهج نبينا عليه الصلاة والسلام في ذلك ، فعندما قَدِمَ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ، بَشَّرَ أهلها  بكلماتٍ تُسَطِّرُ ميثاق السَّلام ، تَفُوحُ بالحبِّ، وَتَصْدَحُ بِالْوِّد، وتأمُر بالسَّلام ، فقال عليه الصلاة والسلام: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ »([1]).  يا لَهُ من نداء ، يا لهُ من نداءٍ أرسى دعائم السَّلام، ودعا إلى التَّعَايُشِ المشترك بين الناس ، على اختلاف أعراقهم وألوانهم، وَأَسَّسَ منهجاً حضارياً في التعامل مع أهل الأديان المختلفة، يقوم على السِّلْمِ، ونبذ العنف والتطرف، وتعزيز التَّعاون البَنَّاء ، في المجالات الإنسانية المتعددة ، من اقتصاد وتجارة وغيرها، فأصبح بذلك مجتمعُ المدينة ، أُنْمُوذَجاً رائعاً في السِّلم والوئام، انطلقت منه العزيمة الصادقة والدعوة إلى تحقيق المساواة، وإقامة العدل بين بني الإنسان، ليرفرف السَّلام على البشرية بأسرها، وتنعم في رحابه .

فما أحوجنا اليوم ، ونحن نستذكر هذه الذكرى العطرة ، وهذه الوصية الخالدة ، الى تفعيل ونشرِ هذا السِّلْمِ والسلام  في بلادنا ، المليئة  بالفتن والإشاعات ، والاقتتال والنزاعات ، والتي أصبحت تهدد مستقبلنا ، وتؤثر على حياتنا وعلى السِّلْم والسَّلام والتعايش فيما بيننا .

إِنَّ السَّلام إخوة الإيمان : مقْصِدٌ هَامٌّ من مقاصد الإسلام، وَغَايَاتِهِ العظام، فهو شعار الإسلام، يبث السَّكينة في نفس الإنسان، وينشر الاستقرار والأمن في الأوطان، وهو أساس الدعوة للجنان ، قال الله سبحانه: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }([2])

و يقول نبينا عليه الصلاة والسلام « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »([3]).. فإذا فُقِدَ التَّعايشُ والسَّلام فُقِدَتْ كل هذه الأشياء .  

أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم : تمرُّ بنا ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام ، ونحن أشدُّ ما نكون حاجة، للاسترشاد بسيرته العطرة ، التي وضعت الأساس المتين في المدينة المنورة ، للوحدة الإنسانية والإخاء بين المهاجرين والانصار، والتعايش الإيجابي بين المسلمين وغيرهم ، يقول سبحانه وتعالى { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }([4]) .

إنَّ ديننا الإسلامي أيها الإخوة : يأمرنا بالتعايش السِّلمي، ويعتبره فريضة واجبة وجوبا شرعيا وليس حقًّا فقط . إنَّه فريضة عينية على الفرد تجاه مجتمعه، وفريضة عينية كذلك على الدولة تجاه مواطنيها . فالسِّلم الاجتماعي ضرورة من ضرورات التعايش في المجتمع ، ولن ينتشر الأمن والأمان ، ولن تبنى البلاد وتتطور إلا بالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع ، استجابة للنداء القرآني : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ .}([5]).  ولا يحدث هذا التعايش ، إلا بتحكيم شرعِ الله فيما بيننا ، وبالاحترام والتقدير والمساواة بين أفراد المجتمع ،  وبنشر الخير والحب والسلام ، وبالنصح والإرشاد والكلمة الطيبة الصادقة المخلصة . وكذلك بردع المخالفين وتقديمهم للعدالة ، ورد المظالم إلي أهلها، وإنصاف أصحاب الحقوق ، من خلال جهات الاختصاص ، وهذه لا يكون إلا بقيام الدولة ، وبتعاون أفراد المجتمع لقيامها ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }([6]) . نسأل الله تعالى أن يجعلنا دائماً على الخير والبر والتقوى متعاونين ، وعن الشرور والفتن والفساد مبتعدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم ..  

الخطبة الثانية

  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ: فيا إخوة الإيمان : ما أحوجنا ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف ، أن نبتعد عن كل ما يروع الناس أو يزعجهم ، أو يثير الرعب فيما بينهم ، فحبُّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ليس بالمفرقعات أو بإطلاق الرصاص والمتفجرات ، فهذه الأعمال تؤذي الناس ، والاحتفال لا يكون بأذية الناس ، فليحذر هؤلاء من دعاء من قد آذوه ، وقد حذر نبينا عليه الصلاة والسلام ، من إيذاء بعضنا البعض ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقَالَ صلى الله عليه وسلم « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ». »([7]).  وقال عليه الصلاة والسلام « مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ »([8]) . نسأل الله تعالى أن يبعد عنا كلَّ شرٍ وفساد ، وأن يجعلنا جميعاً من السعداء في الدنيا والآخرة .. عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }([9]). اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، صلاةً تُحَلُّ بها الْعُقَد ، وتنفَرِجُ بها الكرب ، وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا أمناً وأماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ولِّ أمورنا خيارنا ، ولا تول أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا يا رب العالمين ، اللهم اجعلنا متعاونين على فعل الخيرات، متحابين فيك ابتغاء الجنات، اللهم اجعل هذا الجمع المبارك جمعا مرحوما ، واجعل تفرقه تفرقا معصوما ، ولا تجعل فينا ولا معنا ولا ممن حولنا شقيا ولا محروما ، اللهم وحد كلمتنا واجمع شملنا ووحد صفنا ، يا رب العالمين ، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن ، وشرَّ الفتنَ ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أصلح لنا شأننا كله، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات  ،اللهم اغفر لمن  بنى هذا المسجد ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن عمل فيه صالحاً وإحسانا يا رب العالمين .  



[1] - رواه بن ماجة .
[2] - يونس25 .
[3] - رواه الترمذي .
[4] - الحشر9.
[5] -  آل عمران103 .
[6] - المائدة2 .
[7] - رواه أبو داود  .
[8] - رواه الطبراني .
[9] - الأحزاب56 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون