المحافظة على البيئة 2
المحافظة على البيئة 2
الحمد
لله الذي أسـبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، سبحانه هو الخالق القادر، وهو العليم الخبير، خلق فأبدع، وقدَّر
فهدى، بيده ملكوت السماوات والأرض ، أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وإليه النُّشور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،
وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله ، رسولُ الهدايةِ ونبيُّ الرحمة، امتدحه ربُّ الْعِزَّةِ بقوله { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 . صلواتُ الله وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وبعمل الصالحات وفعل الخيرات { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77.
وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله ، رسولُ الهدايةِ ونبيُّ الرحمة، امتدحه ربُّ الْعِزَّةِ بقوله { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 . صلواتُ الله وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وبعمل الصالحات وفعل الخيرات { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77.
أيها الإخوة الكرام : تحدثنا في الجمعة الماضية عن البيئة وضرورة المحافظة
عليها ، وما خلقه الله وما سخره في خدمةِ الإنسان ، والتي تُوجِبُ عَلَيه فِعْلَ مَا
يَصُونُ بِهِ بِيئَتَهُ ، وَيَحفَظُ طَبِيعَتَهَا وَسُنَّةَ اللهِ فِيها ، وفي
خطبتنا اليوم ، نَستَعْرِضُ جَوَانِبَ مِنَ الأَحْكَامِ التِي تتعلق بالبيئة ، وهِيَ
تَصْنَعُ الحَيَاةَ وَتَبُثُّ الخَيْرَ ، وَتَجْعَلُ الجَمَالَ يَعُمُّ الطَّبِيعَةَ
وَالأَشْيَاءَ ، إِذَا مَا التَزَمَ المُسلِمُونَ بِهَا.
معاشر المسلمين : إنَّ ديننا الإسلامي يأمرنا بِالنَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ
الدَّائمَةِ ، فِي البَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالمَكَانِ، وَعَلَى امتِدَادِ الزَّمَانِ،
مَا يَعْـنِي أَنَّ المُسلِمَ ، يَنْبِغي أَنْ يَستَأْصِلَ مَوارِدَ التَّلَوُّثِ مِنْ
حَولِهِ بِشَكْلٍ دَائمٍ ، وَلاَ يَتْرُكَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، فيحرصُ على طهارة
بدنه ونظافته ، وجمال هيئته ، ونظافة المكان الذي يعيش ويسير ويعمل فيه ، فيحيا
بذلك سليما معافىً في بدنه ، خاليا في مجتمعه من كل الملوثات الضارة ، ونحن اليوم ،
نحرص على نظافة أبداننا ، والاهتمام بجمال ونظافة بيوتنا ، ونهمل في نظافة محيطنا
، وَمِنْ حَوْلِنَا وفي مجتمعنا ، فترى مناظر تثير الاشمئزاز ، كمياه المجاري -
أكرمكم الله – المنتشرة في الطرقات ، وما ينتج عنها من مستنقعات كبيرة ، يتكاثر
فيها البعوض والحشرات المؤذية ، فهذا مما يلوث البيئة ، وينشر الضرر والمرض بين
الناس ، وحتى من يقومون بمكافحة هذه الحشرات ، وبرشِّها بالمبيدات ، تتعرض سياراتهم
للاعتداء عليها من قبل الأطفال ، ولا يتركونها تقوم بدورها ، فيا أيها الآباء وجهوا
أبناءكم أن لا يقفوا في وجه من يريد العمل الإصلاح ، بل يجب علينا أن نعين هؤلاء
الناس على أداء مهامهم ، فهم يعملون من أجل سلامتنا وسلامة أبنائنا وبيئتنا ، والمُسلِمَ
يكون أَشَدَّ حِرْصاً على نظافة وطهارة بدنه وثوبه ومكانه ، ليكون بعمله هذا أَقْرَبُ
إِلَى اللهِ تعالى ، يقول سبحانه { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222. فَالنَّظَافَةُ أَهَمُّ أَسَاسٍ مِنْ أُسُسِ الحِفَاظِ
عَلَى البِيئَةِ.
كذلك إخوة الإيمان : إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ،
كَمَا وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ
. فأين نحن اليوم من هذه الأحاديث ، وهذا الكمِّ الهائل من المخلفات ، التي تلقى
في الشوارع وعلى الأرصفة ، كمخلفات البناء وما يتبعها ، وبقايا الأكل والخضروات ،ومخلفات
البِقَالات والمحلات التجارية وغيرها ، وبعض الناس سامحهم الله ، عندما تتكاثر هذه
المخلفات ، يقوم بإشعال النار فيها ، فيتصاعد منها الدخان الملوث في الهواء ، فَيُغْشِى
أنفاس الناس ويضايقهم ، خاصةً منهم المصابون بأمراضٍ صدرية ، فَتُحْدِثُ لهم أزمات
وضيقٍ في التنفس ، فكل هذه الأشياء تُسببُ في تَلَوُثِ البيئةِ وتشويه المنظر
العام للبلد.
إخوة الإيمان : إنّ رسولنا عليه الصلاة والسلام ، يحثنا على الانْتِفَاعُ
بِجُلُودِ المَيْـتَةِ، فَقَدْ جَاءَ في صحيح البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم ، مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ « هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا
» أي بجلدها . قَالُوا إِنَّهَا مَيِّتَةٌ . قَالَ « إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا »
. وَفِي هَذَا تَشْجِيعٌ عَلَى الانْتِفَاعِ بِكُلِّ شَيءٍ فِي الطَّبِيعَةِ ، يُمكِنُ
الانْتِفَاعُ بِهِ وَعَدَمِ تَركِهِ لِلتَّلَفِ، وَهَذا أَصْـلٌ فِي الحَثِّ عَلَى
الصِّنَاعَاتِ التَّحْوِيلِيَّةِ ، التِي تُقلِّلُ التَّلَوُّثَ، وَتَحَدُّ مِنْ تَكَاثُرِ
النُّفَايَاتِ الضَّارَّةِ بِالبِيئَةِ.
أَيُّها المُؤمِنُونَ : هَذِهِ بَعْضٌ مِنْ نَمَاذِجُ التَّكَالِيفِ وَالآدَابِ
الشَّرْعِيَّةِ ، ذَاتِ الصِّلَةِ بِالحِفَاظِ عَلَى البِيئَةِ وَرِعَايَتِها، وَهِيَ
جُزْءٌ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ ، وَهُوَ إِعْمَارُها
وَعِبَادَةُ اللهِ فِيهَا، وَلَنْ تَستَقِيمَ العِبَادَةُ مِنْ غَيْرِ العِمَارَةِ
، فَعُمْرانُ الأَرْضِ شَرْطٌ لاستِقَامَةِ العِبَادَةِ ، وَإِكْمَالِ مُهِمَّةِ الإِنْسَانِ
فِي هَذَا الوُجُودِ، فَهَلْ يُدْرِكُ أَحَدُنَا بَعْدَ الذِي بَيَّنَّا ، مَخَاطِرَ
تَسَاهُلِهِ فِي الالتِزَامِ بِالقَوانِينِ ، التِي تُنَظِّمُ أُمُورَ البِيئَةِ فِي
مُجتَمَعِنَا، بَدْءاً مِنْ أَصْغَرِ الأُمُورِ الفَرْدِيَّةِ ، كَنَظَافَةِ المُحِيطِ
وَالحَيِّ ، وَالشَّارِعِ وَالمَسْجِدِ وَالمَدْرَسَةِ، إِلَى مَا هُوَ أَوسَعُ وَأَخْطَرُ
مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ القَوَانِينُ الخَاصَّةُ بِالمَصَانِعِ والمُؤَسَّساتِ التِي تَتَعاطَى
مَا يُلَوِّثُ البِيئَةَ؟. فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبادَ اللهِ، وَلْنَكُنْ حَذِرِينَ أَشَدَّ
الحَذَرِ فِي قَضَايَا البِيئَةِ؛ فَفِيهَا سَلاَمَةٌ لَنَا، وَصَونٌ لأَرْضِنَا عَنِ
الفَسَادِ، وَقَدْ قَالَ خَالِقُنَا جَلَّ وَعَلاَ: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ
الْمُحْسِنِينَ } الأعراف56 .. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ،
وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ
خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا
عِبَادَ اللهِ : إِنَّنا اليَوْمَ ونحن نَعِيشُ عَلَى هَذَه الأرض الطيبة المباركة
، مَسؤولون عَنْ سَلاَمَتِها وَالحِفَاظِ عَلَى مَوَارِدِها، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
إِلاَّ بِتَكَاتُفِ جُهُودِ الأَفْرَادِ وَالشَّرِكَاتِ والمؤسسات فِي حِمَايَةِ البِيئَةِ،
وَالتَّقْلِيلِ مِنْ كُلِّ مَا يُلَوِّثُ الهَوَاءَ وَالمَاءَ مِنْ عَوَادِمِ المَصَانِعِ
وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ كُلاًّ مِنَّا قَادِرٌ عَلَى الإِصْلاَحِ عَلَى مُستَوَى الأَفْرَادِ
وَالأُسَرِ وَالأَحْيَاءِ وَالمُدُنِ. فلو أن كل واحدٍ منا قام بالتنظيف أمام بيته
وفي شارعه لأصبحت بلادنا كلها نظيفة ، فَلْنَتَّق اللهَ عِبادَ اللهِ، وَلْيَعْزِمْ
كُلٌّ مِنَّا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ شَيئاً مِنْ أَجْـلِ وطنه وإخوته ومن أجل البِيئَةِ
وَالطَّبِيعَةِ التِي خَلَقَها اللهُ وَائتَمَنَنا عَلَيْهَا، وَلْنُفَكِّرْ بِذَلِكَ
فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ، حَتَّى نُظْهِرَ جَمَالَ خَلْقِ اللهِ كَمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ،
وَلْتَكُنْ قلوبنا متآلفة متراحمة تعمل من أجل الجميع ، ويَدُ كُلٍّ مِنَّا شَرِيفَةً
مَأْجُورَةً بِإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، ولْنَستَشْعِرِ الخَطَأَ عِنْدَمَا
يُلْقِي أَحَدٌ الأَذَى فِي الطَّرِيقِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِقَولِ
الحَقِّ وَالعَمَلِ بِهِ هذا
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله ، على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد
أُمِرْنَا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله عزَّ قائلا عليما {إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين وعن
التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم
الأكرمين ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءَك
أعداءَ الدين، واجعل بلدنا ليبيا أمنا وأمانا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين ، اللهم
ولِّ أمُورنا خيارنا ، ولا تول أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
ولا يخشاك ولا يرحمنا يا رب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولولدينا ، ولمشايخنا ولمعلمينا
، ولأصحاب الحقوق علينا ، ولمن بنوا هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولجميع المسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات..
ليست هناك تعليقات