جديد المدونة

على أبواب رمضان


على أبواب رمضان

الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم للخيرات، يتسابقون فيها بأنواع الطاعات، ويتوبون فيها من السيئات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فَاطِرُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، أولُ سابقٍ للخيرات ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، الذين كانت كلُّ أوقاتهم طاعات ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ مَا دَامت الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، وسلم تسليماً كثيرا .. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله واغتنموا مواسم الخير قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم عن زلاتها وهفواتها، يقول سبحانه وتعالى { سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133

معاشر المسلمين : أيامٌ قلائل تفصلنا عن شهرٍ عظيم ، وضيفٍ كريم ، هذا الضيف يحتاج لاستعدادٍ لاستقباله ، إنَّهُ شهر رمضان المبارك ، ضيفٌ حبيب إلى قلوب المؤمنين ، عزيز على نفوسهم ، يتباشرون بمجيئه ، ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه، وكلهم يرجو أن يبلَّغَ هذا الضيف ، وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ فقد خصه الله جلّ وعلا بميزات كريمة ، وخصائص عظيمة ، ومناقب جمّة ، تُمَيِّزُهُ عن سائر الشهور، وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم ، ويبين لهم خصائصه وفضائله ومناقبه ، ويَسْتَحثَّهم على الجد والاجتهاد فيه بطاعة الله ، والتقرب إلى الله جلّ وعلا بما يرضيه ، في سنن النسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ». والأحاديث الدالةُ على فضل هذا الشهر ، وعظيم شأنه وكريم منزلته عند الله ، كثيرة لا تحصى ، عديدة لا تستقصى ، والواجب علينا أن نفرح غاية الفرح ، وأن نسعد غاية السعادة ، بإقبال هذا الشهر الكريم ، بخيراته الموفورة ، وميّزاته العظيمة الكثيرة : {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يونس58 .

عباد الله : إن الفرح بقدوم هذا الشهر ، ومعرفة فضله ومكانته ، من أعظم الأمور المعينة على الجد والاجتهاد فيه ، ولم يُضَيِّع كثير من الناس الطاعة في هذا الشهر الكريم ، والإقبال على الله جلّ وعلا فيه ، إلا بسبب جهلهم بقيمته ومكانته ، وإلا لو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته ، وعرف قدره ومكانته ، لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ ، واستعد له غاية الاستعداد، ولبذل قصار وسعه وجهده واجتهاده ، في سبيل تحصيل طاعة الله، والقيام بعبادة الله ، على الوجه الذي يُرضي الرَّبَّ تبارك وتعالى. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام ، كيف نستقبل هذا الشهر الكريم ، كيف نتهيّأ لهذا الموسم العظيم ، كيف نستعد لهذا الشهر المبارك ، وليس استقبال هذا الشهر ، بتبادل باقات الورد والزهور ، ولا بإلقاء الأناشيد والأراجيز، ولا بتهيئة الملاعب والصالات ، ولا بجمع صنوف أنواع المطاعم والمشروبات والمأكولات ، إن التهيّؤ لهذا الشهر الكريم ، تهيّؤٌ للطاعة ، واستعداد للعبادة ، وإقبال صادق على الله جلّ وعلا ، وتوبة نصوح من كُلِّ ذنب .

إنَّ موسم رمضان أخي المسلم :  فرصةٌ للإقبال على الله ، والتوبة من الذنوب ، إن من يتأمل حاله ! وهذا شأن كُلِّ واحد منا ، يجد أن تقصيره عظيم ، وتفريطه في جنب الله كبيرٌ ، يقول صلى الله عليه وسلم : « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » الترمذي. فالذُّنوب كثيرة ، والتقصير حاصل ، وأمامنا موسمٌ عظيمٌ للتوبة إلى الله جلّ وعلا . وإذا لم تتحرك النفوس ، ولم تتحرك القلوب ، في هذا الموسم الكريم المبارك ، للتوبة إلى الله والندم على فعل الذنوب ، فمتى تتحرك ، ولهذا صحَّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « .. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ..» الترمذي . وذلك لأنه موسم عظيم للتوبة إلى الله ، والإنابة إليه والإقبال على طاعته جلّ وعلا .

إخوة الإيمان:  وإنَّ مما يستقبل به هذا الشّهر الكريم ، الدُّعاءُ الصَّاِدق ، والصِّلَةُ الحسنة بالله ، والالتجاء التَّامُّ إليه سبحانه ، بأن يعين العبد على طاعة الله في هذا الشهر الفَضِيل ، فالعبد لا قدرة له على القيام بالطاعة ، وتحقيق العبادة والإتيان بها على وجهها ، إلا إذا أعانه الله ، فلولا الله ما اهتدينا ، ولا صمنا ولا صلينا ، ولهذا على المؤمنين ، أن يُقْبلوا على الله جلّ وعلا ، داعين ومؤملين وراجين ومخبتين ، يرجون رحمته ، ويطلبون مدده وعونه، بأن ييسر لهم صيام رمضان ، وأن يعينهم على قيامه ، وأن يكتب لهم الخير والبركة فيه ، وأن يجعلهم من عتقائه من النار ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. وإن مما يستقبل به شهر رمضان ، أن يتأمل المسلم في خصائص هذا الشهر ، وميّزاته وفضائله وبركاته ، ليعرف قدر هذا الشهر ومكانته، وليتعلم أيضا ما ينبغي أن يكون عليه في هذا الشهر ، من صيام وقيام ، فيتأمل في فوائد الصيام ومنافعه ، وما فيه من عبر ٍودروسٍ وعظاتٍ بالغة، ويتأمّل في فضل قيام رمضان ، وما أعده الله جلّ وعلا للقائمين فيه من أجور عظيمة ، وفضائل جمة ، جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » و « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » نسأل الله أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على حسن استقباله وعلى حسن العمل فيه ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعاء .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الصَّالِحِينَ ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، إِمَامُ الْمُتَّقِنَ وَقُدْوَةُ النَّاسِ أَجْمَعِنَ ، صَلى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَيا عِبَادَ اللَّهِ : وإن مما يستقبل به شهر رمضان المبارك ، أن يجاهد الإنسان نفسهُ بإصلاحِ قلبِه ، وطرح ما فيه من غل أو حقد أو حسد، أو ضغينة أو غير ذلك ، يقول النبي صلى اله عليه وسلم: « صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ » رواه أحمد. إن في الصدر إخوةَ الإيمان إحن ، وفي الصدر سخائم وضغائن وأحقاد ، فإذا جاءت هذه المواسم المباركة ، فإنها تكون فرصة سانحة ، ومناسبة كريمة ، لطرد ما في القلب من غل أو حقد أو حسد . إن دخول رمضان ، فرصةٌ مباركة ، لتصفية النفوس ، وتنقية القلوب ، واجتماع الكلمة على طاعة الله جلّ وعلا ، بأن يقبل المسلمون جميعُهُم مطيعين لله، مقبلين على عبادته وطاعته ، مبتعدين عن كل ما يسخطه ويأباه سبحانه . نسأل الله أن يعيننا جميعا على صيام هذا الشهر المبارك وقيامه وأن يصلح ذات بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يهدينا سبل السلام وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور وأن يجعلنا من عباده المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..

عباد الله :  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل بلدنا ليبيا أمنا وأمانا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ولِّ أمُورنا خيارنا ، ولا تول أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا ، اللهم اغفر لنا ولولدينا ، ولمشايخنا ولمعلمينا ، ولأصحاب الحقوق علينا ، ولمن بنوا هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات..    

 

هناك تعليق واحد:

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون