لو تبقي من عمرك يوم واحد
لو تبقي من عمرك يوم واحد
الحمد
لله منشئِ الموجودات ، وباعثِ الأموات ، وسامعِ الأصوات ، ومجيبِ الدعوات ، وكاشفِ
الكربات ،، عالمِ الأسرار ، وغافر الأوزارِ ، وَمُنَجِّي الأبرار ، ومهلكِ الفجار ،
ورافع الدرجات ، الذي عَلَّمَ وألهم ، وأنعم وأكرم ، وحكم وأحكم ، وأوجب وألزم {وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ . }الشورى25.
وأشهد أن لا اله إلا الله , وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير
، وأشهد أنَّ سيَّدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ،
يارب بالمصطفي خير الأنام
ومن له الشفاعة أَنْقَذَنَا مِنَ
الْوَحَلْ
يارب شفعه فينا يوم تبعثنا
فنحن من خوف في غـاية الخجل
يارب اغفر لنا كل الذنـوب به
وامنن وسامح فهذا غاية الأمل
اللهم
صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى اله وأصحابه ، ومن سار على نهجه وتمسك بسنته،
واقتدى بهديه إلي يوم الدين . أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ فإنَّها خيرُ زادٍ، ومُجْلِبَةٌ
للهُدَى والرِّضا والسَّدادِ، وأَمَنَةٌ لِصاحِبِها يومَ الفَزَعِ وَالتَّنادِ، يقولُ
اللهُ سبحانَه وتعالى : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ
يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } { البقرة: 179 }
.
فليتك تحلُو والحياةُ مريـرةٌ
وليتك ترضى والأنامُ غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمينَ خراب
إنَّ صحَّ منك الود فالكلُّ هَيِّنٌ
وكل الذي فوق التُّرابِ تُراب
أيها المسلم المبارك :
تخيل لو علمت أنه لم يعد باقيا من عمرك (إلا يوم واحد..!) {فماذا ستفعل في هذا اليوم
؟} هل سيكفي هذا اليوم لتتخلص من كل تَبِعَاتِ عُمُرك؟ هل ستقضيه كُلَّهُ في الصَّلاة
والبكاء لتستغفر عن كثير من الصلوات التي أضعتها؟! فنبينا عليه الصلاة والسلام
يقول « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلاَةُ
.. ». هل ستبحث عن القرآن الكريم لتقرأ فيه بعد أن هجرته لسنين.؟! {وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30.
هل ستتصل بكل شخص اغتبته وتعتذرَ منه..؟؟ أو تستغفر له؟؟ فنبينا عليه الصلاة
والسلام يَقُولُ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ » مسلم
. هل ستبحث عن كل شخص اغتصبت منه مالاً أو أرضاً ، أو أي شيءٍ آخر من حقوقه ، أو
منعته إياه ، لتعيد له ما أخذت منه ، وتعتذر له وترجوه أن يسامحك ، فنبينا عليه
الصلاة والسلام يقول « مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لَقِىَ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ». أحمد.
هل سيسعفك الوقت في هذا اليوم لتهرول إلى والديك لتستسمحهما وتعتذر لهما عن إهمالك
وتقصيرك في حقهما ، فربنا سبحانه وتعالى قد أوصاك بهما فقال جلَّ وعلا {وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ..}الأحقاف15
. هل سَتُسْرِعُ بالاتصال وزيارة كثير من اقاربك ، وتصل رحمك الذي قطعته ، معتذراً
بِظُرُوفِ وَمَشَاغِلِ الدنيا؟! فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
قَاطِعُ رَحِمٍ ». هل ستسرع بحذف الصور والمقاطع التي يكتظ بها جهازك ، والتي تستحي
العين أن تراها؟؟! فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ
مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ »
مسلم . ماذا ستفعل في هذا اليوم ،، وكم وكم
من الحقوق والواجبات المتراكمة عليك ، ماذا ستردُّ منها ؟ وماذا ستصلح منها ؟ والله
تعالى يقول {. فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
}الأعراف34. ويقول جلِّ
في علاه {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ }المؤمنون99.
فكر
يا أخي المسلم وقرر! يومٌ واحدٌ فقط ؛ فما
بالك بساعة أو أقل ، لا نعلم كم بقى من عمرنا هل
هي لحظات! أو أيام أو سنوات الله تعالى أعلم ! يقول سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16.
أخي المسلم : حاسب
نفسك قبل أن تحاسب ، اصطلح مع نفسك ، اصطلح مع مولاك ، اصطلح مع والديك ، مع زوجتك
مع أبنائك وبناتك ، مع أقربائك وجيرانك وأصدقائك ، كن متسامحا مع الجميع محبا
الخير لهم .
أخي المسلم :
إذا ساومتك النفس لتقودك للمعاصي وللآثام
والعدوان ، فتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ » أحمد.
وإذا دعتك نفسك لتنام وتتكاسل عن الطاعات ، فلا تنسى هِمَّةَ مُؤْمِنٍ تُنَاطِحُ السحاب
واستعن بالله ، فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ
إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا
يَنْفَعُكَ وَلاَ تَعْجِزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ
فَعَلَ ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ » ابن
ماجة . ويقول عليه الصلاة والسلام « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ.
غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِى الْجَنَّةِ » الترمذي.
وإذا غلبك أمر فقد أوصاك النبي عليه الصلاة والسلام أن تقول « يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ
بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ » الترمذي.
وَيُرْوَى عَنْ سيدنا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه قَالَ : حَاسِبُوا
أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنَّمَا
يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً
بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ، وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل
عمران30 . بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة
، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم
ولسائر المسلمينَ من كلِّ ذَنْبٍ وخطيئَةٍ فاستغفروه إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ
.
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا
ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله : يُرْوَى أن أحد السَّلف كان أقرع
الرأس ، أبرص البدن ، أعمى العينين ، مشلول القدمين واليدين ، وكان يقول : {الحمد لله
الذي عافاني مما أبتلى به كثيرا من الخلق ، وفضلني تفضيلا) فمر به رجل فقال له: مما
عافاك ؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول فمما عافاك؟ فقال؛ ويحك يا رجل : جعل لي لسانا ذاكرا،
وقلبا خاشعا، وبدنا على البلاء صابرا }. فماذا سنقول نحن أخي المسلم : ونحن في صحة
وعافية "والحمد لله" ومع هذا نعصي ربنا ،، ولا حول ولاقوه إلا بالله ،،
فيا أخي المسلم المبارك :
لماذا لا تبادر الآن بالتوبة والاستغفار ، وتردَّ المظالم إلى أهلها ، وتفعل كل ما
يقربك من الله عزَّ وجل ، فأنت لا تعلم هل سيبقى في عمرك يوم .. أم لا ؟! يقول
الله تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ
، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً
، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }لقمان34
. ويقول سبحانه {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ
كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ، فَإِذَا
هُم مُّبْلِسُونَ }الأنعام44
.
يا عبد الله : تزوَّد من التقوى فإنك لا تدرى
إذا
جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر ؟
فكمْ من سليمٍ مات من غير علَّةٍ
وكم
من سقيمٍ عاشَ حيناً من الدهر !
وكم من فتىً يمسى ويصبح لا هيا
وقد نُسجت أكفانه ، وهو لا يدري !
فماذا ستفعل أيها المسلم ، لو بقي في عمرك يومٌ واحد ، فبادر قبل فوات
الأوان ؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ
وَهُوَ شَهِيدٌ }ق37 . نسأل الله تعالى أن
يُحْسْنَ الْخَاتِمَةِ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْـمُسْلِمِينَ ،، عباد
الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم اشرح بالصلاة
عليه صدورنا ، ويسر بها أمورنا واكشف بها غمومنا
واغفر بها ذنوبنا واقض بها ديوننا ، وأصلح
بها أحوالنا وبلغ بها آمالنا ، وتقبل بها توبتنا ، اللهم إليك نشكو قسوة قلوبنا ، وكثرة ذنوبنا وطول آمالنا وفساد أعمالنا وتكاسلنا
عن الطاعات وهجومنا على المخالفات ، فنعم المشتكى
إليه أنت ، يا ربنا بك نستنصر على أعدائنا وأنفسنا فانصرنا ، وعلى فضلك نتوكل في صلاحنا ، فلا تكلنا إلى غيرك يا ربنا ، اللهم وإلى جناب رسولك صلى الله عليه وسلم ننتسب
فلا تبعدنا ، وببابك نقف فلا تطردنا ، وإياك
نسأل فلا تخيبنا ، اللهم ارحم تضرعنا وأمِّن
خوفنا وتقبل أعمالنا وأصلح أحوالنا واجعل بطاعتك اشتغالنا وإلى الخير مآلنا واختم بالسعادة
آجالنا ، هذا ذلنا ظاهر بين يديك ، وحالنا ﻻ يخفى عليك ، أمرتنا فتركنا ونهيتنا فارتكبنا ولا يسعنا إلا
عفوك فاعف عنا يا خير مأمول وأكرم مسئول إنك عفو غفور ورؤف رحيم يا أرحم الراحمين . اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،
وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، وأهلك الظالمين بالظالمين ،
وأخرجنا من بينهم سالمين ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ
. اللهم واجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللَّهُمَّ
ولِّ أمورنا خيارنا ولا تولِّ أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
ولا يخشاك ولا يرحمنا . اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا
عَلَى دِينِكَ . اللهم توفَّنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إنك سميع
قريب مجيب الدعوات .
ليست هناك تعليقات