جديد المدونة

يوم عرفة وحرمة الدِّماء


يوم عرفة وحرمة الدِّماء

الْحَمْدُ للهِ المتفضلِ المنانِ، عظيمِ الفضلِ والإحسانِ، كريمِ العطاءِ واسعِ الغفرانِ، أحمدُهُ سبحانَهُ حمداً كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِهِ وعظيمِ سلطانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ ، شملَ عبادَهُ برحمتِهِ، وعمَّهُمْ بمغفرتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ ، وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وخليلُهُ، أعظَمَ اللهُ تعالَى بهِ الْمِنَّةَ، وأَتَمَّ بهِ النعمةَ، القائلُ صلى الله عليه وسلم:« الْحَجُّ عَرَفَةُ» رواه الترمذي . فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا ونبينا محمدٍ ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .. أَمَّا بعدُ: فيا عباد الله : وصيتنا لأنفسنا دائما هي لزوم تقوى الله وطاعته سبحانه :

فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فَالْزَمْهَا تَفُز

                    إِنَّ التَّقِيَّ هُوَ الْبَهِيُّ الْأَهْيَبُ

اعْمَلْ لِطَاعَتِهِ تَنَلْ مِنْهُ الرِّضَا

                    إنَّ المُطِيعَ لِرَيِّهِ لَمُقَرَبُ

معاشر المسلمين : إنَّنَا في يومٍ عظيمٍ ، يومٌ مبارك ، شرَّفَه اللهُ  وعظَّمَ منْزِلَتَهُ بيْنَ الأيامِ والسِّنينَ ، إنَّهُ يومُ عرفةَ ، يومُ التقربِ إلَى اللهِ تعالَى ، بالذكْرِ والدعاءِ ، والضراعةِ والرجاءِ ، يوْمٌ يزدادُ فيهِ ترقُّبُ المتَّقينَ ، وتسمُو فيهِ قلوبُ العابدينَ ، ويباهِي فيهِ الرحمنُ ملائكتَهُ بعبادِهِ المؤمنينَ ، في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى الْمَلاَئِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ ، يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى شُعْثاً غُبْراً ».

عباد الله : فإذا كان لأهل عرفات هذا الفضل العظيم ، فنحن أيضا ينالنا الثواب والخير في هذا اليوم المبارك ، فهنيئا لك يا من صمت هذا اليوم فلك البشارة من نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، بتكفير ذنوب سنتين ففي مسند الإمام أحمد ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ وَسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ .. ». وأمَّا أنت يا من لم تتمكن من الصيام ، لمرض أو لغيره من الأعذار، فلا تدع دعاء يوم عرفة يفوتك ، فهو أفضل الدعاء ، ففي الموطأ عَنْ طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ». فأكثر أيها المسلم من التهليل والتكبير والتحميد ، لتنال الأجر والثواب من الغفور الودود ذو العرش المجيد .

إخوة الإيمان : وإنَّ مما يؤلم المسلم ، ويحز في نفسه ، ويُشعره بالانقباض والأسى ، وهو في هذه الأشهر الحرم ، أشهر الحج إلى بيت الله الحرام ، ما نراه اليوم في بلادنا ، من سرقة واغتصاب للممتلكات بالإكراه ، ومن إراقةِ للدماء ، وترويعٍ للآمنين ، ومن تقاتل وتناحر داخل المدن وبأسلحة ثقيلة ، دون اعتبار لأطفالٍ أو نساء أو شيوخ ، وبِلاَ مُرَاعَاةٍ لأَيِّ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الدِّينِ وَالإِنْسَانِيَّةِ، فَأَيْنَ هَؤُلاَءِ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ ، الَّتِي تُحرِّمُ هذه الأفعال ؟ أَيْنَ هؤلاءِ مِنْ قول الله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ، فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93 . أَيْنَ هَؤُلاَءِ مِنْ قَوْلِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صلى الله عليه وسلم « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا » البخاري . وأين هؤلاء من حديثِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما ، وهما يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قوله « لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ » الترمذي . وأين هم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ » النسائي . أينَ هؤلاءِ مِنْ وصيةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهوَ يقولُ مُحَذِّرًا :« مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِى عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» رواه مسلم . وماذا سيكون جواب هؤلاء عند سؤال رب الأرباب ؟ الذي جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « يَجِىءُ الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ ، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِى ».. فبأيِّ وجهٍ يلقَى هؤلاءِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ ، وهُمْ لَمْ يُرَاعُوا حرمةً لأُمَّتِهِ، وَلَمْ يستجيبُوا لِوَصِيَّتِهِ ؟ نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتعظيم حرماته، وأن يرزقنا بره وإحسانه ، وأن يعمنا جميعاً بفضله ورحمته ، وأن يحقن الدماء في بلادنا وسائر بلدان المسلمين ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء  ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد: فيا عباد الله : غدا هو أول أيام عيد الأضحى المبارك ، فما أحوجنا في هذا اليوم ، أن ننشر ثقافة العفو والتسامح ، والتصافي والتصالح ، لننال القبول والرضوان والأجر والمغفرة من الكريم المنان ، ويشرع لنا في هذا اليوم ، التقرب إلى الله بذبح الأضاحي ، يقول سبحانه { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37 . فينبغي أن تكون أضحياتنا، طيبة مليحة ، سليمة وخاليةً من العيوب التي تنقص من تمامها ، ولذلك اشترط فقهاؤنا شروطا تتعلق بالأضحية ، أذكر لكم أهَمَّهَا: وهي أن تكون الأضحية من النعم ، وهي : الإبل والبقر والغنم ،، والضأن أفضل في الأضحية، لما روي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ، ضَحَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. وأقل ما يجزئ في الضحايا ، الجذع من الضأن ، وهو ما أتم ستة أشهر وقيل ثمانية، وقيل عشرة، وقيل ابن سنة كاملة ، فكلها جائزة ، وأما ما يجزئ من المعز ، الثني ، وهو ما أوفى سنةً ودخل في الثانية دخولا بينا ، والثني من البقر، وهو ما أوفى ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، والثني من الإبل وهو ما أوفى خمس سنين ودخل في السادسة ، ويشترط في الأضحية كذلك السلامة من العيوب ، وذلك لحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم « الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لاَ تُنْقِى ». فلتحرص أيها المضحي على أن تكون أضحيتك حسنة جيدة ، خالية من العيوب المانعة من الإجزاء . فاتقوا الله عباد الله وكلوا منها وتصدقوا على الفقراء والمساكين، وتهادوا فيما بينكم ،وعلى القادر المستطيع أن يتصدق بالمال أو الكساء ، أو الأضاحي ، حتى تعم الفرحة جميع المسلمين، ويدخل السرورُ إلى كل دار من ديارهم . هذا يا عبادَ اللهِ : وستكون صلاة العيد في هذا المسجد المبارك ، على تمام الساعة السابعة والنصف بإذن الله تعالى ، هذا ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزد وبارِكْ علَى سيدِنَا ونبيِّنَا مُحَمَّدٍ وارض اللهم عن آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ . وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم يا من أكرمت أهل الموقف أهل عرفات بالمغفرة والرحمات ، اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا، واكشف كروبنا ، واقض حوائجنا ، وبلغنا رضاك وتقواك ، اللهم قوي إيماننا ، وأصلح أحوالنا ، واهدنا إلى الطريق المستقيم يارب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلمينا ، ولأمواتنا وأموات المسلمين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وعاف مبتلانا ومبتلى المسلمين ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون