الاستقامة وجزاؤها
الاستقامة وجزاؤها
الحمد
لله مُعِزِّ من تاب إليه واتقاه، وَمُذِلِّ من خالف أمره وعصاه ، أمرنا بالاستقامة
على شرعه لننال محبته ورضاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن
سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه ، طوبى لمن آب إلى سنته ووالاه ، وويل لمن
أعرض عن شرعه وعاداه ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين استقاموا فنالوا
محبته ورضاه ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه . أما بعد : فيأَيُّهَا المُسْلِمُونَ
: يقول ربنا سبحانه وتعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}فصلت30
ورَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَولاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ
أَحَدًا غَيرَكَ، قالَ :«
قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ »
عباد الله :
إن أعظم ما يجب على العبد المسلم ، أن يهتم به في هذه الحياة ، هو الاستقامة على أمر
الله ، ولزوم صراطه المستقيم ، وعدم الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال.
والاستقامةُ
هي: الثَّبات على دين الله ، بالمحافظة على أوامره ، والبعد عن نواهيه جل وعلا، وأن
ينظر العبد دائما إلى اليوم الآخر، طامِعاً في ثواب الله تبارك وتعالى ، وخائفا من
عقابه ، ويعلمَ أنَّ أمامه جنَّةً ونارًا، وحسابًا وعقابًا، فيستقيمَ على طاعة الله
إلى أن يلقى الله سبحانه وتعالى .
والاستقامةُ
تقوم على أساسين ، فلا استقامة إلا بهما، استقامة القلب، واستقامة اللسان، وتأملوا
هذا رحمكم الله ، في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي
الله عنه ، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ
عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ ، حَتَّى يَسْتَقِيمَ
لِسَانُهُ ..». فهاذان أساسان للاستقامة لا بد منهما: استقامة القلب، واستقامة اللسان.
فأما
استقامة القلب: فالمراد بها تخليته وتحليته، تخليته وتطهيره من الرذائل، ومن الشرك
والإلحاد، والرياء والسمعة والنفاق ، والسُّخط والحسد والبغضاء ، وتحليته وملؤه بالفضائل،
بالإيمان والأمل والإخلاص والصدق، ومقامات اليقين: خوف ورجا وشكر وصبر وتوبة وزهد وتوكل
ورضا ومحبة.
وإذا
استقام القلب على هذه الحال ، تبعته الجوارح كلُّها في الاستقامة ، كما جاء في
صحيح البخاري عَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَال ، سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «.. أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً
، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ ، فَسَدَ الْجَسَدُ
كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » . فوجب على كلِّ مسلم ، أن يعتنى بقلبه إصلاحًا
وتنْقِيَةً له ، واجتهادا في تزكيته وتطهيره .
وإذا
أراد المسلم أن يعرف قبره ، فليستفت قلبه ، فقلبك هو دليل على نوعية قبرك ؛ فلو كان
قلبك صالحا ، لكان قبرك صالحا، ولو كان قلبك متنورا بالطاعة ، لكان قبرك متنورا بالثواب،
ولو كان قلبك مظلما بالمعاصي ، لكان قبرك مظلما بالعقاب، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى ، إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ
خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ }الأنفال70 .
وأمَّا
استقامة اللسان ، فتكون بصيانته وحفظه عن كُلِّ أمرٍ يسخط الله ، وَشَغْلِهِ بكُلِّ
قولٍ سديد ، امتثالاً لقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }الأحزاب70
. فإذا استقام اللِّسان ، تَبِعَتْهُ الجوارح في الاستقامة ، ولهذا جاء في سنن
الترمذي ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله
عليه وسلم قَالَ « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ
اللِّسَانَ ، فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ
اسْتَقَمْنَا ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ».
أيّها المسلمون :
نعود إلى الآيات التي بدأنا بها خُطْبَتَنَا وهي قوله سبحانه { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا
مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ
رَّحِيمٍ } فصلت 30، 31 ، 32
فهذه الآيات، تدعونا جميعا، إلى أن نلتزم الطّريق المستقيم، ملازمةً دائمة .
لنتحصل على الأجر العظيم ، فمن التزم الطّريق المستقيم ملازمةً دائمة: لهم يوم القيامة
ثمانية أشياء: تتنزل عليهم الملائكة بالبشارات ؛ تُثَبِّتُهُم { أَلَّا تَخَافُوا}.
تطمئنهم { وَلَا تَحْزَنُوا }. تُفْرِحُهُم
{ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }. تُصَارِحُهُمْ { نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }. تكشف لهم النّعم {
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ }. تبين لهم النعيم { وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ } تُعَرِّفُهُمْ فضل الله تعالى عليهم { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }.. يقول العلماء:
إنَّ هذه البشارات من الملائكة تكون في أحرج الأوقات وأصعب الأزمات . وهي : ساعة سكرات
الموت، ساعة خروج الروح وفي القبر، ويوم الحشر.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فَاسْتَقِيمُوا
إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } فصلت6
. نسأل تعالى أن يجعلنا من المستقيمين ، وأن يرزقنا هذه البشارات في الدنيا وفي
الآخرة إنه سميع قريب مجيب الدعاء . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده
ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من
اهتدى بهدية ، واستن بسنته ، واقتفى أثره إلى يوم الدين . أما بعد : فيا إخوة
الإيمان: يقول الله تبارك وتعالى { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الأحقاف13.
عباد الله:
لو استقام كل واحد منا، وطبق ما أراده الله منه ، وتجنب ما نهاه الله عنه ، ولو استقامت
الأسرة ، ولو استقام المسؤولون ، ولو استقامت الأمة ، لانعدمت الرذائل والفواحش في
مجتمعنا. ولسادت الفضائل والمكارم ، والقوة والعزة ، في أفراد هذه الأمة العظيمة ،،
ألا فلنتق الله عباد الله ، ولنحقق هذه الاستقامة في قلوبنا وألسنتنا ، وفي مظهرنا
ومخبرنا ، وفي عباداتنا ومعاملاتنا وسلوكنا، يقول سبحانه { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود112
. هذا ولنكثر في هذا اليوم المبارك من الصلاة والسلام على رسول الله , استجابة
لأمر ربنا بقوله جلَّ في علاه { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56
, اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وارض اللهم عن آله وأصحابه أجمعين ، وعن
التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين
. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشِّرك والمشركين، ودمر أعداء الدين ، اللهم
احفظ بلادنا ليبيا واحفظ أهلها من كل سوء ومكروه ، وانشر الأمن والأمان في كافة
ربوعها يارب العالمين ، اللهم انا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل،
ونعوذ بك من الجبن والبخل ، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إنا نسألك باسمك
المبارك الأحب إليك، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت،
أن تغفر لنا وترحمنا، وان تحفظ أسرنا وأحبتنا، وان تبارك له في أرزاقنا وأعمالنا وذرياتنا،
وديننا ودنيانا، وأن تسعد قلوبنا، وأن تفرج كروبنا، وتكشف همومنا وغمومنا، وتيسر أمورنا،
وأن تهدي أولادنا، وأن ترحم موتانا، وتغفر ذنوبنا، وتطهر نفوسنا، وأن توفقنا جميعا
لما تحبه وترضاه يارب العالمين ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين واغفر
لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك
سميع قريب مجيب الدعوات .. عباد الله ،،: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون..
ليست هناك تعليقات