إيذاء المصلين في المساجد
إيذاء المصلين في المساجد
الحمد لله ربِّ العالمين ، جعل في الصَّلاة راحةً للمؤمنين ، وضاعف أجرها في المساجد للمصلِّين ، فقال سبحانه وهو أصدق القائلين { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } البقرة43. أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيَّدنا ونبيَّنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، القائل صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ عُمَّارَ بُيُوتِ اللَّهِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » رواه البيهقي . صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليماً كثيراً . أما بعد ، فأوصيكم عبادَ الله ونفسي بتقوى الله عزّ وجل ، فاتقوا الله ربكم ، وَتَرْجِمُوا التَّقوى إلى سلوكٍ عمليٍ في أمور حياتكم ، وواقعٍ تطبيقي في كل أحوالكم ، وحققوا الأخوة والاحترام والتقدير فيما بينكم
معاشر المسلمين : لكي تبقى العلاقاتُ بين الناسِ متماسكةً مترابطةً ، لا بُدَّ لهم من احترام بعضهم البعض ، واجتناب أي نوع من أنواع الأذى فيما بينهم ، خاصةً في المساجد ، لأن لها مكانةً رفيعة ، وقدُسيَّةً وطهارة ، يصلي فيها المصلون ، ويتعبد فيها المتعبدون ، ويتعلم فيها المتعلمون . وقد حرص الإسلام على احترام الإنسان ، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك أَتَمِّ بيان ، فالمساجد من أشرف الأماكن التي يجب صيانتها عن كل ما يؤذي النَّاس ، فقد كان المسلمون يدخلون المساجد ومع أحدهم الرِّماح أو النِّبال ، فَعَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا - أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ - أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَىْءٌ » رواه البخاري . وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ « أَنَّ رَجُلاً مَرَّ بِأَسْهُمٍ فِي الْمَسْجِدِ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا كَيْ لاَ يَخْدِشَ مُسْلِمًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وكم يحدث اليوم إخوة الإيمان : في بعض مساجدنا من أنواعٍ كثيرة ومتعددة من الأذى ، يصعب علينا أن نُجْمِلَهَا في خطبةٍ واحدة .. نذكر منها : إيذاء المصلين بالروائح الكريهة ، فبعضُ المصلين ، يأتي المسجد وقد أكل ثُوما أو بَصَلا أو كراثاً ، وما شابهها من الروائح ، كأصحابِ السَّجاير، ورائحةُ الجوارب ، والعمال الذين تنبعث منهم روائح كريهة نتيجةَ العرق ، حتى أنه من يُصلي بجانب هؤلاء ، يَضِيقُ نَفَسُهُ من هذه الرائحة ، فلا يستطيع التنفسَ من شدَّتِها ، فيفقدُ بذلك خشوعه واطمئنانه في الصَّلاة ، وينتظرُ بشغفٍ متى تنتهي الصلاة لكي يبتعد عن صاحب هذه الرائحة الكريهة ، أعزَّكم الله وأكرمكم ، والله عزَّ وجلَّ يقول { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
فعليك أيها المسلم ، يامن ابتليت بهذه الروائح أو بواحدةٍ منها ، أن تراعي شعور المصلين بجانبك ، فلا تؤذيهم وتفسدُ عليهم صلاتهم ، فبدل أن تؤجر بصلاتك في المسجد ، تكون قد وقعت في الإثم والعياذ بالله ،، اسمع معي أيها المسلم ، استمع لهذا الحديث ، الذي رواه الإمام مسلمٌ في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال « إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا ». كل ذلك منعاً للرائحة الكريهة ، التي يتأذى منها الحاضرون من الملائكة ، ومن المصلين ؛ في صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا - أَوْ قَالَ - فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ » . وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ - وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ».
وقد جاء الترغيب في التَّطَيُّبِ والتَّزَيُّنِ إخوة الإسلام : عند المجيء إلى المساجد، حتى يُؤَدِّي المسلم العبادة في جوٍ هادئٍ نظيف ، ذي رائحةٍ طيبة ، يقول سبحانه وتعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }الأعراف31 . أي كونوا عند أداءِ كل صلاة ، على حالةٍ من الزِّينة المشروعة ، من ثيابٍ ساترةٍ لعوراتكم ، ونظافةٍ وطهارةٍ لأجسادكم ولمحلِّ سجودكم ، في صحيح البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ، وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ » . وفي صحيح البخاري أيضا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى ».. فالاهتمام بالنظافة وبالمظهر واللباس ، بالنسبة للمصلين ، يدل على حرصهم على اصطحاب زينتهم للمسجد ، وخاصة إذا كانت طبيعة عمل الإنسان ، تكسبه بعض الروائح الكريهة، كالذين يعملون في ورش السيارات ، أو في الحدادة ، أو كعمالٍ للنظافة وغير ذلك ، فالإسلام رغب في أن يكون ثوب صلاة المسلم مع الجماعة ، غير ثوب عمله ، حرصا على تمام النظافة وحسن المظهر واللقاء ، وَسُنَّ للمقتدر أن يكون له ثوب عمل ، وثوب صلاةٍ ليوم الجمعة، يلبس النظيف منهما، في سنن ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ « مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ ». وفي سنن البيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :« إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ مَنْ تُزِيَّنَ لَهُ .. ». نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده التّوابين ، و أن يجعلنا من عباده المتطهرين ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه ، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فلنتق الله عباد الله ، ولنحفظ لبيوت الله حرمتها ونلتزم بآدابها ، من حيث النظافة والتَّطَهُّر والتَّطَيُب عند الإتيان إليها ، فهذه عبادةٌ لها أجرها، وهي نور للمؤمن في الدنيا والآخرة . في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ ، إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً ، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ». نسأل الله تعالى أن يعفو عنا ، وأن يغفر لنا ، وأن يوفقنا لأداء فرائضه ، واجتناب نواهيه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
عباد الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . وعنا معهم بكرمك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ، اللَّهُمَّ احْفَظْنا واحفظ بلدنا ليبيا ، من الشر والأشرار ، وكيد الفجار ، ومن شر طوارق الليل والنهار ، ومِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَمْنِنْ علينا وعلى بالأَمْنَ وَالأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ المسلمين يارب العالمين .
ليست هناك تعليقات