جديد المدونة

الأطفال في المساجد



الأطفال في المساجد

الحمد لله جعل المساجد بيوتا للعبادة ، فقال سبحانه وتعالى { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} الجـن:18 . أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، القائل صلَّى الله عليه وسلم « مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ ». صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين ، وسلَّم تسليما كثيرا . أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، والخوف منه وخشيته ، { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } النور:52 .

معاشر المسلمين : من المعلوم لدينا جميعا ، عِظَمُ منزلة المساجد ومكانَتِها عند الله عز وجل ، وأن الله فضل المساجد ، ورغب في بنائها وعمارتها ، حساً ومعنا ، يقول سبحانه وتعالى { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } التوبة:18.

عباد الله: كنَّا قد تحدثنا في الجمعة الماضية ، عن عدم التزام بعض المصلين ، بمسألة النظافة والتطهر والتطيب ، عند الحضور للمساجد ، ونرجوا من الله تعالى ، أن تكون قد لاقت آذانا صاغية وقلوبا واعية .

ونتحدث اليوم إخوة الإيمان: عن مخالفةٍ أخرى ، يقوم بها بعض المصلين ، وهي إحضار الأطفال غَيْرُ المُمَيِزِينَ للمساجد ، ممن هم دون سن السابعة بكثير، لازالوا صغارا لا يعرفون حرمة المسجد ولا قدسيته ، وقد أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام بأن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع سنين . فقال عليه الصلاة والسلام : « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ » رواه أبو داود. وعند البيهقي أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :« عَلِّمُوا صِبْيَانَكُمُ الصَّلاَةَ فِي سَبْعِ سِنِينَ ، وَأَدِّبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ .. ».

معاشر الآباء: إنَّ إحضار أطفالنا للمساجد ، ممن بلغوا سن السابعة وما بعدها ، يترتب عليه تحقيق الكثير من الأهداف الدِّينية ، والرُّوحية والتَّربوية والاجتماعية وغيرها ، فاهتمامنا باصطحاب الأطفال إلى المساجد ، يُنَمِي لديهم الحرص على أداء الصلاة في جماعة، كما أنها تغرس فيهم حب بيوت الله ، وإعمارها بالذكر والصلاة ؛ وهذا هدفٌ روحيٍ في غايةِ الأهميةِ لكل شخصٍ مسلم .

كما أن المساجد، هي ملتقىً اجتماعي يقصده كُلُّ مسلم، على اختلاف جنسه وفكره، ومستواه الاجتماعي والمادي ، فالجدير بنا ، أن نضع أطفالنا وسط هذا العالم المنفتح ، ليستمدوا منه خبراتهم وتجاربهم ، التي تشكل شخصياتهم وتنميها، وهذا هدفٌ اجتماعي تربوي هام .

كما أن الملاحظةَ أيها الآباء : هي خيرُ وسيلةٍ للتعليم ، وهي نقطة البداية التي يتبعها التجريب، ومن هنا فملاحظة الطفل للكبار عند أداءِ صلاتَهم ، يكون سببًا في سُرْعَةِ تَعَلُّمِهِ لكيفية أداء الصلاة ، مستوفيةً أركانها وهيئتها ، ولو حاولنا حصر الأهداف المترتبة على مشاركة الأطفال للكبار في دخول المساجد ، لطال بنا المقام ولما تمكنا من الإلمام بها.

فبالحكمة يا أولياء الأمور .. بالحكمة نُعَلِّمُ أبناءنا قدسية المساجد ، فإن جواز دخول صبياننا إليها ، لا يعني ذلك السَّماح لهم باللهو والعبث واللغو فيها ، وتحويلها إلى مكانٍ يعجُّ بالصياح والضوضاء، وشغلها بالضَّحك والكلام ، بدلاً من الذكر والقرآن .

وحتى نتغلب على انتهاك حرمات بيوت الله ، مما يتسبب فيه غالبًا صبياننا الصغار، فإن ذلك لا يتحقق إلا إذا أحطناهم علمًا بقدسية ذلك المكان ، والهدف الذي من أجله قد وضع في الأرض، والاختلاف الذي بينه وبين غيره من أماكن اللهو والعبث ، الَّتِي يُمْنَحُ الْفَرْدُ فيها مُطْلَقَ الحرية والانطلاق ،، ومن هنا يدخل أطفالنا المساجد ، وقد تهيأوا نفسيًا وفكريًا ، بما يساعدهم على تقبل أي سهم من سهام الانتقاد الموجهة إلى تصرفاتهم المخلةِ بآداب المساجد ؛ لاستدراك خطأهم عند استرجاع ما انطوت عليه عقولهم من مخزون ، قد احتفظوا به من توجيهات والديهم ، قبل دخولهم المساجد . وبذلك يتبين لنا أهمية التهيئة وآثارها الإيجابية ،على استقرار الجو الداخلي لبيوت الله ، ويليها عملية التوجيه المستمر، ذلك التوجيه المبني على أسسٍ علمية مدروسة ، فلا يكون عن طريق الزَّجْرِ والتَّوبيخ ، والتَّعْنِيفِ الْمُحَطِّمِ لشخصية الطِّفل؛ بل على النقيض من ذلك ، فينبغي أن يكون التوجيه والإرشاد بأسلوبٍ هادئ محبب إلى نفس الصغير، بعطفٍ دون ضعف، وحزمٍ دون عنف ، فهناك فرق بين أن يقلع الطفل عن لعبه ولهوه خوفًا من العقاب ، وبين أن يفعل ذلك ، احترامًا لقدسية المكان واستجابةً لوالديه . فما دام المقصود هو هدوء الجو، فيمكن تحقيق ذلك بأساليب متفهمة ، وليس بغيرها من الأساليب ، التي تؤثر على نفسية الطفل وشخصيته، وَتُحْدِثُ بها جُرحًا لا يندمل ؛ فيكرهُ ذلك الطفل الشخص الذي انتهره وعنَّفه في المسجد ، بل وتجعله يكره الذَّهاب إلى المساجد ، هروبًا مما يُقْلِقُهُ وَيُزْعِجُهُ وَيَشُلَّ نَشَاطَهُ وحركته . يجب أن نضع نُصْبَ أعيينا دائماً أنَّ « خير الأمور أوسطها » فلا نعنفهم بشدة ، ولا نتركهم هملا يفعلون ما يشاؤون ، فلا نحرم أطفالنا من دخول المساجد، ولا ننتهك حرماتها . وهذا الكلام ينطبق على الأطفال المميزين ، الذين يتعاون البيت والمدرسة ، في تربيتهم وتعليمهم وتوجيههم وإرشادهم ، أما من هم دون سن السابعة بكثير ، فهؤلاء يصعب السيطرة عليهم ، لصغر سنهم ، فترتفع أصواتهم بالشِّجار، والصُّراخ والضَّرب ، والجري بين الصفوف ، واللَّعب بالمصاحف ، وبعض الآباء سامحهم الله ، يكون جالسا وينظر لابنه يفعل ذلك ولا يمنعه ، وهذا من التشويش على المصلين ، والأب بذلك يكون آثما ، لأن ابنه أزعج المصلين وضايقهم ، وشوش عليهم في صلاتهم ، فلا تهملوا أبناءكم أيها الآباء ، وتتركونهم يحدثون الفوضى والضجيج داخل المسجد ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثَلاَثًا - وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ ». والهيشة هي الخصومات والمنازعات واللغط ورفع الأصوات . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ، أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ ، لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة114 . ألا فلنتق الله عباد الله- ولنحفظ للمساجد حُرمَتها، ولنحذر من كلِّ عملِ فيه انتهاكٌ لحُرمَةِ بيوتِ الله ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيانتها ، ولحفظ حرمتها ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيرا كما أمر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، سيد البشر ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله السَّادة الغرر ، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى الأثر ، أما بعد فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أنَّه يجب على كل مسلم يحب الله عزّ وجل، ويرجو عفوه ومغفرته ، أن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وأن يعظم حرماته وشعائره ، وأن يحافظ على المساجد من العبث فيها، أو أذيَّة المسلمين الراكعين الساجدين فيها ، سواء برفع الأصوات من الكبار أو الصغار ، أو بالروائح الكريهة المزعجة .. فالله الله باحترامها وتعظيمها، وعدم أذية المسلمين العمار لها. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التأدب بآداب الإسلام ، وأن يرزقنا اتباع سيد الأنام ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعنا معهم بجودك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنَّا سيئها ، لا يصرف عنَّا سيئها إلا أنت . اللهم اهد نفوسنا ، وأصلح نياتنا ، وطهر قلوبنا ، واشرح صدورنا ، ونوِّر أبصارنا ، وأزل الغلَّ والحقد والشحناء والبغضاء من صدورنا ، اللهم اجعلنا متراحمين ، عاملين مصلحين آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر ، اللهم أصلح من وليتهم المسئوليات في بلادنا وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه يارب العالمين ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ أسسوا وساهموا في بناء هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِم وبارك في ذرياتهم ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ ولَوْ كَانَ كمفْحَصِ قطاةٍ يارب العالمين ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، والله حسبنا ونعم الوكيل ،، عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، ويغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين ، ويرحم الله عبداً قال آآآميييين ..

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون