جديد المدونة

الإعلام وأثره على الناس


الإعلام وأثره على الناس

الحمدُ لِلهِ الرحيمِ الرحمانِ ، علَّمَ القرآنَ، خلَقَ الإِنسانَ، علَّمَهُ البيانَ، أَحْمَدُ رَبِّي حَمْداً كثيراً طيبِّاً مُبارَكاً فيهِ يملأُ الميزانَ ، وأَشهدُ أَنْ لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له ، وأَشهدُ أَنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه القائل عليه الصلاة والسلام « مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ »[1] . صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارك عليهِ وعلَى آلهِ وأَصْحابِهِ أجمعين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد ،، فأوصي نفسي وإياكم إخوة الإيمان  بتقوى الله القائل سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[2].

معاشر المسلمين : إنَّ المسلم في هذه الدنيا ، له مواقفه وله شخصيته المستقلة وعقله المميز ، ودينه الذي بيَّنَ له طريق الخير فلا يحيد عنه ، وحذره من طريق الشر فيبتعد عنه ، فالمسلم لا يكون إمعة إن أحسن الناس يحسن وإن ظلموا يظلم ، فقد نهانا نبينا محمدٌ عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، بقوله « لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا »[3].

عباد الله : إن الإعلام ، وحديثُنا اليوم عن الإعلام ،  الذي لا يشك أحد ، أن له اليوم دور كبير في حياتنا ومستقبلنا ، ومواقفنا وتوجُّهَاتنا ، فوسائله كثيرة متعددة ، قنواتٌ فضائية ، وشبكات للمعلومات ، وصحفٌ ومجلات وكتب ، وغيرها كثير ؛ وأغلب هذه الوسائل ، لا تتقيد بحدودٍ فيما تَنْشُر، بل هي تتسابق وتتصارع على نشرِ الجديد ، وبثِّ الاحداث في وقتها , والكثير من الناس لا يُمَيِّزُ فيما يُنْشَر ويعلن , فهو يَقْبَلُ كُلَّ ما تراه عينه ، أوتسمعه اذنه ، على أنَّه صدقٌ لا مرية فيه , وهذا ناتجٌ عن ضعفٍ في البصيرة ، وتسرُّعٍ في التَّقَبُل, وربنا سبحانه وتعالى يحذرنا من ذلك فيقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[4] .

وهذا الامر يحثُّنَا– أيها الاخوة – الى أن نقف مع أنفسنا وقفة صدق ، مع ما يُنشرُ في بعض وسائل الاعلام ، فإن حقيقة ما يمارسه الاعلام تخفَى على الكثير , وهي أن الاعلامَ ، إلاَّ ما رحم الله ، يسعى غالباً لإشعال فتيل الفتنة بأي وسيلةٍ كانت , كما أنه يسعى من وراء ذلك لتحقيق أهدافه ، بغض النظر عن المفاسد والمصالح المترتبة على النشر ، والمتعلقة فيمن هم خارج دائرة الاعلام , ولذلك فإنَّه يكثر في بعضها الكذب والدجل وتحليل المواقف ، وإظهارها على أنها حق وصدق وبشفافية ، وينخدع بذلك كمٌّ كثير من الناس , فمتى ما أراد الإعلام تجييش الناس على جهة معينة، نقل من الحدث ما يخدم ويحقق هدفه دون غيره ، وشوَّهَ ما سوى ذلك . شعاره وهدفه { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }[5] .

فيا من تتصدَّرون الإعلام بكل وسائله ، عليكم أن تتقوا الله فيما تبثونه من أخبار عبر هذه الوسائل ، نزهوا ألسنتكم وكتاباتِكُم ، عن كل قول يثير الفتنة ، ويؤجج المشاعر، ويثير النعرات بين الناس ، فبشطر كلمةٍ تدخل الجنة ، وبشطر كلمةٍ قد تدخل النار جاء ذلك في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ »[6]. فيا رجال الإعلام ، ويامن تكتبون عبر صفحات التواصل الاجتماعي ، كونوا ناصحين للجميع بكتاباتكم وبكلامكم ، الذي يجمع ولا يفرق ، يبنى ولا يهدم ، يدعوا للخير والصلاح والتفاؤل ، ولا يدعو للفتنة والهدم والتشاؤم ، وأن يكون هدفكم الإصلاح لا الإفساد ، وأن تضعوا نصب أعينكم قول الله تعالى { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }[7] .

أيها الاخوة : الكلام عن الاعلام ، كلام ذو شجون يجر بعضه البعض ولا ينتهي , ما يهمنا من ذلك أن يعلم المسلم أنه لا يجوز نقلُ كل شيء , كما أنه ليس كل ما ينقل حقا صحيحا , فكثيرٌ من الناس في بلادنا اليوم ، أصبح الإعلام يسيرهم كيفما شاء ، ويحركهم حيث أراد ، فما إن يسمع الخبر ، حتى يبني عليه مواقف وأفعال ، ويتعامل معه وكأنه صحيح لا يقبل الشك ، وربنا سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتعقَّل ونتثبت ونتريث ، ونسأل أهل المعرفة والعلم ، حتى نتبين الحقيقة ، واسمعوا لقول ربنا سبحانه { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ، لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }[8] . وفي سنن الترمذي أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ ». فما أحوجنا إخوة الإيمان : ونحن في وَسَطِ هذا الكمِّ الهائل من وسائل الإعلام ، أن نُشَغِّل عقولنا لنميز بها بين مَنْ يَنْشُرِ الخير والصدق والفضيلة ، وبين من يَنْشُرِ الفتن والإشاعات ، والتي يجب الحذر منها ، خاصةً وقت الفتن ، الذى يزداد فيه الكلام السيئ ، المثير للعصبية والجهوية ، والمحرض على الاندفاع ، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ، وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }[9] . نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيننا على دفعها قبل حصولها، ورفعها أثناء حصولها، والجزاء التام  بعد حصولها، إنه كريم رحيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهدية ، واستن بسنته ، واقتفى أثره إلى يوم الدين . أما بعد : فيا عباد الله : علينا أن نعلم أنه ليس من المعقول أن نقول للناس ، لا تسمعوا ولا تشاهدوا ولا تقرءوا ولا تكتبوا ولا تتكلموا ، ولكن علينا أن نستمع ونشاهد ونقرأ ونكتب ونتكلم ، وعقولنا وقلوبنا حاضرة ، لا نردد كل ما يقال ، بل نعمل على التريث والتثبت والتؤدة ، وتحرى الحق والصدق ، فيما نسمع وفيما نقول ، وأن نقدم مصلحة الوطن على الجميع ، ليأمن ويستقر ، وإن ما حدث من فتنة في الأسبوع الفائت في عاصمتنا طرابلس ، كان فيه للإعلام صولته وجولته فحدث ماحدث ، من إزهاق للأروح  وترويع للآمنين ، وفتنة وفساد عظيم ، فلنحذر إخوة الإيمان من قولٍ بلا تدبر ، وفعل بغير تعقل ، في صحيح مسلم عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». وقد سأل عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا نَجَاةُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ له « يَا عُقْبَةُ احْرُسْ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ». نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوب أنفسنا، وأن يعيننا على إصلاحها بما يرضيه عنا . ألا فلنتق الله عباد الله ولنكثر من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، فقد أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه بقوله { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[10]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. اللهم أصلح قلوبنا ونياتنا ، وبارك في أعمالنا وأعمارنا وأرزاقنا ، وارزقنا الحفظ لألستنا ، واجعل الصدق والصواب في منطقنا ، والقول الحق والسديد في إصلاح أمورنا ، اللهم احفظ بلادنا وأعن ولاة أمورنا  ووفقهم لما تحبه وترضاه ، وأعنهم ببطانة صالحة تخافك وتخشاك ، ووفقنا جميعا إلى ما فيه جمع البلاد على الخير والصلاح  يارب العالمين ، اللهم احفظ شبابنا من مخاطر الفتن والمخدرات والمسكرات وردهم إليك ردا جميلا وارزقهم تقواك ولا تكلهم لأحدٍ سواك واجعلهم في رضاك ، اللهمَّ اعصمنا من شر الفتن ، وعافنا في الدارين من جميع المحن ، وأصلح أعمالنا ما ظهر منها وما بطن ، وألحقنا بالصالحين ، اللهم اغفر المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات ، برحمتك يا أرحم الراحمين .عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ..


[1] - رواه البخاري .
[2] - الأحزاب الآية 70 . 71 .
[3] - رواه الترمذي
[4] - الحجرات الآية 6 .
[5] - غافر29.
[6] - رواه البخاري .
[7] - هود88 .
[8] - النساء83 .
[9] - التوبة47 .
[10] - الأحزاب56 .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون