جديد المدونة

لا للقتل لا للترويع لا للفتن


لا للقتل  لا للترويع لا للفتن

  الحمد لله الذي رفع السَّمَاء بقدرته ، وبسط الأرضَ لعبادهِ برحمته ، وَجَعَلَ لِمَنْ قَتَلَ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ عَمْدًا ، يَوْماً يَشِيبُ فَيهِ الْوِلْدَانُ مِنْ شِدَّتِهِ ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل جَلَّ وعلا وهو أصدقُ القائلين { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ }([1])؛ وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمداً عبدهُ ورسوله ، القَائِلُ عليه الصَّلاة والسَّلام« كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ .»([2]). صل الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبهِ أجمعين ، وعلى التَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين . أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عزَّ وجل، فاتَّقوا الله رحمكم الله {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }([3]) .

معاشر المسلمين: إنَّ المسلمَ اللبيبَ الواعِي ، المنْتَبِهَ اليَقِظ ، يَحْرِصُ دائماً على تقوى الله وعملِ ما يرضيه سبحانه وتعالى ، متَّخِذاً من سُنَّةِ حبيبه صلى الله عليه وسلم،  طريقاً يسيرُ بها وصولاً إلى الفردوس الأعلى ،  والمسلم كذلك بعيدٌ كُلَّ البعد عن كُلِّ ما يُدْخِلُهُ تحت غضب الله ، أو لعنته ، أو في نار جهنَّم عياذا بالله تعالى ، وإن مما يُدْخِلُ المسلمَ في غضب الله وطرده من رحمته ، قتلُ النَّفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، يقول الله تبارك وتعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ، فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }([4]) .

إخوة الإيمان : كيف لمسلم ومسلم أن يتقاتلا ، وعندهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى يقول {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً .}([5]) . بل كيف لمسلم أن يَنْصُرَ مُسْلِمًا أو يُعِينُه ُعلى القتل ،  خاصةً إذا كان نُصرةً في باطل ، يقول عليه الصلاة والسلام« لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ »([6]). ويَقُولُ عليه الصلاة والسلام « إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ »([7]) . فيامن تحرصون على القتل ، ويا من تُعينون وتحرضون بالفتنة على القتل ، سواءً بالفعل أو بالقول أو بالكتابة من خلال شبكاتِ التَّواصل الاجتماعي ، أو من خلال وسائل الإعلام الأخرى ، ولو بِشَطْرِ كلمة ، اعلموا أنَّ الله يعلم السِّر وأخفى ، ويعلمُ النوايا وما تضمره القلوب ، اسمعوا لحديث نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول محذراً « مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ، لَقِىَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ »([8]). ويقول عليه الصلاة والسلام « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ »([9]) . فكن أيها المسلم محافظا على إيمانك ، مراقباً للسانك وقلمك ، بأن لا يقول أو يكتب إلاَّ الحقَّ والخير دائماً ، وجنب نفسك هذه الأعمال التي تثير الفتن ، أو تحرض على القتل أو العصبية ، يقول عليه الصلاة والسلام « . مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ »([10]) .. وَجُلُّنَا إخوةَ الإيمان يحفظ هذه الأحاديث ، ولكن أين التَّطبيق ، أين العمل بها ، أين لاتباع لسنة وهديِ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،، الله المستعان .  

إخوة الإسلام والإيمان : إنَّ ما جرى من تقاتل وتناحر داخل هذه المدينة ، وفي أماكن مكتظةٍ بالنَّاس ، وباستخدام الأسلحة الثَّقيلة ، وسقوط القذائف على رؤوسهم ، قد حصدت أرواح أناسٍ أبرياء ، ذنبهم أنَّهم كانوا في مرمى هذه القذائف ، قذائفُ عمياء لا تفرق بين مُذْنِبٍ أو غير مذنب ، صغير أو كبير ، رجل أو امرأة ، شيخٍ أو طفل ؛ وهذه نفوسٌ محرمةٌ غاليةٌ عند الله ، لها وزنُها وثمنها، حتى ولو كانت هذه النَّفس طفلاً صغيراً، وسيسألهم الله عنها يوم القيامة ، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}([11]) ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا »([12]) .

أيها الإخوة في الله : إن المسلم ليتمعر وجهه وينفطر قلبه ، وهو يرى هذا التقاتل وهذا التناحر والتصارع ، بين أبناءِ وطنٍ واحد ، يجمعهم دينٌ واحد ، وعلاقاتٌ اجتماعية ومصاهرة ونسب ، هذا المسلم لا يرضى بأن تحدث مثل هذه الأعمال ، لِتَصل إلى هذا الحدِّ المأساوي ، الذي أزهقت فيه العديد من الأرواح ، واهدرت فيه الكثير من الأموال ، بل ويسارع هذا المسلم المبارك ، إلى تهدئة النُّفوس ، وإصلاح ذات البين ، بالكلمة الطيبة ، والقول الحسن الذي يَجْمَعُ ولا يفرق ،  يقرِّبُ ولا يبعِّد ، الكلُّ من جهته ، الجار ينصح جاره ، والقريب ينصح قريبه ، والصديق ينصح صديقه ، وعلى الآباء تقع المسئولية الكبرى ، تجاه أبنائهم ، بتحذيرهم وثنيهم عن هذه الأعمال ، فهو مسئولٌ عنهم أمامِ الله جل وعلا ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }([13]) ويقول عليه الصلاة والسلام « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا » . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ « تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ »([14]) نسأل الله تعالى أن يعصم نفوسنا من كبائر الذُّنوب وعظائم الأمور، كما نسأله سبحانه أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لا شريك له ولي الصَّالحين ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدا عبدهُ ورسوله صاحب القلب الرحيم والخلق العظيم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الذين آمنوا به وعزَّرُوه ونصروه ، واتبعوا النُّور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون . أما بعد فيا إخوة الإيمان : إنَّ هذا التقاتل وهذا التَّرويع الذي يحصل داخل المدن ، يشلُّ حركة الناس ، ويعطِّل مَصَالِحَهُم ، وَيُوقِفُ مؤسسات الدولة عن تقديم خدماتها ، وتتعطل المدارس والجامعات ، وتتوقف كُلُّ سبل العيش ، ويعيش الناس في خوفٍ ورعبٍ وقلق ، والإسلام قد حرَّم هذه الأفعال وَجَرَّمَهَا ، قال عليه الصَّلاة والسَّلام « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا »([15]).  وقد جاء الإسلام بكل ما يجمع الكلمة ، ويوحد الصف ، وينشرُ السَّلام والأمن فيما بين أفراده ، ليؤسس مجتمعاً متماسكاً طاهراً، مبنيا على سلامة الصدور ونقاء الأنفس ، أَلاَ فلنتق الله عباد الله ولنكن دعاةً للخير والصَّلاح والإصلاح ، ولا نكن دُعاةً للشرور والضلالة والفتن ، يقول عليه الصلاة والسلام «. طُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ ، مِغْلاَقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، مِغْلاَقًا لِلْخَيْرِ ». نسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه ،، عباد الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }([16]) اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن التَّابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا أمناً وأماناً ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهمَّ ولِّ أمورنا خيارنا ولا تولِّ أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا ، اللهم الطف بنا وببلادنا (3) يا رب العالمين ، اللهم احقن الدماء في بلادنا وجميع بلدان المسلمين ، اللهم احفظ الأموال والأعراض والدماء يا رب العالمين ، اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، ووفقنا لامتثال أمرك، واجتناب نهيك ، اللهم وفقنا لتعظيم حرماتك، وارزقنا برك وإحسانك، وعمنا جميعاً بفضلك ورحمتك ورضوانك ، اللهم اجعل إيماننا إيماناً خالصاً صادقاً، وكن لنا مؤيداً وناصراً، ولا تجعل لفاجرٍ علينا يداً، واجعل عيشنا عيشاً رغداً، ولا تشمت بنا عدواً ولا حاسداً، وارزقنا في محبتك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وعملاً متقبلاً ، اللهم اجعل هذا الجمع المبارك جمعا مرحوما ، واجعل تفرقه تفرقا معصوما ، ولا تجعل فينا ولا معنا شقيا ولا محروما ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، ولمن بنى هذا المسجد ،ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن عمل فيه صالحاً وإحساناً يا رب العالمين .


[1] - الإسراء33 .
[2] - رواه أبو داود .
[3] - البقرة: 281 .
[4] - النساء93 .
[5] - النساء92 .
[6] - رواه أبو داود .
[7] - رواه البخاري .
[8] - رواه بن ماجة .
[9] - رواه البخاري .
[10] - البخاري
[11] - سورة التكوير (8-9).
[12] - رواه البخاري .
[13] - التحريم6 .
[14] - رواه البخاري .
[15] - رواه أبو داود .
[16] - الأحزاب56 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون