جديد المدونة

المحافظة على البيئة (1)


المحافظة على البيئة (1)

الحَمْدُ للهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، مُدَبِّرِ الأَمْرِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، خَلَقَ الإِنْسَانَ وَاخْتَارَهُ لِيَكُونَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ، وَسَخَّرَ لَهُ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ، وَحَثَّهُ عَلَى الاعتِنَاءِ بِبِيئَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، شَمَلَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ، حَتَّى الحَيَوانَ وَالنَّبَاتَ، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ،  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. . أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :  لَقَدْ حَدَّدَ اللهُ الفِعْـلَ المُخْتَصَّ بِالإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، بِثَلاَثَةِ أَفْعَالٍ ذَكَرَها فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ: عِمَارَةُ الأَرْضِ ، المَذْكُورَةُ فِي قَولِهِ سبحانه : { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }هود61 . وَالعِبَادَةُ المَذْكُورَةُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 . وَالخِلاَفَةُ المَذْكُورَةُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }الأعراف129 . وَعَلِيهِ فَإِنَّ العِمَارَةَ وَالعِبَادَةَ وَالخِلاَفَةَ أَفْعَالٌ مُتَكَامِلَةٌ، هَيَّأ اللهُ لِلإِنْسَانِ أَسْبَابَهَا، وَأَمَرَهُ بِاكتِشَافِ القَوانِينِ التِي تَضْمَنُ استِقَامَتَها، فَكَانَ تَسْخِيرُ اللهِ مَخْلُوقَاتِهِ لِلإِنْسَانِ الذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، كَقَولِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية12- 13 . وقَولِهِ سبحانه : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .} لقمان20 . وَلِكَي يَستَقِيمَ هَذَا التَّسْخِيرُ لِلإِنْسَانِ ، أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيتَأمَّلَهُ، وَيَكْتَشِفَ السُّنَنَ الإِلَهِيَّةَ ،لاستِقَامَةِ نِعَمِهِ وَاكتِمَالِهَا، قَالَ تَعَالَى: { فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } عبس 24- 32 . فَإِذَا نَظَرَ الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ النِّعَمِ ، وَرَأَى صَلاَحَهَا واستِقَامَتَها ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ عَلَيْهَا، امتِثَالاً لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }الأعراف10 . وَعَلَيْهِ أَيْضاً ، أَنْ يُحَافِظَ عَلَى هَذَا الصَّلاَحِ وَالكَمَالِ فِيهَا، وَيحْذَرَ مِنَ العُدْوَانِ وَالعَبَثِ وَالتَّغْيِيرِ فِي الخَلْقِ ، الذِي يَؤُولُ إِلَى الفَسَادِ، قَالَ تَعَالَى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ، إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف55- 56 . وَالفَسَادُ هُنَا مَعنَاهُ عَامٌّ شَامِلٌ، فَمِنْهُ العَبَثُ بِالطَّبِيعَةِ وَالبِيئَةِ وَتَغْيِيرُ طَبِيعَتِها ، وَتَوظِيفُ الأُمُورِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ، لِذَلِكَ أَخْبَرَنا اللهُ فِي كِتَابِهِ ، أَنَّ الفَسَادَ الذِي يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي الطَّبِيعَةِ بَرَّاً وَبَحْراً ، لَمْ يَأْتِ إِلاَّ بِفِعْـلِ الإِنْسَانِ ، قَالَ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ، لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 . وَقَدْ جَاءتِ الشَّرِيعَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ بِأَحكَامِهَا المُتَنَوِّعَةِ ، لِرِعَايَةِ مَصلَحَةِ الإِنْسَانِ ، وَحِفْظِ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَعَقْلِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ، وَعَلَيْهِ فَكُلُّ شَيءٍ فِي هَذَا الكَوْنِ ، مُسَخَّرٌ لِلإِنْسَانِ، وَأَيُّ فِعْـلٍ يُفْسِدُ هَذَهِ المُسَخَّرَاتِ ، وَيُخِلُّ بِوَظِيفَتِها ويُعَطِّلُ فَائدَتَها ، إِنَّمَا هُوَ تَعَدٍّ عَلَى قَوانِينِ الخَلْقِ الإِلَهِيِّ ، وتَعَدٍّ عَلَى مَصلَحَةِ الإِنْسَانِ ، التِي رَعَاهَا اللهُ فِي أَحْكَامِهِ ؛ وَلَدَى التَّأمُّلِ فِي النُّصُوصِ وَالأَحكَامِ وَالآدَابِ الإِسْلاَمِيَّةِ ، نَجِدُ أَنْمَاطاً وَنَمَاذِجَ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ ، التِي تَتَّجِهُ مُبَاشَرَةً لِلاهتِمَامِ بِالبِيئَةِ، وَرِعَايَتِهَا وَالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَحكَامٌ لاَ تَقِفُ عِنْدَ تَحْرِيمِ العُدْوَانِ عَلَى البِيئَةِ وَالمَخْلُوقَاتِ وَالمُسخَّرَاتِ، إِنَّمَا  تُوجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ فِعْلَ مَا يَصُونُ بِهِ البِيئَةَ ، وَيَحفَظُ طَبِيعَتَهَا وَسُنَّةَ اللهِ فِيها.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ : إنَّ حَدِيثَنَا اليَوْمَ عَنِ البِيئَةِ ،  وَضَرورَةِ العِنَايَةِ بِهَا وَالحِفَاظِ عَلَيْهَا ، لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّقْلِيدِ لِلْغَيْرِ، أَو مِنْ بَابِ العَادَاتِ وَالهِوَايَاتِ الحَدِيثَةِ الرَّائِجَةِ، إِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ أَصِيلٌ مَكِينٌ فِي دِينِنَا وَشَرِيعَتِنَا، وَمَا سَنَتَحَدَّثُ بِهِ ، إِنَّمَا هُوَ تَذْكِيرٌ بِبَعْضِ مَا جَاءَ فِي الإِسْلاَمِ ، حَوْلَ هَذَا المَوْضُوعِ .. بِدَايَةً إِنَّ أيَّ قَارِئٍ لِلْقُرآنِ ، سَتَسْتَوْقِفُهُ أَسْمَاءُ سُوَرٍ كَثِيرَةٍ فِي القُرآنِ هِيَ عَنَاصِرُ مُكَوِّنَةٌ لِلْبِيئَةِ، وَمَا تَسْمِيَةُ السُّوَرِ بِهَا ، إِلاَّ دَلِيلُ اهتِمَامِ القُرآنِ بِهَذِهِ العَنَاصِرِ وَالظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالبِيئِيَّةِ ، وَمَا تَحْمِلُهُ مِنْ دَلاَلاَتٍ، فَيُمكِنُ لِمُتَصَفِّحِ القُرآنِ ، أَنْ يَجِدَ سُوَراً تَحْمِلُ أَسْمَاءَ الظَّوَاهِرِ وَالمَخْلُوقَاتِ السَّمَاوِيَّةِ كَـ(الرَّعْدِ وَالقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَالنَّجْمِ وَالبُرُوجِ)، وَمُكَوِّنَاتِ الزَّمَانِ كَـ(اللَّيلِ وَالفَجْرِ وَالضُّحَى)، وَبَعْضِ الحَيَوانَاتِ كَـ(البَقَرَةِ وَالأَنْعَامِ وَالنَّحلِ وَالنَّملِ وَالعَنْكَبُوتِ وَالفِيلِ)، هَذَا فَضْلاً عَمَّا يَرِدُ فِي الآيَاتِ القُرآنِيَّةِ ، مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ عَنِ الجِبَالِ وَالبِحَارِ، وَالأَنْهَارِ وَالأَشْجَارِ وَأَنْوَاعِهَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ العَنَاصِرِ البِيئِيَّةِ ، التِي خَلَقَهَا اللهُ، وعَلَيْهِ فَالبِيئَةُ حَاضِرَةُ الذِّكْرِ فِي القُرآنِ بِقُوَّةٍ وَشُمُولِيَّةٍ لِجَمِيعِ عَنَاصِرِهَا، وَمَا ذِكْرُهَا إِلاَّ لاكتِشَافِهَا وَالاعتِبَارِ بِهَا ، وَالتَّأمُّلِ فِي خَلْقِهَا واكتِشَافِ قَوَانِينِهَا، وَإنَّ أَهمَّ مَا يَلفِتُ النَّظَرَ فِي حَدِيثِ القُرآنِ عَنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ ، ذِكْرُهُ لِلْوَظِيفَةِ الأَكْمَلِ لَهَا، وَهِيَ دَوْرُهَا الجَمَالِيُّ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا ، لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }الكهف7. وَقَالَ جَلّ شَأْنُهُ: { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ، فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} النحل 5- 8 . فَالجَمَالُ فِي الخَلْقِ إِنَّمَا هُوَ مَصلَحَةٌ كَمَالِيَّةٌ اعتَنَى بِهَا الإِسْلاَمُ، فَمِنْ بَابِ أَولَى ، اهتِمَامُهُ بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لِلْحَيَاةِ فِي هَذِهِ البِيئَةِ، فَحِفْظُ التَّوَازُنِ البِيئيِّ لِلْخَلْقِ الإِلَهِيِّ كَمَا أَقَامَهُ اللهُ ، إِنَّمَا هُوَ آكَدُ فِي التَّكْلِيفِ ، مِنْ حِفْظِ الجَمَالِ الطَّبِيعِيِّ الذِي جَعَلَهُ اللهُ لَنَا، وَنِعْمَةُ الجَمَالِ فِي البِيئَةِ وَالطَّبِيعَةِ هَذِهِ تُرَتِّبُ عَلَينَا وَاجِباً شَرْعِيّاً نَحْوَها، وَهُوَ أَنْ نَسْعَى لاستِدَامَةِ هَذَا الجَمَالِ فِي الخَلْقِ، وَذَلِكَ بِتَعْمِيمِ الخُضْرَةِ وَمُكَافَحَةِ التَّصَحُّرِ، وَتَنْمِيَةِ المَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلاَلِ الزِّرَاعَةِ والتَّشْجِيرِ؛ وَالأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ صَرِيحَةٌ فِي الحَثِّ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَالغَرْسِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » البخاري. فَقَدْ جَعَلَ اللهُ ثَوَاباً دَائماً عَلَى الغَرْسِ، أَيّاً كَانَ نَوْعُهُ ، وَأيَّاً كَانَ المُستَفِيدُ مِنْهُ، فَالغَرْسُ وَالخُضْرَةُ ، خَيْرٌ فِي كُلِّ حَالٍ ، يَستَفِيدُ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَالحَيَوانُ، وَيَحفَظُ التَّوَازُنَ فِي الطَّبِيعَةِ، وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ استِطَاعَ ألاَّ تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَها فَلْيَفْعَلْ » أحمد . وَفِي هَذَا الحَدِيثِ ، حَثٌّ لِلْمُسلِمِ عَلَى استِمْرَارِ العَمَلِ بِمَا يُحْيِي البِيئَةَ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى ذَلِكَ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّنْ يَجْـنِي ثَمَرَتَهُ وَنَتِيجَتَهُ، فَالغَرْسُ شَأْنٌ يَعْنِي النِّظَامَ البِيئيَّ، وَالحِفَاظُ عَلَيْهِ اليَوْمَ ، هُوَ حِفَاظٌ عَلَى حَيَاةِ الأَجْيَالِ القَادِمَةِ، وَتَدْمِيرُهُ عُدْوَانٌ قَدْ يُصِيبُ الإِنْسَانَ اليَوْمَ فَضْلاً عَنِ الأَجْيَالِ اللاَّحِقَةِ. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على بيئتنا ، ومن الذين يصلحون ولا يفسدون فيها ، أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ،  فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً كما يحبُّ ربُّنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى  . أمَّا بَعْدُ: فيا عِبادَ اللهِ : إِنَّ مَفْهَومَ البِيئَةِ مَفْهُومٌ شَامِلٌ، وَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ ، جَاءَتْ لإِقَامَةِ مَصَالِحِ العِبَادِ الشَّامِلَةِ، فَأَمَرَتْ بِكُلِّ مَا هُوَ نَافِعٌ، وَحَرَّمَتْ كُلَّ مَا هُوَ ضَارٌّ، فَكُلُّ نَافِعٍ لِلْبِيئَةِ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَا أَمَرَتْ بِهِ، وَكُلُّ ضَارٍّ بِالبِيئَةِ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَا نَهَتْ عَنْهُ، وَالقَاعِدَةُ الأَسَاسِيَّةُ فِي الأَحْكَامِ تَنُصُّ أَنَّهُ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » ابن ماجة.  فَالضَّرَرُ مَمْنُوعٌ مَنْعاً مُطْلَقاً ، وَالعُدْوَانُ عَلَى البِيئَةِ ضَرَرٌ مُحَرَّمٌ لِمَا يُسبِّبُهُ مِنْ أَذَىً للمجتمع ، لِذَلِكَ أَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ الأَحكَامَ ، التِي فِيهَا حِمَايَةٌ لِلْمجتمع مِنْ تَجَاوزَاتِ الأَفْرَادِ وَإِنْ مَسَّ ذَلِكَ بِحُريَّاتِهم . وفي خطبتنا القادمة إن شاء الله تعالى إخوة الإيمان : نَستَعْرِضُ جَوَانِبَ مِنَ الأَحْكَامِ التِي هِيَ جُزْئيَّةٌ وَتَفْصِيلِيَّةٌ، لَكِنَّها تَصْنَعُ الحَيَاةَ وَتَبُثُّ الخَيْرَ وَتَجْعَلُ الجَمَالَ يَعُمُّ الطَّبِيعَةَ وَالأَشْيَاءَ ، إِذَا مَا التَزَمَ المُسلِمُونَ بِهَا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، هذا وصلوا وسلموا على من أُمِرنا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل بلدنا ليبيا أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ولِّ أمُورنا خيارنا ، ولا تول أمورنا شرارنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا يا رب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولولدينا ، ولمشايخنا ولمعلمينا ، ولأصحاب الحقوق علينا ، ولمن بنوا هذا المسجد ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات..   

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون