كيف نتعامل مع الرسائل الربَّانيَّة
كيف
نتعامل مع الرسائل الربَّانيَّة
الحمد
لله ربِّ العالمين ، اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة المتواترة ، ولك الحمد على آلائك
الجسيمةِ المتظافرة ، اللَّهُمَّ لك الحمد في اللّيل إذا أدْبَر، ولك الحمد في الصّبح
إذا أسفر، ولك الحمد في الظَّهائر والأسْحار، ولك الحمدُ بالعشيِّ والإِبْكَار، اللَّهُمَّ
أنت الّذي بذكرك تَطْمَئِنُّ القلوب ، وتنكشفُ الكروب ، استر علينا فاضحاتِ الْعُيُوب
، واغفر لنا موبقات الذُّنوب ، إنّك أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين . وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، ملأ القلوب من هيبته ، وعمَّر الأكوان بحكمته ، وطوَّقَ
الأعناق بنعمته ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، اللهم أحينا على
سنته ، وأمتنا على ملته ، واحشرنا في زمرته . أمَّا بعدُ: فأوصيكم عباد الله ونفسي
بتقوى الله ، فاتَّقوا الله واستجلِبوا رحمتَهُ بِتقَواهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ، وَيَجْعَل لَّكُمْ
نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }([1]).
إخوة الإسلام والإيمان
: إنَّ ربَّنَا الرحيم الكريم لطيفٌ بنا،
يُعَامِلُنَا بلطفه وسعةِ رحمته وكرمه ، حيث قال سبحانه وتعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ }([2])
. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم « خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَوَضَعَ رَحْمَةً
وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ يَتَرَاحَمُونَ بِهَا وَعِنْدَ اللَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ
رَحْمَةً »([3]).
وَيَدْعُونَا نبيُّنا عليه الصلاة والسلام إلى الرحمة فيما بيننا ، فيقول « الرَّاحِمُونَ
يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ
»([4]).
ومع هذه الرحمات ، من ربِّ الأرض والسماوات ، إلاَّ أنَّ ما يَحْدُثُ ويُشاهد في
بلادنا ، وفي بعض مدنها من مشاكل وتقاتل ، وإجرام وإفساد ، ونفاق وخداع ، وظلم
متنوِّع ، كلُّها مظاهرُ سلبية ، لا يُوجَدُ فيها ما يُفْرِحُ القلب وَيُسْعِدُ
الخاطر ؛ ورغم هذا الذي يحدث ، يُعَامِلُنَا الله جلَّ جلالهُ برحمته ومننه ، فلقد
رأينا وشاهدنا ، في بداية هذا الأسبوع ، نُزُول الغيث النافع على هذه الأرض
الطيِّبة المباركة ، أليس هذا الغيث رحمةً من الله جلَّ وعلا على البلاد والعباد ،
أليس هذا الغيث ترتوي منه الأرض والحيوان والنبات ؟ أليس هذا الغيث يدفعُ الواحد
منا إلى أن يستبشر ويفرح بنعمة الله ، رغم الظلم ورغم الفساد ، ورغم قسوة القلوب
البشريَّة ، ورغم الترويع ، يُعَامِلُنَا جَلَّ وعلا بلطفه ورحمته ، وينزل علينا
الغيث النافع ، لسعادتك أيها الإنسانُ الجاحدُ لنعمةِ ربك ، إنَّها رسالةٌ
ربانيَّة ، ومنَّةٌ إلاهِيَّة ، تقول لنا اعتبروا انتبهوا، تراحموا وتعاطفوا
واشكروا ربكم ، تعاونوا على البِّر والخير، تناصحوا تصالحوا وتكافلوا ، ارجعوا إلى
ربكم توبوا إلى ربكم ، تضَّرعوا إلى ربكم ، يغفر لكم ويرحمكم ؛ {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ
بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }([5])
.
ونحن
مع هذا نبتعد عن هذه الرحمة ونقول لا نريد ، ويبقى التباعد والانقسام ، والهجرُ
والخصام ، ونحن الخاسرون ، وربنا الغفور الرحيم يقول {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
، لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ، بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ
لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً }([6]).
إنَّ
الأعمال السيئة والمشينة لا يريدها الله لنا ، ولكن نفوسنا المشحونة بالأحقاد
والضغائن ، أوقعتنا في هذه الأعمال ، ومع هذا كُلِّهِ إذا رجعنا صادقين إلى ربِّنَا
، وتغلبنا على حلِّ مشاكلنا بما يرضى رَبَّنَا ، في جميع ربوع بلادنا ، وحققنا قول
الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }([7])
، حَلَّت علينا بركات ربنا ورحمته ، يقول سبحانه وتعالى { فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ
، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }([8])
. هذه الرسائل الرَّبانيَّة ، هي لنَّا مِنْحَةٌ وعطيَّة ، وربما انقلبت مِحْنَةٌ
ورزيَّة ، فلننتبه لحالنا ، ولنتراحم ولا نتظالم ، لأنَّهُ إذا تخلى أبناء المجتمع
عن دينهم ، وكفروا نعمة ربهم ، أحاطت بهم المخاوف ، وانتشرت بينهم الجرائم ، وانهدم
جدار الأمن ، وتفشَّى في النفوس الهمُّ والخوف والقلق ، وهذه هي سنة الله التي لا تتخلف
في خلقه ، اسمعوا إلى قول ربِّنَا تبارك وتعالى في سورة النَّحل {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً
قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ
مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ ، فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }([9]).
فلنتفكر ولنتدبَّر قوله تعالى { فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }([10])
. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ
ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ
»([11]).
فلنتق الله عباد الله ولنبعد أنفسنا عن الظلم ، والحقد والشحناء والبغضاء ، ولنتواصى
بالحق ولنتواصى بالمرحمة ، ولننشر الخير والتسامح والمحبة والتواصل والرحمة فيما
بيننا . نسأل الله تعالى أن يبعث فينا رحمةً تُعِينُنَا على عبادته وطاعته ، إنَّه
سميعٌ قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من
كل ذنب وخطيئة فاستغفروه ، إنَّه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ ربّ العالمين والعاقبة للمتقين وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ
له ، وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا ونَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله وَسَلَّم
وبَارَكَ عليه ، وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين ، وعلى التَّابعينَ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ
وإيمانٍ إلى يومِ الدين . أمَّا بعد: فيا عباد الله : يقول الله تبارك وتعالى {لاَّ
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ
، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }([12])
، ويقول عليه الصلاة والسلام « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ
وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ
فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِىَ الْحَالِقَةُ » ([13]).
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام « مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ »([14]).
عباد الله :
إنَّ ما يقوم به الحكماء والوجهاء والأعيان ، سواء من هذه المدينة ، أو من كل مدن
ليبيا ، لإيقاف هذه الفتنة وهذا الاقتتال ، الذي حدث في مدينة سبها ، وما يبذلونه
من جهودٍ مباركة ، وعملٍ مُضْنٍ ، على مدى هذه الأيام ، من أجل إصلاح ذات البين ، لهو
جهدٌ يذكر فيشكر .. فشكر الله لهم جهودهم ، وسدَّد الله خطاهم، وجعل ذلك في موازين
حسناتهم ، وأعانهم الله على الإصلاح والتوفيق ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم « مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا
فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ »([15]).
فجزاهم الله خيراً ، جزاهم الله خيرا ، وأعانهم على فعل الخير والإصلاح دائماً ،
إنَّه ولي ذلك والقادر عليه ، عباد الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
}([16]).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين
، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك وإحسانك يا
أكرم الأكرمين ، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر
أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا أمناً وأماناً ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين
، اللهمَّ ولِّ أمورنا خيارنا ولا تولِّ أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من
لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا يا رب العالمين ، اللهم وحد كلمتنا واجمع شملنا
ووحد صفنا ، اللهم بارك في جهود المصلحين ، اللهم وفقهم وسدد خطاهم ، وأعنهم على
الإصلاح يا رب العالمين ، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن ، وشرَّ
الفتنَ ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أصلح لنا شأننا كله، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
اغفر لنا، ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات
، اللهم
اغفر لمن بنى هذا المسجد ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن عمل فيه صالحاً وإحسانا يا رب
العالمين .
ليست هناك تعليقات