شكر النعم
شكر النعم
الحمد
لله رب العالمين مسدي الخيرات و النعم ، ودافع البلايا و النقم ، أحمده تعالى وأشكره
وأتوب إليه وأستغفره من كل كبيرة ولمم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ذو العطاء الجزل والجود والكرم ، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله وصفوته وخيرته من الأمم
.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
.. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ }المائدة35.
معاشر المسلمين
: نعم الله على الإنسان كثيرة لاتعد ولا تحصى يقول الله تبارك وتعالى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا
إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18. ومن هذه النِّعم
العظيمة نعمة الكهرباء ، هذه النعمة التي أصبحت ضرورة ملحة لحياتنا ، فبفقدها يفقد
الماء ويفقد النوم والراحة ، ويعاني كثير من المرضى نتيجةً لهذا الفقد ، ولا يشعر
الإنسان بقيمة الأشياء إلا إذا فقدها ، فهذه النعمة وغيرها من النعم ، إن لم نؤد
شكرها بالمحافظة عليها وعدم الإسراف في استهلاكها سلبت منا ، فالنعم التي لا يحافظ
عليها الإنسان بصرفها في مرضاة الله وطاعته عز وجل سيأتي يوم وتسلب منه ، فالذي
يترك الأضواء مشتعلة ليلا ونهارا في الطرقات وفي المنازل ، والذي يسرف في استعمال
الماء ، ويهدرها في الطرقات وعبر الخزانات من فوق الأسطح والبنايات ، فهل هذا أدى
شكر هذه النعم ، واستعملها في مرضاة الله . فلنأخذ العظة والعبرة من حديث نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم الذي رويه لنا الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه ، أَنَّه سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ ثَلاَثَةً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ
أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ
مَلَكًا ، فَأَتَى الأَبْرَصَ . فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ
حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، قَدْ قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ
، فَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا . فَقَالَ أَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ
إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ - فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ . فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ
فِيهَا . وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ
، وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا ، قَدْ قَذِرَنِى النَّاسُ . قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ
، وَأُعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا . قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ
. قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً ، وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا . وَأَتَى
الأَعْمَى فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى
، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ . قَالَ فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ
. قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ . فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا
، فَأُنْتِجَ هَذَانِ ، وَوَلَّدَ هَذَا ، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ ، وَلِهَذَا
وَادٍ مِنْ بَقَرٍ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ . ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ
فِى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، تَقَطَّعَتْ بِىَ الْحِبَالُ
فِى سَفَرِى ، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِى
أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ
عَلَيْهِ فِى سَفَرِى . فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ كَأَنِّى
أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ
فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ . فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ
اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ
لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا
، فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ . وَأَتَى الأَعْمَى
فِى صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِىَ الْحِبَالُ
فِى سَفَرِى ، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ، ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ
بِالَّذِى رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِى سَفَرِى . فَقَالَ
قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِى ، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِى ، فَخُذْ
مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَىْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ .
فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنْكَ
وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ » . وهكذا إخوة الإيمان : يكون الأعمى قد نجح في الامتحان ، فشكر
ربه وحمده على نعمه ، وتصدَّق مما رزقه الله ؛ فزاد الله عليه النعمة وباركها له،
بينما بخل الأقرع والأبرص ولم يشكرا ربهما؛ فسلب الله منهما النعمة. يقول الله
تبارك وتعالى {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ
دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى
عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر49 . فلنتق الله يا عباد الله ولنحافظ
على نعم الله التي حبانا بها ولنعرف لها قدرها وميزانها ، فالواجب يحتم على كل
واحد منا أن يشكر الله تبارك وتعالى ، ولا يقتصر
الشكر على الشكر باللسان ، بل يتعداه إلى الشكر بحسن التصرف في هذه النعم وحسن استغلالها,
والاقتصاد والترشيد
في استهلاكها ، فلا نسرف في استهلاك الكهرباء ، ولا في الماء ، ولا نسرف في الأكل
والشرب خاصة في مناسبات الأفراح ، فالأطعمة بجميع أنواعها ترمى في القمامة ، وسيحاسبنا
الله عليها ، لأننا لم نقتصد في صرفها واستهلاكها ، والله تبارك وتعالى يقول { وكُلُواْ
وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31 . نسأل الله تعالى أن يجعلنا من
المحافظين على هذه النعم ، ومن المؤدّين لشكرها ، كم نسأله سبحانه أن يحفظها ويديمها
علينا ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
من كل ذنبٍ وخطيئةٍ ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على كل حال, ونسأله العفو والسلامة
الدائمة في الحال والمآل , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه
واستن بسنته إلى يوم الدين . أما بعد, فيا عباد الله : نوصى أنفسنا جميعا بالتقوى فهي
نعم الزاد { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي
الأَلْبَابِ }البقرة197.
عباد الله :
إذا تحلى المسلمُ بخُلُقِ الشكر والحمد لربه، فإنه يضمن بذلك المزيد من نعم الله في
الدنيا، ويفوز برضوانه وجناته، ويأمن عذابه في الآخرة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
}إبراهيم7. وقال سبحانه: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ
إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً }النساء147
. وقال الحسن: كلما شكرتَ نعمة، تَجَدَّدَ لك بالشكر أعظم منها. نسأل الله تعالى
أن يجعلنا لنعمه من الشاكرين ، وأن يديمها علينا إنه سميع قريب مجيب الدعاء ،، ألا
فاتقوا الله - رحمكم الله -، ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة ، والنعمة المُسداة: نبيِّنا محمدٍ رسول الله؛ فقد
أمرنا بذلك ربُّنا في محكم تنزيله ، فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه - قولاً كريمًا:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارِك
على عبدِك ورسولكَ سيدنا محمّد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وَارضَ اللّهمّ عَن سائر
الصحب من الأنصار والمهاجرين ، وانفعنا اللهم بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم بفضلك يا أرحم
الراحمين . اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، ودمّر أعداءك أعداء الدين ، واجعل
بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اكتب السلامة
لبلدنا ولشعبها يا رب العالمين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا موفقا مرحوما واجعل تفرقنا
من بعده تفرقا سالما معصوما ،ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ يا الله يالله يا الله نسألك أن تجعل ولا يتنا فيمن خافك واتقاك واتبع
رضاك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك أن تجعل للإسلام والمسلمين قوةً وعزةً ومنعة
وللكافرين والصهاينة الظالمين ذلة وخزي وندامة ، يارب العالمين . اللهم اغفر لمن أسس هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه
يا أرحم الراحمين .
ليست هناك تعليقات