شهر رمضان المبارك
شهر رمضان المبارك
الحمد لله الذي جعل الصيام جُنَّةً من العذاب، وجعل ثوابه لديه بغير حساب، وفضَّل شهر رمضان على غيره من الشُّهور وأنزل فيه الكتاب ، وخصَّ فيه هذه الأمِّةِ بمزيدٍ من التَّكريم والثَّواب، أحمدُه تعالى حمد من تاب إليه وأناب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ، وأشهد أنَّ سيَّدنا ونبيَّنا محمدا عبده ورسوله ، المبعوث بالحكمة وفصل الخطاب ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وسائر الأصحاب ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب .. أما بعد ،، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، ففي التقوى رضا الرحمن ، وَالْفَوْزَ بالجنان ، والسلامة من النِّيران ، فلقد جاءت البشارة في القرآن: { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } مريم :63.
إخوة الإيمان: نحن في موسمٍ عظيمٍ من مواسم الخير والبركة ، في اليوم السادس من شهر رمضان ، فكيف كان حالنا في تلك الأيام الماضية ، هل فتحنا صفحة جديدة مع علاقتنا بالله جل وعلا ، وتُبْنَا إليه وسألناه العفوَّ والمغفرة والصَّفح ؟ ماذا قدمنا في هذه الأيام من أعمال وطاعات وقربات ؟ هل حافظنا على الصلوات المفروضة في المساجد ؟ هل أكثرنا من النوافل وحافظنا على صلاة التراويح ؟ هل بدأنا ختمة للقرآن وقرأنا بتمعن وتفكر وتدبر، هل تحسَّنت علاقاتنا مع أرحامنا وأقاربنا وجيراننا وأزلنا الشقاق والخصومات والمنازعات ؟ إذا فعلنا ذلك ، فالبشرى لنا من ربنا بالفوز والرضوان ، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ . وَلَخُلُوفُ فِيهِ ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». فبالجِدِّ فازَ من فازَ، وبالعَزم جازَ من جازَ، وبالصبر حازَ من حازَ ، ومن دامَ كسلُه خابَ أملُه، وتحقَّق فشلُه.
يا مَن ألِفَ الذنوبَ وأجرَما -- يا من غدَا على زلَّاته مُتندِّمًا
تُب فدونك الْمُنَى والمغنَما -- والله يحبُّ أن يجُود ويرحَما
ويُنيلَ التائبين فضلَ تكرُّمًا
فطُوبَى لمن غسلَ في هذا الشهر درَنَ الذنوب بتوبة، ورجعَ عن خطاياه قبل فوت الأوبة. فهذا شهرٌ يُفكُّ فيه العاني ، ويُعتقُ فيه الجاني، ويُطلَق فيه العاصي، فبادِر الفرصة ، وحاذِر الفَوتة ، ولا تكن ممن أبَى ، وخرج رمضانُ ولم ينَل فيه الغُفرانَ والرضا ، في سنن البيهقي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْتَقَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ :« آمِينَ آمِينَ آمِينَ ». فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ :« قَالَ لِى جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ آمِينَ ».
فيا أخي لمسلم : هل حافظت على صيامك ، فصنت بصرك من النظرة الحرام ؟ وضبط لسانك وألجمته عن الغيبة والنميمة والشتم والسباب والخصومات ، والخوض في أعرض الناس ، والسعي بالفتنة والفرقة فيما بينهم ؟ وهل صنت سمعك عن سماع المحرم وعن مَّا لا يعنيك ؟ وهل حفظت يدك عن البطش والإيذاء بالناس ؟
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ -- وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِي إِذاً مِنْ صَوْمِيَ الْجُوعُ وَالظَّــمَأْ -- فَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَوْمِيَ فَمَا صُمْتُ
فلا تكن أيها المسلم من أولئك الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ »رواه بن ماجة .
أيها الصائمون الكرام : ينبغي للصائم أن يحرص ويحافظ على صيامه من الفساد ، ولا يكن كما يفعل بعض الناس ، من انتهاك حرمة رمضان ، بالقتل أو السرقة ، أو الرشوة ، أو الأكل والشرب والتدخين في نهار رمضان ، دون خوفٍ ولا وجلٍ من مراقبة الله لهم . مرَّ الحسن البصري رحمه الله ، بقومٍ يضحكون في رمضان ، فوقف عليهم وقال : إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضماراً – أي ميدان سباق – يستبقون فيه بطاعته ، فسبق أقوامٌ ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا ، فالعجبُ للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون ، وخاب فيه الباطلون ، أما والله لو كُشِفَ الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته } فالله . الله عباد الله لنجتهد أن نكون من السابقين ، ولا تكون من الخائبين ، في شهرٍ شرَّفه الله ربُّ العالمين .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ، وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185 نسأل الله تعالى أن يعيننا على الصيام والقيام وقراءة القرآن ، واجتناب الرذائل والآثام ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصَّالحين، وأشهد أن سيِّدنا ونبيِّنا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فيا معاشر الصائمين : وقفتنا الفقهية اليوم : مع بعض الأمور التي لا تفسد الصيام ، أولا السواك وتنظيف الأسنان : فهو جائز للصائم نهارا ، قال عَامِرِ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ ، وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِى أَوْ أَعُدُّ .البخاري .. ثانيا بلع الريق وقليل الدم يخرج من بين الأسنان ويبتلعه الصائم لا يفسد الصوم ، كما لا يفسد الصوم بدخول ذبابٍ أو بعوضٍ إلى الحلق ، وكذلك لا يفسد الصوم بغبار الطريق ولا غبار الدقيق ولا إسمنت لأنه لا يمكن الاحتراز منه . ثالثا: الإصباح بالجنابة ، جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، فيغتسل ويصلي. رابعا : الحقنة في العضل أو الوريد لا تفسد الصوم أما حقنة التغذية في الوريد فهي مفطرة وتوجب القضاء . وكذلك وضع الدواء على الجرح غير مفطر ، وكذلك المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة لا يفسد الصوم ، وذوق الطاهي للطعام لاختبار حلاوته أو ملوحته ثم طرحه مع الريق لا يفسد الصوم ، ومن غلبه القيء ولم يرجع منه شيء فصومه صحيح ، من احتلم وهو صائم فصيامه صحيح .. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا ، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا , إنه سميع قريب مجيب الدعاء ؛ عباد الله : يقول الله تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صلِّ وسلّم وزد وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاءً رحاءً ، أمناً وأماناَ يا رب العالمين ، اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً فتغفر له يا رب العالمين . اللهم تقبل منا الصيام والقيام ، واجعلنا من عتقاء شهر رمضان ، اللهم أحسن لنا الختام ، واجعلنا من المتقين المحسنين ، الصالحين المصلحين ، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين ، اللهم اغفر لمن أسسوا هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه يارب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم .
ليست هناك تعليقات