جديد المدونة

بدأ موسم المغفرة والعمل الصالح


بدأ موسم المغفرة والعمل الصالح

الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام ، ومَنَّ علينا بإدراك شهر الصِّيام والقيام، فضَّل أيامه على سائر الأيام ، وعمَّر نهاره بالصِّيام ، ونوَّر لَيْلَهُ بالقيام ، أحمَدُه سبحانه وأشكره على الإحسان والإنعام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلهٌ تفرَّد بالكمال والتَّمام ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله ، أفضلُ من صلى وصام ، وَأَتْقَى من تَهَجَّد وقام ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابهِ البررة الكرام ، صلاةً دائمةً تتعاقبُ بتعاقبِ الضِياء والظَّلام ، وسلَّم تسليما كثيراً .. أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وأحثُّكُم وإياي على طاعةِ الله ، فنحن يا عباد الله ، قدْ كُتبَ علينا أن نموت ، وغدا ذاهبون  بلا ريب ، إلى دارٍ ليس فيه إلا الحسنات والسيئات ، من كثرت حسناته في هذه الدنيا بتقوى الله ، نجا في تلك الدَّار ، ومن كثرت سيئاتُه في هذه الدَّار ، فحاله غير حال النَّجاة في تلك الدَّار ، إلاَّ أن يأذن الله بشيء ، إنه  مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ .

معاشر الصائمين : ها قد حلَّ بنا شهر رمضان المبارك ، شهر المغفرة والتوبة والرضوان ، شهر العتق من النيران ، فينبغي علينا أن نستقبل هذا الشهر العظيم بالفرح والسُّرور ، والغبطة وشكر الرَّبِّ الغفُور ، الذي وفقنا لبلوغ شهر رمضان وجعلنا من الأحياء الصائمين القائمين ، الذين يَتنَافَسُون فيه بصالح الأعمال ، فاللهمَّ كما بلغتنا أَوَّلَهُ ، فاللهمَّ بَلِّغْنا تمامَه ، وَأَعِنَّا  فيه على الصِّيام والقيام ، وتدبُّر القرآن ، وطهِّر به قلُوبَنَا، وزكِّي به أفعالنا ، واجعلنا فيه من أهل العبادة ، وهبْ لنا التَّقْوى وزيادة ، اللهمَّ مُنَّ علينا فيه بالقبول والغفران، والعتق من النِّيران ، ومُنَّ على بلادنا بالأمن والأمان ، والهناء والراحة والاستقرار، ووحدة الصفِّ وجمع الكلمة على الخير والهدى والتقى يا رب العالمين ، فلنتزود يا عباد الله بالتَّقوى ، فكم فِي المَقَابِرِ مِنْ أُنَاسٍ ، صاموا معنا رمضانَ في أعوام ماضية ، وهم الآن تحت الثرى رهناء الأعمال ، اللهم ارحم أحبابنا وإخوانا لنا صاروا تحت التراب ، كانوا يودُون لو صاموا رمضان معنا ، فوافاهم الأجل ، اللهم اكتب لهم الأجر ، وارفع درجتهم يا رب العالمين .. واحمدوا الله ، احمدوا الله أَنْ أَمْهَلَنَا لِنُدْرِكَ هذا الموسم العظيم ، فلنبدأه بالتَّوبةِ النَّصُوح ، والنِّيَّةِ الصادقة على استغلاله واغتنامه بالأعمال الصالحة ، ففي هذا الشهر تُضاعفُ الأعمال : في صحيح مسلمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ . ».

إخوة الإيمان : ما أجملنا ونحن نستقبل هذا الشهر المبارك ، أن نتخلق بآداب الصيام ، واضعين نصب أعينِنَا ، توجيهَ نبينا عليه الصلاة والسلام ، فيما رواه الإمامُ النَّسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ ، إِنِّي صَائِمٌ ». وقوله عليه الصلاة والسلام « الصِّيَّامُ جُنَّةٌ وَهْوَ حِصْنٌ مِنْ حُصُونِ الْمُؤْمِن .. » رواه الطبراني.

فالصائمُ إخوة الإيمان : الذي يراقب ربَّهُ جلَّ وعلا، ويحرص على أنْ يَبْلُغَ صَوْمَهُ أعلى درجاتِ الكمال والْقَبُول ، فإنه يتوجبُ عليه ، أن يضبط نفسَهُ وسُلُوكَهُ وأعصابه ، بحيث لو شُتِمَ من قبل سفيهٍ ونحوه ، أو قُوتِل أَوْ تَعَدَّى عليه أحدٌ من الناس ، وبأي طريقة استفزازية ، من شأنها أن تثير غضبَه وحفيظته ، تراه يكبح جماح نفسه ، ويطفئُ نار غضبه بالوضوءِ والاستغفار ، ويعلنُ بأنَّه صائم ، وبهذا يكون قد أهال التُّراب على الفتنة ، التي أثارها شياطينُ الإنس والجن ، ويكون كذلك قد أوصد الباب أمام الفوضى ، التي تَنْشب هنا وهناك بين الناس ، أليس هذا مظهراً من أبرز مظاهر الانضباط الأمني في المجتمع المسلم ، وهذه دعوةٌ إسلاميةٌ شديدة ، في الحفاظ على أمن الناس ، وعدم إثارة البلابل في صفوفهم ، وإنَّما يتمُّ كُلُّ ذلك يومَ يتحقق الصوم الحق ، والذي يتمثل بأخلاقٍ رفيعة ، وصبرٍ على أذى الناس .

 وإِذا بحثْتَ عن التَّقِيِّ وجدتَهُ = رجُلاً يَصْدُقُ قولُهُ بفعالِ

  وإذا اتَّقى اللّهَ امرؤٌ وأطاعَهُ =  فَيَدَاهُ بينَ مكارمٍ وفعالِ

وعلى التَّقِىِّ إِذا تراسَخَ في التُّقى= تاجان : تاجُ سَكينةٍ وجمالِ

 وإِذا تناسَبَتِ الرجالُ فما أرى =نسباً يكونُ كصالحِ الأعمالِ

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين ، وأن يوفّقنا جميعاً لخيرَيْ القول والعمَل ، وأن يعصمنا من الضلالة و الزلل ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه سبحانه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا ،، أما بعد: فلنتق الله عباد الله ، ولنعظم شهر رمضان كما عظَّمَه الله ، وذلك باغتنامه والمحافظة على صيامه وقيامه، وصيانته عن تعاطي ما حرم الله، فإنه سيكون شاهداً لنا أو علينا ، بما فعلناه فيه من حَسَنٍ أو قبيح، فإن بعض الناس ، يزيد شرهم في رمضان عن غيره ؛ لأنهم لا يعرفون له حرمة، ولا يقدرون له قيمة ، ولا يخافون مما يسجلُ عليهم فيه من مخالفاتٍ وآثام . فبعضُهُم يفسدون في الأرض ، ويقطعون الطريق على الناس ، ويعتدون عليهم بالقتل أو بالسلب والنهب ، وآخرين لا يهتمون بصلاة ، ولا غيرها من الأعمال الصالحة ، وفي ليالي رمضان يسهرون على القيل والقال ، ومشاهدةِ المسلسلات والتمثيليات ، أو لعب الورق وغيرها مما يضيِّعُ الأوقات ، لا يصلي فيه ركعةً من النوافل، بل قد يترك صلاة الفريضة. والبعض الآخر من الناس ، يعتبر شهر رمضان موسماً للتجارة الدنيوية، فَيُمْضِي معظم وقته في متجره، وربما لا يحافظ على صلاة الفريضة في الجماعة ، فضلاً عن صلاة التراويح، فأي شيء اكتسبه هؤلاء من شهر رمضان ، سوى الإفلاسِ والآثام ، إنها لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان، كان الذِي تَفُوتُهُ فِيهِ مَغْفِرَةٌ ، محروماً غاية الحرمان، ولهذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام « .. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ ، قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ..» الترمذي فلنتق الله عباد الله، ولنعظم شهر رمضان كما عظمه الله ولنغتنمه كما أمرنا الله جل وعلا ،، عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَهَذَا شَهْرُ الصِّيَامِ ، وَهَذَا شَهْرُ الْإِنَابَةِ ، وَهَذَا شَهْرُ التَّوْبَةِ ، وَ هَذَا شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَ الرَّحْمَةِ ، وَهَذَا شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ .اللَّهُمَّ فَسَلِّمْهُ لنا وَتَسَلَّمْهُ مِنِّا ، وَأَعِنِّا عَلَيْهِ بِأَفْضَلِ عَوْنِكَ ، وَوَفِّقْنِنا فِيهِ لِطَاعَتِكَ ، وَفَرِّغْنِا فِيهِ لِعِبَادَتِكَ وَدُعَائِكَ وتِلَاوَةِ كِتَابِكَ ، وَأَعْظِمْ لنا فِيهِ الْبَرَكَةَ ، وَأَحْسِنْ لنا فِيهِ الْعَاقِبَةَ ، وَأَصِحَّ لنا فِيهِ أَبْدَننا ، وَأَوْسِعْ فِيهِ أَرْزَاقنا ، وَاكْفِنا فِيهِ مَا أَهَمَّنا وَغَمَّنَا، وَاسْتَجِبْ لنا فِيهِ دُعَائنا ، وَبَلِّغْنِنا فِيهِ رَجَائنا ، وَمُّنَّ علينا وعلى بلادنا في هذا الشهر المبارك ، بالأمن والأمان ،والراحة والاطمئنان ، ورغد العيش وسعة الأرزاق يا كريم يا منان ، وسائر بلدان المسلمين ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَوا هَذَا الْمَسْجِدَ ولمن أنفق وينفق عليه ، ولجميع المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات..  

هناك تعليق واحد:

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون