جديد المدونة

وقفات مع حديث السبعة


وقفات مع حديث السبعة

الحمد لله الذي خلع على أحبائه خِلَعَ العطاء فهم له حامدون ، ومنَّ عليهم بجليل الثناء فهم لفضله شاكرون ، عرَّفهم مراتبهم فالسابقون السابقون أولئك المقربون ، اللهم يا ربنا عليك توكلنا واليك انبنا، استسلمنا لربوبيتك ، وآمَنَّا بقدرتك ، كتبتنا مسلمين، فَسَلِّمْنَا من كل عقاب ، وكتبتنا مؤمنين ، فآمِنَّا من كلِّ عذاب ، وأشهد أَن لَّا اله الا الله وحده لا شريك له ، أظلَّ عباده المتقين في ظلِّه يوم الحساب ، وجعله وقاية لهم من العذاب يوم التَّناد ، وأشهد أنَّ سيدَنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمَّدا عبدُه ورسولُه ، وصفيه وحبيبه ، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، فجزاه الله عنَّا خير ما جزى نَبِيًّا من أنبيائه ، صلواتُ اللهِ وسلامه عليه ، وعلى اله وصحبه ، ومن سار على نهجه ، واتَّبع سنته الي يوم الدين .. ثم أمَّا بعد فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم ، القائل في محكم التنْزيل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }الحج 1-2.

إخوةَ الإيمان والإسلام : هاتان الآيتان الكريمتان هما خطابٌ عامٌّ إلى الناسِ ، فيهما أمرٌ بالتقوى ، وفيمها ذِكْرُ الحالِ يومَ القيامة، ذلك اليوم ، الذي تشخَصُ فيه الأبْصار، وَتَذْهَلُ فيه النفوس، وَتَغْفُلُ فيه المرأةُ عمّن أرضعت، { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }الانفطار19 . فمن كان في الدُّنيا مؤمنا مستعدا ، عاملا بالخيرات والواجبات ، وغيرها من المبرّاتِ ، يكونُ منَ الفائزين في ذلك اليومِ العظيم ، ناجيًا من عذابِ الله ، يُحشَرُ طاعمًا راكبًا كاسيًا، محفوظًا مِنْ أذى حرِّ الشمسِ يومَ القيامةِ ، لأنَّ الشمسَ ذلك اليومَ تدنو من رؤوسِ العباد ، فتكون أشدَّ وأقوى حرارةً ، فيلحقُ بذلك أذًى كبيرٌ لبعضِ الناس ، أما البعضُ الآخر ، وهم عبادُ الله الصالحون ، هؤلاء في أمانٍ ، يكونونَ في مكانٍ يُظلُّهم ظِلُّ العرشِ ، لا يلقَونَ أذًى من حرِّ الشمس، فهم في راحةٍ مكرمون ،، ولقد وصف رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، في حديثٍ واحد من أحاديثه، أوصاف سبعة أصناف من عباد الله ، يُظلهم الله في ظله، ويكرمهم بكرامته، ويطمئنهم ويسكن روعهم في ذلك اليوم المشهود ، فَمَنْ هُمْ هؤلاء السبعة؟ وما هي أوصافهم ؟ فلو كانت إجابة هذا السؤال مجهولة ، قد استأثر الله بها في غيبه ، ولم يُبَيِّنُهَا سبحانه وتعالى ، لكنا نبحث بشغف عن هوية هؤلاء الأتقياءِ السبعةِ ، وعن أعمالهم حتى نسعى لأن نكون منهم، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى ، جلاَّهم لنا أحسن تجلية ، وَبَيَّنَهُمْ أوضح بيان ، فذكرهم فردًا فردًا ، على لسان نبيه الكريم ، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ،، روى الإمام البخاري وغيره : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « سَبْعةٌ يُظلُّهم اللهُ في ظلِّه ، يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّه ، إمامٌ عادلٌ ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، ورجلٌ قلبُه مُعلّقٌ بالمساجدِ ، ورجُلانِ تحابَّا في اللهِ ، اجتمَعَا عليه وتفرَّقَا عليه، ورجُلٌ دعتْهُ امرأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فقال إِنِّي أَخَافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصدقةٍ فأخفاهَا ، حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه ، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ، ففاضتْ عَيناه ».

إخوة الإيمان : هذا الحديث ، يُبَيِّنُ حال سبعة أصناف من المسلمين يوم القيامة ، يُبَيِّنُ حالهم في يوم عظيم { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } المطففين:6 .  ذلك اليوم العصيب الرهيب الطويل ، الذي تدنوا فيه الشمس من الرؤوس ، يحتاج فيه العبد إلى نفحة من رحمة الله ، تسكن فؤاده ، وتروي ظمأه ، وَتُؤَمِّنُ خوفه ، وقد وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نسعى إلى أن نكون أحد هذه الأصناف، حتى نسعى إلى أن نُخْلِصَ في أعمالنا فننال هذه الدرجة الرفيعة ، وننال هذه الكرامة العظيمة، وحتى نأمن في يوم تشيب فيه مفارق الولدان ، يوم تذهل فيه المرضعة عن رضيعها، يوم يقول فيه الأنبياء: اللهمَّ سلِّم سلِّم .

أول هؤلاء الأصناف السبعة: إمامٌ عادل، إمامٌ خاف الله في رعيته ، وعدل فيهم، وكان بهم رحيما شفيقا، وأخذ بحق المظلوم من الظالم ، كما كان يفعل رجال الأمة الأوائل ، خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه  في خطبة خلافته ، والتي أوردها ابن كثير في البداية والنهاية ، يقول رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: « أما بعد: أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي ، حتى أزيح علته إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله ، إلا ضربهم الله بالذل، ولا يُشيع قوم قط الفاحشة ، إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم ». هذه هي كلمات الإمام العادل أبي بكر الصديق  رضي الله عنه وأرضاه.

والإمام العادل ـ إخوة الإيمان ـ ليس المقصود منه الحاكم فقط ، بل هو كل من يلي أمرا يكون فيه حَكَمًا أو رئيسا، يقول بعض أهل العلم: إن الإمام العادل في هذا الحديث ، هو كل من إليه نَظَرٌ في شيء من أمور المسلمين ، قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ». نسأل الله تعالى أن يجعل أمورنا لخيارنا ، وأن لا يجعلها لشرارنا ، وأن يوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ..

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ, وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ ولِيُّ الصالحينَ , وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيَّنَا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثِ رحمة للعالمين ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ ومَنِ اقْتَفَى أثرَهُ ، وتفَيَّأَ ظلالَ هديِهِ وتأسَّى بسنتِهِ إلَى يومِ الدينِ . أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا  { فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة100 .

معاشر المسلمين : وأما الصنف الثاني من السبعة : وشابٌّ نشأ في عبادة الله ، من صغره نشأ وتربى على عبادة الله، تعلم شرعَ الله، طبّقَ شرع الله، اشتغلَ بالطاعات واجتنبَ المحرمات ،  عاش عابدًا لله ، تاليًا لكتابه، متبعا لسنة نبيه ، غاضًا لبصره، حافظًا لجوارحه عما حرم الله ، لم يستسلم للملهيات والمسكرات والمخدرات ، بل عمَّر وقته في طاعة مولاه ، وإنما أكرم الله هذا الشاب، لأنه جاهد نفسه وهي عصية عليه في سبيل الله ، وعبّدها لله ، فمن السهل أن يتعبد الشيخ الهرم الذي أفنى عمره ، أما أن يتعبد ويتقي الله شاب في فورة الشباب وريعانه ، فهذا سؤدد ما بعده سؤدد، وهذه عزيمة يحبها الله سبحانه وتعالى .

هذا الشاب إخوة الإيمان : هو الذي تحتاجه الأمة لتقيم صرحها، وتستعيد مجدها، وتدافع عن عقيدتها وكرامتها، وترد أعداءها خاسئين، شباب يعيش لله ويسعى إلى صالح نفسه وصالح أمته ووطنه . نسأل الله تعالى أن يحفظ شبابنا من كل سوءٍ مكروه ، وأن يجنبهم أسباب الضلال والضياع ، إنه جوادٌ كريم ... ولنا عودة إخوة الإيمان إن شاء الله تعالى في خطبة قادمة لباقي السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . سائلين الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْنَا من ربِّنَا بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، بِقَوْلهِ  تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، والتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا أمناً وأماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم ارحمنا وارحم بلادنا ، واحقن الدماء ، وأزل الشقاق والنفاق ، والبغضاء والشحناء من قلوبنا يا أرحم الراحمين ،  اللهم اغفر لمن أسس هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه يا رب العالمين ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، واغفرِ اللَّهُمَّ لنا ولوالدينا ولمعلمينا ولمشايخنا ولأصحاب الحقوق علينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك ياربنا سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ..

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون