جديد المدونة

الدعاء في رمضان

الدعاء في شهر رمضان
 
الحمد لله المتفضّل بالجود والإحسان، المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم على هذه الأمة بإنزال القرآن ، هدًى للناس وبيِّنات من الهدى والفرقان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، القائل في كتابه المبين {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 . وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله القائل عليه الصلاة والسلام « إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ ». صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فإنها أوثق العرى، وبها تتحقق السعادة في الدنيا والفوز في الأخرى، فاتقوا الله فإن العاقبة للتقوى.
معاشر المسلمين : إنكم في شهر لا يشبُهُه شهر، عظيم الأمر، جليل القدر، هو من أشرف أوقات الدهر، فضائله لا تحصى، ومحامده لا تُستقصى، موسمٌ وافرُ الأرباح لمن اتَّجر، مهلكٌ لأرواح من طغى فيه وفجر.
شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ -- من ألف شهرٍ فُضِّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صـحَّ فيه صيامه  --  ودعا المهيمن بكـرة وأصيلا
وبليلهٍ قـد قـام يختـم ورده --   متبتـلاً لإلهـــه تبتيــلا
معاشر المسلمين : موضوع خطبتنا اليوم عن الدعاء ، ففي سنن أبي داود عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ، ثم تلا قول الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60» ..
وللدعاء عباد الله في شهر الصيام ، خصوصيةٌ عظيمة، ومكانةٌ عالية رفيعة ؛ وذلك لما يختص به شهر الصيام من خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ففيه أبواب الجنة تفتَّح، وأبواب النار تغلق، ولله فيه عتقاء من النار، وذلك كل ليلة، وفيه ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، العبادة فيها أعظم من العبادة في ألف شهرٍ، ليس فيها ليلة القدر، والدعاء في تلك الليلة أعظم من الدعاء في ألف شهرٍ ليس فيها ليلة القدر.
أيها المؤمنون: ومما يبين لنا مكانة الدعاء في شهر الصيام ، شهر رمضان المبارك: أن من أعظم الآيات في القرآن حثًا على الدعاء، وترغيبًا فيه، وبيانًا لعظيم شأنه، هي قول الله سبحانه وتعالى{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ، فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186. فقد جاءت متخللةً بين آيات الصيام وأحكام الصيام في سورة البقرة ؛ فقبلها قول الله جل وعلا: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبعدها قول الله جل وعلا: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. فجاءت هذه الآية العظيمة متخللة بين أحكام الصيام في سورة البقرة ؛ مما يدل على عظيم مكانة الدعاء في شهر الصيام . وقد جاء في السنة النبوية المطهرة ، من الأحاديث ما يقرر هذا المعنى ويشهد له ؛ فقد روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ». وروى البيهقي في السنن ،عن أنس ابن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» . ولئن كان هذا الفضل يتناول كل صيامٍ، فإنه في صيام شهر رمضان أولى وأحرى؛ لأنه ما تقرب متقربٌ إلى الله بشيء ، أحبَّ إليه سبحانه مما افترضه على عباده، وصيام رمضان صيام فريضة، والعبد فيه في حالٍ فاضلةٍ رفيعة؛ ولهذا ينبغي على الصائم أن ينتهز هذا الموسم المبارك ، وصيامه في هذا الشهر الفضيل ، فَيُقْبِلُ على الله جل وعلا إقبالًا عظيما، داعيًا راجيًا، طامعًا فيما عند الله جل وعلا . فربنا سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، وهو جل وعلا لا يخلف الميعاد. وإذا أقبل المسلم على هذه العبادة العظيمة: "عبادة الدعاء" سواءً في شهر رمضان، أو في غيره من الأوقات، فليخُصَّ في دعائه وليعُمّ؛ ليخص نفسه بسؤال الله خيرات الدنيا والآخرة . ويخص قرابته من أهلٍ وولدٍ ووالدٍ وقرابة بدعوات خاصَّاتٍ، وليعمِّم في دعائه، فيدعو لمجتمعه ولبلاده ، ولعامة المسلمين أينما كانوا بالسلامة من الفتن، والنجاة من المحن، وصلاح الأحوال، وتفريج الكربات، وتيسير الأمور؛ فيكون داعيًا لنفسه، وداعيًا لإخوانه المؤمنين، ودعوة المؤمن لأخيه المؤمن لا تُرد، في صحيح مسلم عن أُمَّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ ». فالمؤمنون كالجسد الواحد، آلامهم واحدة، وآمالهم واحدة، وهذا شأنهم كما قال الله جل وعلا: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات: 10.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا إخوةً متحابين ، وعلى الخير والصلاح والإصلاح متعاونين ،، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
 
 الخطبة الثانية
 
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ،، فيا عباد الله : وقفتنا الفقهية اليوم مع مفسدات الصوم ، ومفسدات الصوم نوعان : منها ما يوجب القضاء فقط . ومنها ما يوجب القضاء والكفارة . وسنتحدث في هذه الخطبة عن ما يوجب القضاء فقط : فالأشياء التي إن فعلها الصائم في نهار رمضان وجب عليه القضاء فقط : هي إذا أكل وشرب الصائم في نهار رمضان سهواً عليه القضاء ، أي يرد اليوم الذي أكل أو شرب فيه سهواً دون كفارة . وإذا أكل أو شرب الصائم عمداً بعد أن أكل وشرب ناسيا ، أي أن صائما أكل أو شرب ناسيا وبعدها قال : أستمر في الأكل والشرب – جهلاً منه- لأن الصوم فسد ولا يجب أن أُمسك إلى آخر النهار ، فهذا الصائم عليه أن يرد اليوم الذي أفطر فيه وجب عليه القضاء فقط . القيء عمداً ، ولو لم يرجع منه شيءٌ إلى الجوف ، وكذلك إذا غلبه القيء ورجع منه شيء ، وجب عليه القضاء يردُّ اليوم بدون كفَّارة . المرأة التي في حالة الحيض والنفاس ، عليها أن ترد الأيام التي كانت فيها حائضا أو نافس ، والصوم حرامٌ عليها إذا كانت حائضا أو نافسا . الأكل مع الشك : إنسانٌ أكل وشاكٌّ في طلوع الفجر – هل طلع الفجر أم لا ، أو هل غربت الشمس أم لا ، فالصوم يفسد إذا أكل أو شرب شيئاً مفطرا مع الشك في طلوع الفجر ، أو الشك في غروب الشمس ، فعليه القضاء أن يردَّ اليوم دون كفارة ..
عباد الله : كذلك على المسلم والمسلمة إذا كان عليه قضاءً من رمضان أن يبادر ولا يتأخر في رد الأيام التي عليه ، ويصومها متفرقة أو مع بعضها كل ذلك جائز صحيح ، وأن لا يؤخره حتى يدخل رمضان القادم ، فإذا جاء رمضان الثاني ولم يرد الأيام التي عليه وجب عليه بعد رمضان الثاني القضاء مع الفدية عن كل يومٍ أخَّره . نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا ، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء .
عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين. وعنا معهم بفضلك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك وابتغاء مرضاتك ، اللهم أعنا على صيام هذا الشهر المبارك وقيامه ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ صَبْراً يُبَلِّغُنَا ثَوَابَ الصَّابِرِينَ لَدَيْكَ، وَشُكْراً يُبَلِّغُنَا مَزِيدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ، وَتَوْبَةً تُطَهِّرُنَا بِهَا مِنْ دَنَسِ الآثَامِ، حَتَّى نَحُلَّ بِهَا عِنْدَكَ مَحَلَّ المُنيبِينَ إِلَيْكَ، فَأنْتَ وَلِيُّ جَمِيعِ النِّعَمِ، وَأَنْتَ مَلاَذُنَا فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَكَرْبٍ وَضُرٍّ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نُفوساً مُطْمَئِنَّةً تُؤْمِنُ بِلِقَائِكَ وَتَقْنَعُ بِعَطَائِكَ، وَتَرْضَى بِقَضَائِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ أَشَارَتْ إِلَيْهِمْ أعْلاَمُ الْهِدَايَةِ، وَوَضَحَتْ لَهُمْ طَرِيقُ النَجاةِ، وسَلَكُوا سَبِيلَ الإِخْلاَصِ وَالْيَقِينِ. اللَّهُمَّ نَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ النَّارِ، وَعَافِنَا مِنْ دَارِ الْخِزْيِ وَالْبَوَارِ، وَأَدْخِلْنَا بِفَضْلِكَ الْجَنَّةَ دَارَ الْقَرَارِ، وَعَامِلْنَا بِكَرَمِكَ وَمَغْفِرَتِكَ، يَا كَرِيمُ يَا غَفَّارُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون