جديد المدونة

شعبان طريقنا لرمضان


شعبان طريقنا لرمضان

الحمد لله الذي وفق العاملين لطاعته ، فوجدوا سعيَهم مشكوراً، وحقق آمالَ الآملين برحمتهِ ، فمنحهم عطاءً موفوراً، وبسط بساط كرمه للتَّائبين فأصبح وِزْرَهُم مغفُورا، وأسبلَ مِنْ نِعَمِهِ على الطَّالبينَ وَابِلاً غزيراً، سبحانهُ فتح الباب للطَّالبين، وأظهرَ غناهُ للراغبين، وأطْلقَ لِلسُّؤَالِ ألْسِنَةَ القاصدين، وقال في كتابه المبين { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 . وأشهد أن لا اله إلا الله , وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد ، وهو علي كل شيء قدير.  

يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُضْطَّرِ فِي الظُّلَمِ

                  يَا كَاشِفَ الضُّرِ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ

قَدْ نَامَ الْوَفْدُ حَوْلَ الْبَيْتِ وَانْتَبَهُوا

                      وَأَنْتَ عَيْنَاكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمِ

 هَبْ لَنَا بِجُودِكَ فَضْلَ الْعَفْوِ عَنْ جُرْمٍ

               يَا مَنْ إِلَيْهِ أَشَارَ الْخَلْقُ فِي الْحَرَمِ

 إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لاَ يُدْرِكْهُ ذُو سَرَفٍ

                فَمَنْ يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالْكَرَمِ

وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى اله وأصحابه ، ومن سار على نهجه وتمسك بسنَّتِه ، واقتدى بهديه إلي يوم الدين.. أما بعد ،، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فلنتقِ الله يا عباد الله , ولنستعد قبل الموت لما بعد الموت, ولنتزود بالأعمال الصالحة ، قبل أن يُحَالَ بيننا وبين فعلها والقيام بها { حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ، وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }المؤمنون99-100

معاشر المسلمين : نعيش هذه الأيام ، مواسم عظيمة ، مواسم طيبة مباركة ، مواسمُ تزداد فيها العبادة والطاعة, وهي مغنم كبيرٌ من مغانم البِّر والتقوى ، وفعل الخير، ورفع الأعمال الصالحة , ويجدر بنا ونحن نعيشُها ، أن نسارع للتوبة والإنابة ، وطلب المغفرة والإعانة من الله جل وعلا ، والإكثار من الأعمال الصالحة  { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124.

فإذا كان شهرُ شعبان ، شهرًا للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو كذلك شَهرٌ لنوافل الطاعات كلها، ينطلق فيه المسلم ، من الحديث الذي رواه البخاري ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » .

ولما كان شعبان إخوة الإيمان : كالمقدّمة لرمضان؛ فإنَّه يكون فيه شيءٌ مما يكون في رمضان ، من الصيام والقيام ، والصلاة وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدانٌ للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات ، قبل مجيء شهر الفرقان ، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا . فأين المشمرونَ عن السواعد؟! أين المشتاقون إلى لقاء الله؟! أين المشتاقون إلى الجنَّة؟! ها هي الجنةُ تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم ؛ ففي شهرِ شعبان مَجَالُ طَرْقِ الأبواب، بِكُلِّ وسائلِ الطَّرْقِ المتاحة، فَاطْرُقُوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه، وَاطْرُقُوا أبواب الجنان ، بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه ، مرددين قوله سبحانه وتعالى على لسان سيدنا آدم وأمنا حواء: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23.. وَاطْرُقُوا أبواب الجنان بالصيام والقيام ، والصلاة بالليل والنَّاسُ نيام ؛ وَاطْرُقُوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات ، وبالإلحاح في الدعاء ؛ لنا ولإخواننا ولبلادنا ، فإن أبا الدرداء كان يقول: « جِدُّوا بالدعاء ، فإنه من يُكْثِرُ قرع الباب ، يُوشَكُ أن يفتح له » . فهي دعوةٌ لنا جميعا ، للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوفِ على الْعَتَبَاتِ والأعتاب ؛ لعله يفتح عن قريب ، فنرى نور الله القادم من شهر القرآن .

 فاحرص يأخي المسلم : على أن لا يدخلَ عليك رمضان ، إلاّ وأنت طاهِرٌ نقيّ، فإنّ رمضانَ عِطْرٌ، ولاَ يُعَطَّرُ الثّوبُ حتى يُغسَل، وهذا زمنُ الْغُسْل ، فلنغتسل رحمني الله وإياكم ، من درَن الذنوب والخطايا، ولنتب إلى ربنا قبل حلول المنايا، ولنتّق الشركَ فإنه الذنب الذي لا يغفرهُ الله لأصحابه، ولنتَّق الظلم فإنَّهُ الديوان الذي وَكَلَهُ الله لعباده ، ولنتَّق الآثام فمن اتَّقاها فالمغفرة والرحمة أولى به ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ ، إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل119 . نسأل الله تعالى أن يتوب علينا ، وأن يغفر لنا ويرحمنا ، إنه هو الغفور الرحيم  ،،  أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه سبحانه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلّم وبارك عليه،  وعلى آله وأصحاب وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله  القائل سبحانه  {. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31.. فيا أيها الأبرار والأخيار، فلنحرص في هذا الشهر، بالتوبة النصوح من الإشراك بالله ، وبالاستغفار من جميع المعاصي والآثام ، فرمضان عما قريب سيحل، فيا أيها المسلم ماذا أعددت لرمضان؟ وبماذا هيئت نفسك؟ فلقد مات أقوامٌ وولد آخرون، وَسَعِدَ أقوامٌ وَشَقِيَّ آخرون، واهتدى أقوامٌ وضَلَّ آخرون، فقدِّر نعمة الله عليك، واسأله أن يُبَلِّغَكَ رمضان ، وخذ أمورَك بالجد . أيها المذنب ارجع إلى ربك، أيها العاق لوالديه أحسن إلى والديك، أيها القاطع لرحمه وجيرانه ، عد لصلة أرحامك وجيرانك ، شعبان يدعوك ويهتف بك أَنْ تَعَاَل طَهِّرْ نفسك، وتعاهد قلبك، انفض غُبَارَ الشقاقِ واتباع الهوى ، والانسياقِ وراء وساوس الشيطان، واحرص على ما ينفعك، فعمّا قليلٍ سترتحل، وإلى الآخرة ستنتقل  { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار ، وما قرب إليها من قول وعمل، برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب: 56. فصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأبرار وصحابته الأطهار، المهاجرين منهم والأنصار، وعنَّا معهم بجودك وعفوك يا عزيز يا غفَّار. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمر الطُّغاة والمعتدين، وانشر الأمن والاستقرار والرخاء في بلادنا وجميع بلدان المسلمين ، اللهم احفظنا واحفظ بلادنا . يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِى الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَنَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ ، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا ونحن نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه يا رب العالمين . اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَوا هَذَا الْمَسْجِدَ ولمن أنفق وينفق عليه  ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات ..

 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون