جديد المدونة

الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم


الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي من على هذه الأمة ببعثة خير البرايا، وجعل التَّمَسُك بسنته عصمةً من الفتن والبلايا، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على النِّعم والهدايا، وأسألهُ الثَّباتَ على السُّنَّةِ والسلامة من المحن والرزايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السِّر والخفايا، والمطَّلِع على مكنون الضَّمائر والنَّوايا، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدا عبدهُ ورسوله كريمُ الخصال وشريفُ السَّجايا، والمجبولِ على الفضائل والمكارم والمعصومِ من الرذائل والدَّنايا، عليه من الله أفضل الصَّلوات وأزكى التَّسليمات وأشرف التَّحايا. أما بعد فيا إخوة الإيمان: أوصيكم ونفسِي بِتقوى الله عزَّ وجلّ، فلا سعادةَ إلاّ بتَقواه، ولا فَوزَ ولا نجاةَ إلاّ بإتباع هداه. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }([1]).

معاشر المسلمين : إنَّ ديننا الإسلامي العظيم ، دعا في كثيرٍ من تعاليمه ، إلى حسن الأدب والتعامل ، مع الله تعالى ومع أنبيائه عليهمُ السلام - لا سيّما خاتمهم النَّبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم - ولا شكّ أنّ مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم وجليل ، ونحن ذاكرون في هذه الخطبة ، بعضٌ من الأدب مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قائدنا ومقتدانا الّذي له كلّ الأدب والاحترام والتبجيل . فكيف يكون أدبنا مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟

إنَّ من الأدب معه أيها الإخوة : محبَّته صلى الله عليه وسلم أكثر من كلّ متعلّقاتنا ، وحتّى أكثر من أنفسنا، قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ، وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ، فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ، وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }([2]). وفي صحيح البخاري أَنَّ سيِّدنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم - « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم  « الآنَ يَا عُمَرُ »([3]). ويقول عليه الصلاة والسلام « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »([4]) .

ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أدب الاتّباع ، وذلك بتحقيق تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمَلِيّاً فلا يكفي ادّعاء الحبّ القلبي، فلابد أن يَتْبَعَ الحب عملٌ بتعاليم من تُحب ، قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }([5]).

يقول الشافعي رحمه الله :

تعصِي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه

                    هذا مُحالٌ في القياسِ بديعُ

 لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ

                     إِنَّ المُحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ

ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم : أدب الاحترام والدفاع ،  وذلك باحترام الرسول وتوقيره والدفاع عنه وعن سنته عندما يقدح فيها أحد ، يقول سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }([6]). . والتوقير هنا التعظيم والتكريم والاحترام .

ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم : الاستجابة الكاملة لأمره ونهيه وعدم التردد : يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ .}([7]) . ولو تأملنا حال الصحابة الكرام ، في مدى استجابَتِهِمْ للرسول صلى الله عليه وسلم ، لرأيت حقيقة الإيمان وصدق الحب للرسول عليه الصلاة والسلام . ومن الأدب كذلك البعد عن ما نهى عنه وزجَر، لأن ذلك طريقنا للجنة ، قال عليه الصلاة والسلام « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى »([8]) .

ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم : عدم التقدم أو رفع الصوت عند سماع قوله ، يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }([9]). أي لا تقضوا أمرًا دون أمر الله ورسوله ، من شرائع دينكم فتبتدعوا, وخافوا الله في قولكم وفعلكم ، أن يخالَف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }([10]). فقد جعل الله سبحانه رفع الصوت عنده ، سبباً من أسباب حبط العمل، وينبغي العلم أنّ هذا الأدب ، يجب التأدُّبَ به في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبعد مماته ، ويكون هذا الأدب بعد مماته بألّا يرفع المرء صوته عند زيارة قبره الشريف مثلاً.

ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم : أدب المناداة ، وقال تعالى تأكيداً على احترام رسول الله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ،  قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }([11]). فهذا يعني أنّه عندما تدعون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فينبغي أن تدعوه بأدب واحترام يليق بمنزلته، وليس كما تدعون بعضكم بعضاً.. نسأل الله تعالى أن يزيننا بأخلاق وآداب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إنّهُ ولي ذلك والقادر عليه ، وأن يرزقنا الأدب معه عليه الصلاة والسلام ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أما بعد: فيا عباد الله : ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم : أدب الإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقت وخاصة يوم الجمعة ، ويتأكد كذلك عندما يذكر عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }([12]). ونلاحظ في الآية الكريمة ، أنّ الله تعالى ابتدأ بالصلاة على النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثمّ الملائكة ، وبعد ذلك أَمَر المؤمنين أن يُصلّوا عليه، وهذا مما يدلّ على أهميَّة هذا الأدب ، وإلى أيِّ مستوى رفيع قد وصل، إلى حدِّ أنّ الله تعالى بعظمته وعزّته وجلاله ، والملائكة بمقامهم قاموا بفعل هذا الأدب . ويقول عليه الصلاة  والسلام « الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ثُمَّ لَمْ يُصِلِّ عَلَىَّ »([13]) .

صلى عليك الله يا علم الهدى

                             واستبشرت بقدومك الأيام

هتفت لك الأرواح من أشواقها

                                وازَّيَّنَتْ بِحَدِيثِكَ الأقلام

اللهمّ زدنا محبّة لرسولك وأهل بيته الأطهار، اللهم زدنا اتّباعاً لتعاليم رسولك وأهل بيته الأطهار، اللهم زدنا توقيراً وتعزيراً لرسولك وأهل بيته الأطهار، اللهمّ صلِّ على سيدنا محمّد عبدك ورسولك وعلى آله الأطهار وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، اللهم امنن على بلادنا بالأمن والأمان ، والراحة والاستقرار والاطمئنان ، واجعل رزقنا رغداً ، هنيئاً مريئاً يا رب العالمين ، اللهم ولِّ أمورنا خيارنا ولا تولِّ أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، ولمن بنى هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ولكل من عمل فيه صالحاً وإحساناً يارب العالمين ..



[1] - النحل97 .
[2] - التوبة24 .
[3] - رواه البخاري .
[4] - رواه البخاري .
[5] - آل عمران31 .
[6] - الفتح 8- 9 .
[7] - الأنفال24 .
[8] - رواه البخاري .
[9] - الحجرات1 .
[10] - الحجرات2 .
[11] - النور63
[12] - الأحزاب56 .
[13] - رواه أحمد .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون