انتبهوا لأبنائكم
انتبهوا لأبنائكم
الحمد
لله رب العالمين ، جعل صلاح الأولاد قرة عين للوالدين بالحياة وبعد الممات
، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الأولاد والبنات ، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، بديع الأرض والسماوات ، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمداً عبده ورسوله حث على تربية الأولاد بكرم الأخلاق وجميل الصفات ، صلى
الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المناقب والكرامات ، وسلم
تسليماً كثيراً ، أما بعد : فأُوصيكُمْ عباد الله ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ
وعَلاَ امتثالاً لقَوْلِهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم:6.
معاشر المسلمين :
لقد تفضل الله على عباده بنعم لا تحصى ، ومنن لا تستقصى ، فكل نعمة يراها
العبد على نفسه هبة من الله ، قال تعالى : {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ
فَمِنَ اللّهِ }النحل53
. واعلموا أن هناك نعماً خص الله بها فئة من الناس وحرمها فئة أخرى ،
ابتلاءً منه سبحانه ، وتمحيصاً لعباده ، ليميز الخبيث من الطيب ، قال تعالى
: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ
يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }الشورى 49 . 50
، فمن أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد ، ولا سيما
الولد الصالح ، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها ، فكم من الناس من
مُنع نعمة الأبوة والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ، بكل ما
أوتي من جهد ومال للحصول على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله تعالى فوق
الطاقات والأموال المهدرات ، لأنه سبحانه عليم قدير ، يختبر العباد ، ويمتن
على الإنسان ، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
أيها الآباء :
أولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، وفلذات أكبادنا ، وأحشاء أفئدتنا ،
وزينة حياتنا ، قال تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا }الكهف46
، الأولاد قرة الأعين ، وبهجة الحياة ، وأنس العيش ، بهم يحلو العمر ،
وعليهم تعلق الآمال ، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق ، وتنزل الرحمة ، ويضاعف
الأجر ،، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ
انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »
أخرجه مسلم . وقد أحسن من قال :
إنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمض
عباد الله : جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى الآباء بقوله : « وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا » أخرجه مسلم
. فاحذروا أيها الآباء من التفريط في تربية الأبناء ، أو التخلي عن
المسؤولية تجاههم ، فهذا هو الغدر ، وتلكم هي الخيانة ، وذلكم هو الغش
الموصل إلى النار ، أخرج البخاري من حديث مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه
قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «
مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا
بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ». فارعوا أيها
الآباء أبناءكم وراقبوا تصرفاتهم ، وأدوا الأماناتة فيهم ، وانصحوا
لأولادكم إذا أخطئوا ، وداوموا في نصحهم ولا تملوا، فالملاحظ أن بعض
الأبناء ، يتسربون من مدارسهم ، ليتسكعوا في الطرقات ، ويترصدون للعمالة
الأجنبية، بين الأزقة والمنعطفات ، فيسلبونهم أموالهم وأجهزتهم النقالة
بالقوة والإكراه ، والآباء في غفلة عن أبنائهم ، مهملين ومقصرين في
متابعتهم ومراقبتهم ، فالحذر الحذر يا أولياء الأمور ، فإمّا أن يكون
أبناءكم هم وحساناتهم في موازين حسناتكم يوم القيامة ، وإما أن يكونوا هم
وسيئاتهم في موازين سيئاتكم يوم القيامة ، فانتبهوا لئلا تكونوا ممن خان
الأمانة ، والله تعالى يقول {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ
وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُواْ
أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ
أَجْرٌ عَظِيمٌ }الأنفال27 . 28
. وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا
، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «
أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،
فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا
وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى
مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » متفق عليه
. فكيف سيتخرج من أبنائنا ، أطباء ومهندسين ، ورجال أمن ، ومعلمين ومربين ،
وغيرها من التخصصات التي يحتاجها المجتمع ، إذا لم نحسن تربيتهم وتوجيههم
منذ الصغر ، فالبلاد لا تبنى إلا بيد أبنائها المخلصين ، وقد أحسن من قال :
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر
كيما تَقَرَّ بهـم عينـاك في الكِبـَرِ
فإنمـا مَثَـل الآداب تـجمعها
في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا
قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74
. نسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا من الانحراف والفساد ، وأن يهديهم سبيل
الهدى والرشاد ، وأن يعيننا على تربيتهم ليكونوا صالحين مصلحين للبلاد
والعباد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
الجليل لي ولكم من كل ذنب ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا
إليه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله حبيب رب العالمين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد :
فيا معاشر الآباء : إن المسئولية عن أبنائنا كبيرة والأمانة عظيمة ، إذ كيف ينام الأب قرير العين ، وأبناؤه
خارج منزله ، ليلا ونهارا ولا يسأل عنهم ولا يراقبهم ولا يتابعهم ، ولا من
هم رفقاؤهم ، فأي تربية تلك ؟ أليس هذا من الإهمال والتقصير في حق أبوته ،
ومن التفريط والظلم في أمانته ، فلا بد لنا من رعاية أبنائنا وتوجيهم
ونصحهم وإرشادهم ، حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم ، وَلَبِنَةَ
بِنَاءٍ لدينهم ولبلادهم ولإمتهم ، فاتقوا الله معشر العباد ، واحفظوا وصية
الله لكم في الأولاد ، وتذكروا موقفكم يوم المعاد : {يَوْمَ لَا يُغْنِي
مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ } الدخان41
. فإننا مسئولون عن انحراف أبنائنا ، ومحاسبون عن تربيتهم أمام ربنا ، فما
علينا إلا العمل والتطبيق ، ونسأل الله الإعانة والتوفيق ، هذا صلوا
وسلموا على النبي المختار ، سيد الأبرار ، صادق الأخبار ، فقد أمرنا بذلك
الواحد القهار ، بقوله سبحانه : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وزد وبارك على
سيدنا محمد ، وعلى وآله الأطهار، وصحابته الأخيار ، وعنا معهم بجودك وكرمك
يا عزيز ياغفار ، اللهم اهدنا
لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا
سيئها إلا أنت ، اللهم أعنا ووفقنا على تربية وتوجيه أبنائنا وبناتنا ،
اللهم وفقهم للأخلاق الفاضلة الكريمة ، وافتح عليهم يا ربنا بالعلوم
النافعة ، واجعلهم جميعا صالحين مصلحين ، يعملون من أجل رضاك ، ويقدمون
الخدمة النافعة والأقوال السديدة الصالحة لوطنهم ومجتمعهم ، اللهم احفظنا
جميعا من شر الأشرار ومن كيد الفجار ، ومن طوارق الليل والنهار ، إلا طارق
يطرق بخير يارب العالمين ، اللهم احفظه أبنائنا من المخدرات والمسكرات ،
وسوء الأخلاق ، يا أرحم الراحمين ويارب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولولدينا
ولمشايخنا ولمن علمنا ، ولأصحاب الحقوق علينا ، ولمن ساهم في تأثيث هذا
المسجد ، سواء بالمال أو بالعمل ، ولمن يقومون على خدمته ، ولمن أعان في
تنظيمه وتنظيفه ، وتنظيف الساحة المحيطة به وتشجيرها ، اللهم اجعل ماقدموه
من مال وأعمال في موازين حسناتهم وفي صحائف أعمالهم ، وبارك لهم في صحتهم
وفي أبنائهم وأموالهم ، وارزقنا وإياهم الفردوس الأعلى يارب العالمين ،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً
لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ..عباد الله : إن
الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على
عموم نعمه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
ليست هناك تعليقات