جديد المدونة

التحذير من الظلم


التحذير من الظلم

الحمد لله وليِّ الصابرين، أحمده سبحانه ينصُر المؤمنين ويملِي للظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، القائل سبحانه وتعالى { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }الشورى40. وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمَّدًا عبده ورسوله، حذّر من عواقب البغيِ والعدوان ، ناصحًا لله مشفقًا على عباده أجمعين ، صل الله وسلِّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أمَّا بعد فيا عباد الله : نوصي أنفسنا جميعا بتقوى الله وعمل الصالحات ، يقول سبحانه وتعالى { وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران57 .

أيها المؤمنون: في صحيح مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا...».

فالواجب علينا إخوة الإيمان : أن نعرف حرمة الظُّلمِ وخطورتِهِ ، وسوءَ مغبَّتِهِ ، وعِظم عاقبَتِهِ ، وأنَّه أمرٌ محرم ؛ حرَّمه الله جل وعلا ، وَيُعَاقِبُ عليه صاحبهُ العقوبةَ العظيمة والعذاب الأليم ، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ }إبراهيم:42. ويقول جل وعلا: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } الشعراء:227 . ويقول الله سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الشورى:42.

 عباد الله : الظُلمُ ظُلماتٌ يوم القيامة ، يوم يأتي المؤمنون يوم القيامة يَسْعَوْن بأنْوارهم ، فإنَّ الظالمَ يأتي يوم القيامة ، مُتَخَبِطًا في ظلماتِ ظُلمه ، روى البخاري في صحيحه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  رضى الله عنهما ، عَنِ النَّبِىِّ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ « الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .

والظالم –يا عباد الله- ولئن كان الذي اقتطعه بظلمه من حقوق الآخرين شيئًا قليلا أو نَزْرًا يسيرا، فإنه يأتي يوم القيامة ، يحمله على عاتقه ، وَيُطَوَّقُ به عُنُقَهُ خزيًا له يوم القيامة بين العالمين ، في صحيح مسلم ، عن عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ ، أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ خَاصَمَتْهُ فِى بَعْضِ دَارِهِ ، فَقَالَ دَعُوهَا وَإِيَّاهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، طُوِّقَهُ فِى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِى دَارِهَا. قَالَ فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ. فَبَيْنَمَا هِىَ تَمْشِى فِى الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِى الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا.

إن الظلم يا عباد الله : ذنبٌ عظيم ، وإثمٌ مَرْتَعَهُ وخيم ، هو سببُ الفساد والفتن ، والبلاء والإحن ، والعقابُ والمحن ، الظلمُ مَنْبَعُ الرذائلُ والموبقات ، ومصدرُ الشُّرور والسيئات ، متى فشا في أمَّةٍ أذِنَ الله بأفولها , ومتى شاعَ في بلدةٍ حصلت أسباب زوالها ، فبه تَفْسُدُ البلدان والدِّيار , وَتُدَمَّرُ الأوطان والأمصار , وبه يَنْزِلُ غضبُ الجبَّار ، قال الله الواحد القهَّار : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمُهْلَكِهِم مَّوْعِداً }الكهف59 . فأين الأمم الظالمة القاهرة ، الغابرة الظَّاهرة ؟ لقد نزلت بهمُ الفواجع ، وحلّت بهم المواجع ، فمهما بَلَغَتْ قُوَّةُ الظَّلُوم ، وَضَعُفُ المظْلُوم ، فإنَّ الظَّالم مقهورٌ مخذول ، مصفّدٌ مغلول ، وأقربُ الأشياء ، صرعةُ الظَّلُوم ، وَأنْفَذُ السِّهام ، دعوةُ المظلوم ، يرفعها الحيّ القيوم ، فوق عنان الغُيوم ، في سنن الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ ، الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ». فسبحان من سمع أنينَ المَظْلُوم ، الْمُضطَّهدِ الْمَهْمُوم ، وَسَمعَ نداءَ المكروب المغموم ، فرفعَ لِلْمظلومِ مَكَاناً ، وَجَعَلَ الظَّالِمَ مُهَاناً ، في صحيح البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضى الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ». قَالَ ثُمَّ قَرَأَ { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102.

فيا أيها المظلوم:  يا من أوذيت أو اعتدي عليك ، أو اغتصبت بالقوة حقوقك ، أو أُخِذَتْ تحت التَّهديد حاجاتك وأشياؤك ، فمن تقوى عليك فهناك من هو أقوى منه ، لا تحزن  فحقك عند الله محفوظ ، تمسك بحبل الله العظيم ، وتذكر دعوة نبي الله إبراهيم ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، قال الحيَّ الجليل { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } 217-220 الشعراء.. إِذَا مَا الظَّلُومُ اتَّخَذَ الظُّلْمَ مَرْكَباً

                   وَتَمَادَى فِي ظُلْمِهِ وَقَبِيحِ اكْتِسَابِهِ

فَكِلْهُ إِلَى الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ وَعَدْلِهِ

                   سَيَبْدُو لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }غافر18 . نعوذ بالله العظيم أن نَظْلِمَ أو نُظْلَم ، ونسأله جل في علاه أن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، يحفظ عباده إذا التجأوا إليه ، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، هو حسبنا ونعم الوكيل وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ؛ القدوة والأسوة الحسنة للمتقين ، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد فيا عباد الله نوصي أنفسنا جميعا بقول الله تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281.  فلنحذر الظلم يا عباد الله ، فإن أجسادنا على النار لا تقوى ، ولنخش القبر ولظى ، فالنار موعد من ظلم وطغى ، قال عالم السَّر والنجوى : {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى42.

فيا ويح أهل الظلم والجرم 

                       إذا أقبلت يوم الحساب جهنّمُ

إذا ما رآها المُجرمون وأَيْقنُوا    

                        بأنّ لهم فيها شرابٌ ومَطعَمُ

ضريعٌ وزقّومٌ ويتلوه مشربُ    

                        حميمٍ لأمعاءِ الشَّقِيينَ يَهْدِمُ

وَمِنْ قَطِرَانٍ كِسْوَةً قَدْ تَسَرْبَلَوا     

                     وَسِيقُوا لِمَا فيه العذابُ الْمُخَيِّمُ

فلنتق الله عباد الله ، ولنسأله الحفظ والرعاية لنا ولأبنائنا وبناتنا ، ولبلادنا وبلدان المسلمين ، من شر الظلم والظالمين ، فهو حسنا ونعم الوكيل . عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56  . اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وأصحابه الميامين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين ، ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا  آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً ، وقلباً ناصعاً ، ورزقاً حلالاً طيباً ، برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اغفر لمن أسسوا هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه يا رب العالمين ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، واغفرِ اللَّهُمَّ لنا ولوالدينا ولمعلمينا ولمشايخنا ولأصحاب الحقوق علينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك ياربنا سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون