من أخلاق الأزْمَة
من أخلاق الأزْمَة
الحمد لله رب العالمين ، اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة
المتواترة ، ولك الحمد على آلائك الجسيمة المتظافرة ، اللَّهُمَّ لك الحمد في اللّيل
إذا أدبر، ولك الحمد في الصّبح إذا أسفر ، ولك الحمد في الظَّهائر والأسحار، ولك الحمد
بالعشيّ والإبكار، اللَّهُمَّ أنت الّذي بذكرك تطمئنّ القلوب ، وتنكشف الكروب ، استر
علينا فاضحات العيوب ، واغفر لنا موبقات الذُّنوب ، إنّك أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
يا من يجيبُ دعاء المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السَّقم
إن كان أهلُ التُّقى فازو بما عملـوا
فمن يجود على العاصين بالكـرم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ملأ القلوب من
هيبته ، وعمر الأكوان بحكمته ، وطوق الأعناق بنعمته . وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله ، اللهم أحينا على سنته ، وأمتنا على ملَّته واحشرنا في زمرته ، اللهم
صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين ، وسلَّم تسليما كثيرا . أمّا بعد: فيا عباد الله ، أوصيكم ونفسي
بتقوى الله ، فالتقوى سبيل النجاة والرشاد والفوز بجنة
ربِّ العباد، {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}المائدة:
100...
إخوة الإيمان :
حسن الخلق من الإيمان ، وصفة من صفات أهل الإحسان ، يقول عليه الصلاة والسلام« أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا »رواه
أبوداود فمن زاد عليك في الخلق ، زاد عليك في الدين ، وإن
العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم الدرجات ، وشريف المنازل ، وإنَّه ليبلغ بسوء خلقه ،
أسفل درجةٍ في جهنم ، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
وَوَصَفَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حُسْنَ الْخُلُقِ فَقَالَ هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ
، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَكَفُّ الأَذَى .
وعند
الأزْمات إخوة الإيمان : ينكشف مَعْدِنُ الإنسان ، فالناس في الراحة والبحبوحة ،
يشبه بعضهم بعضا ، لكن عند الأزْمة ، يبين المعدن النفيس ، من المعدن الرخيص
، وَلَإِنْ كُنَّا دائما مدعوين للتحلى
بمكارم الأخلاق ، والتخلي عن مساوئها ، فنحن في الأزْمات أشد حاجة لهذا التحلي والتخلي
. فحاجة الناس للأخلاق في الأزمات
، أشدّ وأكبر، فليس من خلق المسلم أن يعدو على مال أخيه ، ولا أن يعتدي على مال عام
أو خاص ، ولا أن يضر بممتلكات عامة أو خاصة ، ولا أن يعتدي على أرواح الناس وأعراضهم
ظلماً وعدوانا . قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ » رواه
النسائي .
وليس من خلق المسلم كذلك ، رفع الأسعار في الأزْمات، والاحتكار
للبضائع لزيادة أسعارها ، فعن مَعْقِلِ بْنُ يَسَارٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ دَخَلَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ
لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِى مُعْظَمٍ
مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه البيهقي . وقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- « مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ
» رواه الترمذي. فشتان بين من يفعل ذلك في الأزْمات ، فيغلي على الناس
الأسعار ، ويحتكر عليهم البضائع ، ويستغلهم أبشع استغلال ، ويضرهم ويمكر بهم ، وبين
من يمد يد العون للمحتاج ، ويؤثر على نفسه إخوانه المسلمين ، فيشترى من السوق
حاجته فقط ، ويترك لإخوانه ما يحتاجون ، بل إن بعضا من الناس حفظهم الله يقومون بخدمة
إخوانهم ومساعدتهم ، والرأفة والرحمة بهم ، فيوفر لهم الأكل ، ويجلب لهم المياه بسيارته
لأماكنِهم ، ليخفف عنهم شدة الأزْمة ، ويزيل
عنهم الكربة والمِحْنَة ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ
». قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « سَقْىُ الْمَاءِ ». اسمع ا أخي
المسلم ، يامن تريد مغفرة ذنوبك ، اسمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي
يحثُّك على الرحمة ، لتنال هذه المغفرة . فَعَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ، قَالَ
النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم - « بَيْنَمَا
كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ
بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ
» . الله أكبر : فلئن كانت الرحمة بكلبٍ تغفرُ ذنوب البغايا ، فإن الرحمة بالبشر تسوق
المراحم والهدايا ، فأين المشمرون ، أين المشمرون للبذل والعطاء ، والرحمة
والإيثار والرأفة بإخوانهم المسلمين ، يقول عليه الصلاة والسلام « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ
الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ » رواه أبوداود . { رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ
}المؤمنون109.. اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا يا
حي يا قيوم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا
على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصَّالحين، وأشهد أن
سيِّدنا ونبيِّنا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى
آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فيا عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وعلينا أن نكون حريصين دائما في
الأزْمات على التساند والتعاضد والتآزر ، بين أبناء البناء الواحد والحي الواحد والقرية
الواحدة والمدينة الواحدة والبلد الواحد، يعين الغني الفقير، ويساعد القوي الضعيف،
ويتكافل الجار مع جاره، ويتساند الصديق مع صديقه، ويتعاون الأخ مع أخيه ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى
مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى
مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ». قَالَ راوي الحديث ، ذَكَرَ رسول الله صلى الله عليه
وسلم: مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ،
حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. رواه مسلم. فلنكن إخواني أعواناً على البر والتقوى، ولنحذر التعاون على الإثم والعدوان
، ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة
جدير . هذا وأكثروا في هذا اليوم المبارك من الصلاة والسلام على حبيبنا وقدوتنا
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمرنا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله جل
وعلا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56. اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارِك على عبدِك ورسولكَ سيدنا محمّد ، وعلى آله
الطيبين الطاهرين ، وَارضَ اللّهمّ عَن سائر الصحب من الأنصار والمهاجرين ، وانفعنا
اللهم بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم بفضلك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام وانصر
المسلمين ، ودمّر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا
وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اكتب السلامة لبلدنا ولشعبها يا رب العالمين ، اللهم أرخص أسعارنا, وغزر أمطارنا , وارزقنا وأنت خير الرازقين ، وسائر
بلاد المسلمين ياذا
الجلال
والإكرام
، اللهم اجعل
جمعنا هذا جمعا موفقا مرحوما واجعل تفرقنا من بعده تفرقا سالما معصوما ،ولا تدع فينا
ولا معنا شقيا ولا محروما ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ،، اللهم اغفر لمن أسس هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل
فيه يا أرحم الراحمين .
ليست هناك تعليقات