أعطوا الطريق حقه
أعطوا الطريق حقَّه
الحمد
لله الولي الحميد ، كتب الإحسان على كل شيء ، وحرم أذية الخلق بلا حق، أحمده على نعمه
وآلائه ، وأشكره على عطائه وإحسانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، أثنى الله تعالى عليه في الأولين والآخرين ، وأعلى
ذكره في العالمين، وخاطبه سبحانه بقوله { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم:4
، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين . أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ عباد الله وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً
لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن16
.
معاشر المسلمين :
مَا مِن سُلُوكٍ في حَيَاةِ النَّاسِ يَرَونَهُ ذَوقًا أَو مُرُوءَةً أَو حَضَارَةً
، أَو يَعُدُّونَهُ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالارتِقَاءِ وَالانضِبَاطِ ، إِلاَّ وَهُوَ
في الغَالِبِ دِينٌ يُتَعَبَّدُ بِهِ اللهُ ، وَيُحتَسَبُ عِندَهُ عَلَيهِ الأَجرُ
وَيُبتَغَى بِهِ الثَّوَابُ .
وَإِنَّ
كثيرًا مِن هَذِهِ القَوَانِينِ المُنَظِّمَةِ لِحَيَاةِ النَّاسِ ، وَالَّتي يَظهَرُ
لهم حُسنُهَا ، وَيَشعُرُونَ بِضَرُورَتِهَا، لِتَسِيرَ حَيَاتُهُم في انتِظَامٍ وَيُسرٍ
، مِمَّا يَبْذُلُ المَسؤُولُونَ في سَنِّهَا الأَوقَاتَ وَالأَموَالَ ، إِنَّهَا لا
تُسَاوِي شَيئًا إِذَا وُضِعَت بِجَنبِ مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ
مِن أَحكَامٍ وَآدَابٍ وَسُنَنٍ ، تَنتَظِمُ بها حَيَاةُ النَّاسِ في مَعَاشِهِم وَمَعَادِهِم
، مِمَّا لَو أَخَذُوا بِهِ وَطَبَّقُوهُ كَمَا يَجِبُ وَيَنبَغِي ، لَعَاشُوا في سَعَادَةٍ
وَسُرُورٍ وهَنَاءَةٍ ، وَلَوَجَدُوا في نُفُوسِهِم لَذَّةً وَنَعِيمًا وَرَاحَةً
.
أَلا
وَإِنَّ مِنَ الحُقُوقِ والآدَابِ أيها الإخوة : الَّتي أَولاهَا الإِسلامُ عِنَايَةً
وَأَحَاطَهَا بِالرِّعَايَةِ ، مَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ لِبَعضِهِم في طُرُقَاتِهِم
وَأَسوَاقِهِم ، مِمَّا أَهمَلَهُ كَثِيرٌ مِنهُمُ اليَومَ صِغَارًا وَكِبَارًا ، وَفَرَّطُوا
فِيهِ وَتَجَاهَلُوهُ شَبَابًا وَشِيبًا .
وَلِنَاظِرٍ
أَن يَرْصُدَ بِإِنصَافٍ ، مَا يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ مِن أَخطَاءٍ وَتَجَاوُزَاتٍ
، في شَوَارِعِهِم وَأَسوَاقِهِم ، لِيَرَى كَم هُم بَعِيدُونَ عَنِ هَديِ الإِسلامِ
وَآدَابِهِ ، مُفَرِّطُونَ في الحُقُوقِ ، خَارِجُونَ عَنِ الذَّوقِ وَالمَرُوءَةِ
، يَتَّضِحُ ذَلِكَ بِجَلاءٍ ، حِينَ تَزدَحِمُ الشَّوَارِعُ وَيَتَضَايَقُ النَّاسُ
في الأَسوَاقِ ، فَيَظهَرُ حِينَئِذٍ جَهلُ بَعضِهِم عَلَى بَعضٍ ، وَتَقصِيرُ كَثِيرِينَ
مِنهُم فِيمَا يَجِبُ عَلَيهِم تِجَاهَ إِخوَانِهِم ، وَاتِّصَافُهُم بِالأَنَانية
وَشُحِّ النُّفُوسِ ، وَقِلَّةِ الصَّبرِ وَضِيقِ الصدرِ ، وَالمَحَبَّةِ الزَّائِدَةِ
للنفس وَلَو عَلَى حِسَابِ الإِضرَارِ بِالآخَرِينَ ، وَالتَّعَدِّي عَلَيهِم ، في
سنن بن ماجة عَنْ عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ
رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى أَنْ « لاَ ضَرَرَ
وَلاَ ضِرَارَ ».
إِخوَةَ الإِسلامِ:
وفي سنن الترمذي عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- « تَبَسُّمُكَ فِى وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِى أَرْضِ الضَّلاَلِ
لَكَ صَدَقَةٌ ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِىءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ
الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ
مِنْ دَلْوِكَ فِى دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ». فإزالة ما يؤذي الناس عملٌ جليل،
رُتِّبَ عليه أجر عظيم ، ولو كان شيئا يسيرا في طريق الناس ، أو أماكن اجتماعهم ، فكل
ذلك من الصدقات .
وأيقنوا
-عباد الله- أن رجلا دخل الجنة ، في غصن نحاه عن طريق الناس ؛ لتعلموا خطر أذيَّة الناس،
وفضل إزالة ما يؤذيهم ، ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: « مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ على ظَهْرِ طَرِيقٍ فقال:
والله لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
».
عباد الله :
ورغم هذه الأجور العظيمة ، والعطايا الجزيلة في إزالة الأذى عن الطرقات ، إلا أن
بعض الناس يقومون بإغلاقٍ لبعض الشوارع ، مما يعرقل حركة السير داخلها ، ويتسبب في
الأذى والضيق للمارِّين عليها ،، وإن كان أحد من المجرمين القتلة والمفسدين في
الأرض ، وغيرهم من الأشرار ، قد أساءوا استخدام هذه الطرقات ، وأعتدوا بالقتل أو
بالإفساد أو بالتخريب أو بالإزعاج لساكني هذه الشوارع ، فلا يعني ذلك أن نغلقها ،
ونمنع السيارات من عبورها ، ولو أنَّ كلَّ شارعٍ وقعت فيه مشكلة أغلق ، لأغلقت
الشوارع كلها ، فليس كل الناس مفسدون ومخربون ، وهم بالتالي لا يتحملون وزرهم ،
يقول سبحانه وتعالى { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى }الأنعام164
إِنَّ
الطُّرُقَ ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ يَجِبُ أَن تُفْسَحَ لما هُيِّئَت لَهُ ، مِنَ التَّنَقُّلِ
وَالمُرُورِ ، فربما احتاج الأمر نقل مريض في حالة مستعجلة ، أو لا قدر الله نشب
حريق واستدعى الأمر دخول سيارات الإطفاء ، أو غيرها من الحالات المستعجلة أو
العادية ، وَلذلك فإن أَيَّ إغلاقٍ لها َإِنَّمَا هُوَ ظُلمٌ لِلنَّاسِ وَاعتِدَاءٌ
عَلَى حُقُوقِهِم وَهَضمٌ لَهُم وَإِيذَاءٌ ،
وَإِذَا
كَانَت إِعَانَةُ الرَّجُلِ ، بِحَمْلِهِ عَلَى دَابَّتِهِ ، أَو رَفعِ مَتَاعِهِ صَدَقَةً
، وَفِيهَا أَجرٌ، وَعَلَيهَا ثَوَابٌ ، فَإِنَّ إِعَاقَتَهُ عَن بُلُوغِ حَاجَتِهِ
بِإِغلاقِ الطَّرِيقِ عَلَيهِ ، ذَنبٌ وَسَيِّئَةٌ وَوِزرٌ وَعِقَابٌ ، أَلا فلنتقِ
الله عباد الله ، وَلْنَفْعَلْ كلَّ ما نُحْمَدُ عَليه ، وَنُؤْجَرُ بِهِ ، وَلْنَحْدَرْ
كُلَّ مَا يَكُونُ سَبَبًا في لَعنِ النَّاسِ لَنا ، أَو دُعَائِهِم عَلَينَا ، في
صحيح مسلم ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ « اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ ». قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ « الَّذِى يَتَخَلَّى فِى طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِى ظِلِّهِمْ ». وفي
الطبراني عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ رضي الله عنه ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : « مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ
عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ ». أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ { وَالَّذِينَ
يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا
وَإِثمًا مُبِينًا } الأحزاب 57.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبما فيها من الآيات والذكر الحكيم ، أقول
قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه
، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين . أما بعد: فَلنتَّق اللهَ عباد الله حَقَّ تُقَاتِهِ
، وَلنسَارِعَ إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ .
إخوة الإيمان :
الحَيَاءُ شُعبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ، وَأَنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَالإِيمَانِ ، أَن يَكُفَّ
المَرءُ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، وَيُمِيطَ عَنِ الطَّرِيقِ أَذَاهُ ، في صحيح مسلم
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
« الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ
شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ».
فيا أيها المسلم :
أن تأتي يوم القيامة سالما من التعدي عل الناس ، كافا لسانك ويدك عن أذاهم فافعل ، لتكون من الناجين يوم القيامة ، فالكيِّس
من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني
. عباد الله : لنكثر في هذا اليوم المبارك على من أُمِرْنَا من ربنا بالصلاة
والسلام عليه بقوله جل وعلا { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم
صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين وعن التابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين
. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل
الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين ، الله اجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً
أمنا وأمانا ، وسائر بلدان المسلمين ، اللهم
آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها . اللهم أصلح ذات
بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبيل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور . اللهم
بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا. اللهم وأصلح لنا شأننا كله
ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم اغفر لنا ولولدينا ولمشايخنا ولمن علمنا ، ولأصحاب
الحقوق علينا ، ولمن ساهم ويساهم في صيانة هذا المسجد ، سواء بالمال أو بالعمل ، ولمن
يقومون على خدمته ، اللهم اجعل ما قدموه في موازين حسناتهم ، وفي صحائف أعمالهم ، وبارك
لهم في ذرياتهم وأموالهم يارب العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء
منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
ليست هناك تعليقات