جديد المدونة

ثوابت إيمانية(1)


ثوابت إيمانية(1)

الحمد لله الذي أودع حلاوة الإيمان في قلوب المؤمنين ، ومنَّ بالتوفيق على عباده الذاكرين الشاكرين ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأسأله أن يلحقنا بعباده الصالحين ، وأن يُجَنِّبنا طريق الجاهلين الغافلين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل سبحانه { وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران68 . وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، أزكى البرية أجمعين ، اللهم صل وسلم وبرك عليه ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عزَّ وجل ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ، وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد28 .

معاشر المسلمين : إنَّ أَثْمَنَ مَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، هُوَ إِيمَانُهُ بِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَإِنَّ أَجَلَّ نِعْمَةٍ يُنْعِمُهُا اللهُ عَلَيْهِ ، أَنْ يَعِيشَ حَيَاتَهُ بِالْإِيمَانِ ، وَأَنْ يُحْيِيَّ قَلْبَهُ بِطَاعَةِ اللهِ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو أكبرُ سببٍ لِتحصيلِ السَّعَادَةِ في الْعَاجِلِ وَالآجِلِ ، وَبِقَدْرِ إِيمَانِهِ يَرْفَعُهُ اللهُ فِي الدُّنيا والآخرة ، قال تعالى  { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }المجادلة11.

فيا أخي المسلم : لو سُلِبَتْ مِنْكَ كُلُّ النِّعم ، وَبَقِىَّ في قَلْبِكَ إِيمَانُكَ بِاللهِ ، إِنَّكَ لَفِي خَيْرٍ عظيم ، فاستشعر هذه النِّعمةَ واشْكرها ، يزدْك الله منها ، وهذا هو الفضلُ والشَّرفُ ، والكرامةُ والرفعةُ والعزة، كُلُّ ذلك ، في إيمانك بالله جل وعلا ، فَمَنْ نَافَسَكَ فِي دِينِكَ فَنَافِسْهُ ، ومن نَافَسَكَ في دُنياه فألق بها في نحره ، وفرِّغ قلبك للانشغال بما يرضي الله عنك

عباد الله : على العبد المسلم : أن يعلم أن هناك أصولاً وثوابت إيمانية ، يجب أن يمتلئ بها قلبه ، وأن يعيش حياته في ظلالِ معانيها ، وَسَنُوُرِدُ بعضاً من هذه الأصول والثوابت في خطبتنا هذه ، وخطبة قادمةٍ بعون الله : فمن هذه الأصول مايلي :

أولاً : إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: فلابد أن تؤمن وتوقن أيها المسلم : أنَّ لله جل جلاله ليس لقدرته منتهى ، ولا يُعْجِزُهُ وَلَا يَصْعَبُ عليهِ شيءٌ قط ، فما شاء كان ، ومالم يشأ لم يكن ، وَكُلُّ خَلْقِهِ مقهورون بقدرته ، ولا تخرجُ ذَرَّةٌ في الكون عن تدبيره وأمره ، فهو القادر وحده على الهداية والإضلال ، والإحياء والإماتة ، والضُّر والنَّفع ، وأن ينقذ الغرقى ، وَينجي الهلكى ، بيده الملك يُغني من يشاء ، ويُفقر من يشاء ، قال الله جل جلاله  { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء ، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء، وَتُعِزُّ مَن تَشَاء ، وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 . وها هو إبراهيم الخليل إمام الحُنفاء وأبو الأنبياء ، يُعْلِنُ هذا الاعتقاد ، كما ذكر ربنا في سُورة الشعراء { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }  الشعراء 78- 82 . فالذي يَمْلِكُ أَنْ يَخْلُقَ وَيَرْزُقَ ، ويحي ويميت وَيُمْرِضُ وَيَشْفِى ، هو الله ، فَلَا تَطْلُبْ شِفَاءَ مَرَضِكَ مِنْ سِوَاه ، لا بأس أن تأخذَ بالأسباب ، لكنْ أَيْنَ تَضَرُّعُكَ لِرَبِّكَ ؟! وأينَ دُعَاؤُكَ ؟! عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها ، أَنَّ النَّبِىَّ  صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ « اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِى ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا » البخاري .. لذلك  تيقَّن أيُّها المسلم : أنَّه مهما عَظُمَ المرضُ واشتد البلاء، فالله قادر على الشفاء ، وكشف الكروب ، وَقُدْرَةُ رَبِّنَا لا يقف أمامها شيء ، فتعامل مع ربك بالثِّقة واليقين ، والجأ إليه دوماً فهو خير الناصرين .

إخوة الإيمان : ومن الثوابت الإيمانية : ثانيا : إنَّ ربك عليمٌ حكيم : فكل ما يجري في الكون ، وكل ما سيجرى ، وكل ما حدث يعلمه الله ، ومن حكمته أن يكون في الدنيا ، كفرٌ وإيمان ، وحقٌ وباطلٌ ، وطاعةٌ ومعصية ، وفقرٌ وَغِنى ، ونصرٌ وهزيمة ، ولو كان كلُّ الناس مسلمين مؤمنين ، لَلَزِمَ من ذلك تعطيلُ الشرع ، فلا يكون حينئذٍ دعوةٌ ولا جهاد ولا صبرٌ ، ولا مُجاهدةٌ باللسان ، ومدافعةٌ لحزب الشيطان ، ولو كان كلُّ الناس أصحاء أغنياء ، لما كانت هناك صدقةٌ ولا زكاة ، ولا إعانةٌ فِي قَضَاءِ دين ، أو صبرٌ على فقر، أَوْ شُكْرٍ لنعمةِ الغنى والعافية ، فهذا الواقعُ الذي نعيشه ، قدَّره الله وشاء أن يكون كذلك ، والله سبحانه وتعالى ، لا يغيبُ عن علمه شيءٌ من خلقه ، وكلُّ ما سوى الله خَلْقُه ، وهو يعلم تبارك وتعالى ، كلُّ ما يدور في كلِّ العقول ، وكلُّ ما يُدَبِّرُهُ البشر، وكلُّ ما يُسِرُون وما يعلنون ، وأما هؤلاءِ المسلمون المشردون ، الذين يُقتلون وتغتصب أراضيهم ، وتنتهك أعراضهم ، وتنتهبُ ثرواتهم ، فالله أعلم بهم وهو أرحم بهم منَّا ، ولكن هناك سنناً كونية وحكماً إلاهية لا بد أن تعملَ في هذا الكون ، وكمْ من بلاءٍ نزل ، كان من ورائه حِكَمٌ كثيرة لا يعلمُها العباد ، وكم من بلاءٍ حلَّت بسببه نعماء ، وكم من مصيبةٍ ونكبة ، تَبِعَتْهَا صَحْوَةٌ وتوبَة ، فقد يكونُ البَلَاءُ المُؤْلِمُ اللاَّذِع ، بمثابةِ صدمةٍ كهربائية ، تعيدُ الحياةَ لِجَسَدِ الأمة ، الذى أرهقته ومزقته كثرةُ الذُّنوب والمخالفات . فتتجدد الحياة ويعقبها رجوعٌ ودموع ، وَتَضَرُّعٌ وَتَذَرُّع ، وتوبةٌ وأوبة ، وصدقٌ في الحال والمقال ، وندمٌ على التفريط في حقِّ الله جلَّ جلاله ، قال تعالى  {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ ، فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ، وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام42-43 . فلا بد أيها المسلم أن تعيش حياتك في ظلال هذه الحقيقة ، أن الله بكلِّ شيءٍ عليم  ، وفي كل فعلٍ له الحكمة البالغة ، قال تعالى  { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ، وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران29 . فكن على يقينٍ من ذلك ، فربُنا يعلمُ كيد الكائدين ، وَمَكْرَ الماكرين ، وَخُبْثَ الْمُجْرمين ، وهو قادرٌ على أن يُهْلِكَ أعداءَهُ في طَرْفَةِ عين ، ولكن كُلُّ شيءٍ بِقَدَر ولكلِّ أجلٍ كتاب ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ ، وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }النحل61 .. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله خلق الإنسان فسواه فعّدله ، وبزينة الإيمان ولباس التقوى زينه وجمّله، وبنعمة البيان شرفه وفضّله ، أحمده سبحانه وأشكره على جميع ما خوّله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، نبي أكرمه ربه وبجَّله ، صلى الله وسلم وبارك عليه على آله وصحبه ، وكل من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين … وسلم تسليما كثيرا .، أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }البقرة223 .
 عباد الله : لنا عودةٌ بإذن الله في خطبةٍ قادمة، لنتحدثَ عن ثَوَابِتَ إِيمَانِيَّةٍ أخرى ، يَجب أن تمتلأ بها قلوبنا ونعيش عليها حياتنا وفي ظلال معانيها ،، سائلين الله عزَّ وجل ، أن يثبِّتَنَا على الإيمان ، وأن يُوفقنا لما يحبه ويرضاه ، إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء ، هذا ثم صلوا وسلموا على  من أمرنا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين ، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل بلدنا ليبيا أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم أصلحنا وأصلح أحوال بلادنا وشعبها ، وأصلح شعوب العرب والمسلمين أجمعين ،  اللهم ولِّ أمُورنا خيارنا ، ولا تول أمورنا شرارنا ، وارفع مقتك وغضب عنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يخشاك ولا يرحمنا يا رب العالمين ، اللهم اجعل للإسلام والمسلمين عزةً وقُوةً ومنعة ، وللظالمين والمفسدين ذِلَّةً ومهانةً  يا قوي يا متين. اللهم اغفر لنا ولولدينا ، ولمن بنى هذا المسجد ، ومن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى فيه ، وعمل فيه ونظر إليه بإحسان ، اللهم قوِّ إيماننا أجمعين ، واحفظنا من نزغات الشياطين  ، اللهم اغفر لنا ولولدينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات ، اللهم اغفر للموتى واشف المرضى وعاف المبتلى واهد السفيه والضال إلى الطريق المستقيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون