جديد المدونة

ها قد أطلت العشر

ها قد أطلت العشر
الحمدُ للهِ الذي فضَّلَ بعضَ الشهورِ علَى بعضٍ تفضيلاً، وزادَ شهرَ رمضانَ عليها غُرَّةً وتَحْجيلاً، واصطفَى مِنْ رمضانَ العَشْرَ ونزَّلَ القرآنَ فيها تنزيلاً، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، شرعَ لِعبادهِ مواسِمَ الطاعاتِ ليبتَغُوا عنَده جنَّةً وسلسبيلاً، وأشهدُ أنْ سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه ، عَبدَ مولاهُ حقَّ عبادتهِ وذلَّلَ نفسَه لربِّه تذليلاً، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارك عليهِ وعلَى آلهِ وصحابته أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ..أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فمن اتقى مولاه لم يزدد منه إلا قربًا، وتزكى بصيامه وارتقى ، وسما روحًا وقلبًا { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}الطلاق: 5
معاشر الصائمين : لِنَحْمَدِ الله ولنشكره على نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، فها نحن ولله الحمد والمنَّة ، ندرك هذه العشر المباركات ، فلنعقد العزم على إحيائها بالقيام ، والذكر والدعاء وتلاوة القرآن، ولنتنافس فيها بكثرة الأعمال الصالحة ، فو الله إنها التجارة الرابحة ، وليكن لنا اقتداءً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يخص هذه العشر ويجتهد فيها أكثر من غيرها ، في صحيح مسلم عن عَائِشَةَ رضى الله عنها قالت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ.. وفي صحيح البخاري ، عن عائشة  رضى الله عنها  قَالَتْ : كَانَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم ، إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ .
عَشْرٌ وَبِالْحَسَنَاتِ كَفُّكِ تَزْخَرُ -وَالْكَوْنُ فِي لَأَلِاءِ حُسْنُكِ مُبْحِرُ
هَتَفَتْ لِلُقْيَاكِ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ -مِنْ ذُنُوبِهَا فِي دَمْعِهَا تَسْتَغْفِرُ
فهذه إخوة الإيمان: غنيمة باردة منحنا الله إياها، فلنغتنمها لئلا تفوتنا الفرصة ، فالأعمار قصيرة ، ولذا عوضنا الله جل وعلا ، بليلة مباركة في هذه العشر الفاضلة ، هي ليلة خير من ألف شهر يقول سبحانه : {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }القدر3.
فهنيئاً لمن وُفِّقَ لقيامها وَقَبِلَ الله منه ، فقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بمغفرة ذنوبه ، فقال عليه الصلاة والسلام « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ  » البخاري .
فعلينا عباد الله: أن نحرص على الدعاء في هذه الليالي المباركة ، ولا سيما ليلة القدر، فالدعاء فيها له مزيةٌ خاصة ، في سنن الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَىُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى » . وأي شيء أعظم من عفو الله ، ففيه المخرج والفرج من أَسْرِ الأوزار ومن رق الذنوب ، إلى حرية المغفرة والرحمة ، ومن الضيق والنكد ، إلى الأنس والسعادة.
عباد الله : نحن على أبواب أول ليلة من الليالي العشر الأخيرة من رمضان ، عشر التجارة مع الله ، عشر التجارة للآخرة ، وأعني بها التجارة الرابحة دون خسارة، الحسنة فيها تضاعف إلى أضعاف كثيرة ، وليست هذه التجارة كتجارة الدنيا ، لأن التاجر قد يربح وقد يخسر ، أمَّا العامل المخلص في هذه الليالي العشر، فهو رابح لا محالة ، لأنه يتعامل مع أكرم الأكرمين ، مع من بيده الدنيا والآخرة ، إنها العشر التي هي ختام الشهر، والأعمال بالخواتيم ، فلنختم شهرنا بالطاعة والعبادة ، ولنحي هذه الليالي الفاضلة ، لعلنا نسعد بإدراك ليلة القدر ، ونشهد نُزُول الملائكة ، يقول سبحانه وتعالى عن هذه الليلة { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} سورة القدر .
عَشْرٌ تَنَزَّلُ أَمْلَاكُ السَّمَاءِ بِهَا- إِلَى صَبِيحَتِهَا لَمْ تُثْنِهَا الْعِلَلُ
فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ لَوْ ظَفِرْتَ بِهِ-مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَأَجْرٌ مَا لَهُ مِثْلُ
إخوة الإيمان : فلنقتدي بنبينا عليه الصلاة والسلام فقد كان يَخُصُّ الْعَشْرَ الأواخر بأعمال صالحة ، بإحياء ليلها بالقيام والذكر والتسبيح والدعاء ، ومدارسة القرآن فقد كان يدارس جبريل القرآن ، ويعرضه عليه كل ليلة ، وفي العشر الأواخر أكثر من غيرها. وكان يخص هذه العشر بإيقاظ أهله ، إصلاحاً لهم وتعليماً وتربية ، وعملاً بقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }طه132.
فلنجتهد عباد الله فيما بقي من شهرنا ، ولنتسابق في طاعة ربنا ، ولنؤدي ما أوجب الله علينا ، من رعاية للأهل والأولاد ، وحثِّهم على الصلاة والذكر والدعاء ، ولنزين نهارنا بالصيام ، وليلنا بالقيام ، ولنتخلق بأخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام ، في هذه العشر وغيرها من الأيام ، لعل الله جل وعلا ، أن يجمعنا به وصحبه في مقعد صدق عند مليك مقتدر. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله،  صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد ،، فيا عباد الله : وقفتنا الفقهية اليوم مع مفسدات الصوم ، وقد قلنا في الخطبة الماضية أن مفسدات الصوم نوعان : منها ما يوجب القضاء فقط . ومنها ما يوجب القضاء والكفارة . وكنا قد تحدثنا عما يوجب القضاء فقط ، واليوم سنتحدث عن ما يوجب القضاء والكفارة  
عباد الله : يجب علينا أن نعظم شهر رمضان ، فمن يفسد صومه بالأكل والشرب والجماع في نهار رمضان متعمِّداً قاصداً ، هو منتهك للشهر وحرمته ، ووجب عليه القضاء والكفارة ؛ في سنن البيهقي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ :« مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِى غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ وَإِنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ ». والذي تجب عليه القضاء والكفارة :
أولا: أن يكون اليوم الذي أفسده من أيام شهر رمضان لا من غيره .
ثانيا: أن يكون متعمدا إفساد الصوم عالما بأن ما فعله مفسداً للصوم مختاراً للفعل غير مكرهٍ ولا مضطر .
ثالثا: أن يكون متعديّاً بإفطاره قاصداً انتهاك حرمة الشهر .. وكفارة الصوم : صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكينا ، أو عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب . ألا فلنتق الله عباد الله ولنحذر من مخالفة أوامره ولتجرؤ على حرماته ، يقول سبحانه وتعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63.. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا ، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء .
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهـم احقن دماء المسلمين اللهـم وحـد صفـوف المسلميـن اللهـم أطفـئ نيـران الفتـنة فـي بلادنا اللـهم من أراد بلادنا بخيـر فخــذ بيــده ، ومن أرادها بشر فخـذه أخـذ عــزيز مـقتــدر، اللـهم انصـرنــا عـلى مـن عـادانـا  اللـهم لـم شملنـا اللـهم ألـف بيـن قلـوبنـا  اللـهم ردنـا إلـى ديـنك مـردا جمــيلا ، اللـهم اجـعلنا إخـوانا متـحابيــن فيـك ، اللهم احفظ علينا ديننا وامنن علينا بالأمن والأمان والاستقرار، يارب العالمين ، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وصالح أعمالنا اللهم أكرمنا في هذه العشر وأسعدنا بالفوز في ليلة القدر واجعلنا من عتقاءك في هذا الشهر الكريم من النار يا أرحم الراحمين ، اللهم اغفر لمن أسسوا هذا المسجد المبارك ، ولمن أنفق وينفق عليه ، ولمن صلى وعمل فيه يارب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلمينا ولأصحاب الحقوق علينا ، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون