جديد المدونة

الهجرة النبوية دروس وعبر وعظات


الهجرة النبوية دروس وعبر وعظات
الحمد لله ذي الفضل والإحسان ، شرع لعباده هجرة القلوب وهجرة الأبدان ، وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مرِّ الزمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الحليم الكريم المنان ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، القائل عليه الصلاة والسلام « لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا » رواه أبو دود. صلى الله وسلم وبارك عليه،  وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، ولزوم ذكره وحسن عبادته ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ، وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35.
 معاشر المسلمين : عام هجري جديد أطلَّ علينا، نسأل الله تعالى أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى .. ومع بداية العام ، نقف لنستذكر بعض الدروس والعبر من الهجرة النبوية ، وهي كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها كلها ، ولكننا نأخذ منها بقدر المستطاع ، ما يعيننا على إصلاح واقعنا الذي نعيش فيه ، فمن هذه الدروس: التضحية وبذل الغالي والنفيس، واقتحام المخاطر والمهالك ، خدمة لهذا الدين ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مكة وهي أحب البقاع إليه، وهي مولده ومرابع صباه ، ومحضن شبابه وقوته، هاجر منها في سبيل الله ولنشر دين الله ، كان يقول وهي تغيب عن ناظريه ، ويوليها ظهره متوجهاً إلى المدينة: « مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَىَّ ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِى أَخْرَجُونِى مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ ». رواه الترمذي .
وصورة أخرى من صور التضحية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وما ضحى للإسلام أحَـدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ضحى أبوبكر رضي الله عنه ، فها هو يخرج مهاجراً بكل ماله ، ويوظف أهله في خدمة الدين ، فيُنِيطُ بابنته أسماء نقلُ الطعام ، وبولده عبداللهِ نقل الأخبار، كل ذلك نـُصرةً للإسلام. وانظر إليه ، وهو يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ ، حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : « يَا أَبَا بَكْرٍ ،  مَالِكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيَّ وَسَاعَةً خَلْفِي ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَذْكُرُ الطَّلَبَ ، فَأَمْشِي خَلْفَكَ ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ دُونِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا كَانَتْ لِتَكُنْ مِنْ مُلِمَّةٍ ، إِلا أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي دُونَكَ » ثم يصلان إلى الغار، فيستوقف الصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستبرئ الغار، فإن يكن فيه شيء يكن في أبي بكر، وما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار، حتى استبرأه أبوبكر..
فأين نحن اليوم من هذه التضحية ، وهذا الفداء لديننا ، فهكذا يجب على أبناء الأمة ، أن يضحوا بأنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ويبذلوا كل ذلك رخيصاً فداءً للدين وإعلاءً لكلمةِ الله تقدست أسماؤه.
وأما الدرس الثاني: الثقة بالله عز وجل ، والتوكل عليه سبحانه حقَّ التوكل ، مع الأخذ بالأسباب ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيد المتوكلين ، وأعظمُ الخلق ثقة برب العالمين ، يتجلى ذلك أعظم ما يتجلى في حادثة الهجرة ، فحينما طارده المشركون ، ووصلوا من خلال تتبع آثاره إلى باب الغار - غار ثور - حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق أصواتهم ، فأشفق الصديقُ وأقبل عليه الهم والخوف وَالْحُزْن ، وقال: «يا رسول الله ، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لأبصرنا»، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الواثق بنصر ربه: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا». الله أكبر.. الله أكبر ما أعظمها من كلمة ، تمتلئ ثقة بوعد الله ، تنطلق من الفم الطاهر، فَتَبْعَثُ في نفس الصديق الدفء والراحة والطمأنينة.. ومع كل تلك الثقة والتوكل على الله تبارك وتعالى، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع الأسباب التي شرعها الله تعالى ، ولا تنافي بين الأمرين . لقد كان أكمل الناس توكلا ، وأكمل الناس أخذاً بالأسباب .. والأمة الإسلامية الآن - وللأسف الشديد - تفتقد كلا الأمرين ، تفتقد الثقة الكاملة بنصر الله القاهر الناصر، وتفتقد الأخذ بالأسباب التي تحقق ذلك، وإن يوجد أحدهما في مسلم ، لا تكادُ تجد الآخر معه ، فمتى تتحقق هذه المعية في قلوبنا ، معية الله عز وجل التي لا تقهر، لا تحزن إن الله معنا .
 وإذَا الْعِنَايَةُ لا حظتكَ عُيُونها
                       نَمْ فالمخاوفُ كُلُّهُنَّ أمان
فاستمسك بحبل الله مُعتصمًا
                  فإنَّه الرُّكن إن خانتك أرْكان
فهل دخلت هذه المعية إخوة الإيمان قلوبنا وبيوتنا ، وفي مجتمعنا وفي بلادنا ، فلا طمأنينة ولا سكينة ولا راحة إلا في معية الله عز وجل ، فمع هذه المعية يذهب الخوف والحزن والقلق والهم ، ويتحقق الأمن والسكينة في النفوس ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ، وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40 اللهم أحفظنا بحفظك ورعايتك وكن لنا معينا ومؤيدا وناصراً وكافيا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، جعل المسلمين أخوةً متحابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحقُ المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، سلَّم تسليماً كثيراً . أما بعد فيا إخوة الإيمان ، وأما الدرس الثالث من دروس الهجرة النبوية المطهرة : هي أهمية وحدة المسلمين ، وضرورة اجتماع صفِّهم وتوحيد كلمتهم ،  حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في أول ما بدأ حين وصل المدينة ، بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، لقناعته بأهمية اتحادهم في انتصار الدين. ولقد برزت أخوة الإسلام وآثار الإيمان بين المهاجرين والأنصار عقيدة وسلوكا، أخوةً تسامت فوقها كل الأغراض والأهداف ، وكانت برهاناً صادقاً على العقيدة الصافية الخالصة ، حتى قال الله عنهم  { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 . وبدون رباط العقيدة لا يتم تآخٍ ولا تأتلف قلوب ، وَطَلَبُ ذلك من غير هذا الطريق وَهمٌ وسَرابٌ .. إن المسلمين ما هانوا أفراداً وأمماً ، إلا حين ضعفت أواصر الأخوة بينهم ، وتنكر بعضهم لبعض ، بل لعله أن يُنتقص أحدهم أمام أخيه فلا ينتصر له ، فنسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا وأحوال  المسلمين جميعا ، وأن يرفع الضر والشدة عنا وعن جميع المسلمين ، وأن يجمعنا ويوحد كلمتنا وينصرنا على جميع أعدائنا. والله ولي من استعان به سبحانه واعتصم بدينه . عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاةً وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين ، اللهم بارك لنا في يومنا هذا وشهرنا هذا وعامنا هذا ، واجعله عام خيرٍ وهدى وتقوى وإصلاح ، اللهم غلبنا فيه على هوى النفس والشيطان ، واجعله عاما مباركا على بلادنا وبلدان المسلمين ، اللهم اجعل فيه العزة والنصر للإسلام والمسلمين ، في كل مكان يا قوي يا جبار يا متين ، ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولكافة المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، برحمتك يا أرحم الراحمين . عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .



الحمد لله ذي الفضل والإحسان ، شرع لعباده هجرة القلوب وهجرة الأبدان ، وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مرِّ الزمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الحليم الكريم المنان ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، القائل عليه الصلاة والسلام « لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا » رواه أبو دود. صلى الله وسلم وبارك عليه،  وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، ولزوم ذكره وحسن عبادته ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ، وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35.

 معاشر المسلمين : عام هجري جديد أطلَّ علينا، نسأل الله تعالى أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى .. ومع بداية العام ، نقف لنستذكر بعض الدروس والعبر من الهجرة النبوية ، وهي كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها كلها ، ولكننا نأخذ منها بقدر المستطاع ، ما يعيننا على إصلاح واقعنا الذي نعيش فيه ، فمن هذه الدروس: التضحية وبذل الغالي والنفيس، واقتحام المخاطر والمهالك ، خدمة لهذا الدين ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مكة وهي أحب البقاع إليه، وهي مولده ومرابع صباه ، ومحضن شبابه وقوته، هاجر منها في سبيل الله ولنشر دين الله ، كان يقول وهي تغيب عن ناظريه ، ويوليها ظهره متوجهاً إلى المدينة: « مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَىَّ ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِى أَخْرَجُونِى مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ ». رواه الترمذي .

وصورة أخرى من صور التضحية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وما ضحى للإسلام أحَـدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ضحى أبوبكر رضي الله عنه ، فها هو يخرج مهاجراً بكل ماله ، ويوظف أهله في خدمة الدين ، فيُنِيطُ بابنته أسماء نقلُ الطعام ، وبولده عبداللهِ نقل الأخبار، كل ذلك نـُصرةً للإسلام. وانظر إليه ، وهو يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ ، حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : « يَا أَبَا بَكْرٍ ،  مَالِكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيَّ وَسَاعَةً خَلْفِي ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَذْكُرُ الطَّلَبَ ، فَأَمْشِي خَلْفَكَ ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ دُونِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا كَانَتْ لِتَكُنْ مِنْ مُلِمَّةٍ ، إِلا أَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي دُونَكَ » ثم يصلان إلى الغار، فيستوقف الصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستبرئ الغار، فإن يكن فيه شيء يكن في أبي بكر، وما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار، حتى استبرأه أبوبكر..

فأين نحن اليوم من هذه التضحية ، وهذا الفداء لديننا ، فهكذا يجب على أبناء الأمة ، أن يضحوا بأنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ويبذلوا كل ذلك رخيصاً فداءً للدين وإعلاءً لكلمةِ الله تقدست أسماؤه.

وأما الدرس الثاني: الثقة بالله عز وجل ، والتوكل عليه سبحانه حقَّ التوكل ، مع الأخذ بالأسباب ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيد المتوكلين ، وأعظمُ الخلق ثقة برب العالمين ، يتجلى ذلك أعظم ما يتجلى في حادثة الهجرة ، فحينما طارده المشركون ، ووصلوا من خلال تتبع آثاره إلى باب الغار - غار ثور - حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق أصواتهم ، فأشفق الصديقُ وأقبل عليه الهم والخوف وَالْحُزْن ، وقال: «يا رسول الله ، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لأبصرنا»، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الواثق بنصر ربه: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين ، الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا». الله أكبر.. الله أكبر ما أعظمها من كلمة ، تمتلئ ثقة بوعد الله ، تنطلق من الفم الطاهر، فَتَبْعَثُ في نفس الصديق الدفء والراحة والطمأنينة.. ومع كل تلك الثقة والتوكل على الله تبارك وتعالى، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع الأسباب التي شرعها الله تعالى ، ولا تنافي بين الأمرين . لقد كان أكمل الناس توكلا ، وأكمل الناس أخذاً بالأسباب .. والأمة الإسلامية الآن - وللأسف الشديد - تفتقد كلا الأمرين ، تفتقد الثقة الكاملة بنصر الله القاهر الناصر، وتفتقد الأخذ بالأسباب التي تحقق ذلك، وإن يوجد أحدهما في مسلم ، لا تكادُ تجد الآخر معه ، فمتى تتحقق هذه المعية في قلوبنا ، معية الله عز وجل التي لا تقهر، لا تحزن إن الله معنا .

 وإذَا الْعِنَايَةُ لا حظتكَ عُيُونها

                       نَمْ فالمخاوفُ كُلُّهُنَّ أمان

فاستمسك بحبل الله مُعتصمًا

                  فإنَّه الرُّكن إن خانتك أرْكان

فهل دخلت هذه المعية إخوة الإيمان قلوبنا وبيوتنا ، وفي مجتمعنا وفي بلادنا ، فلا طمأنينة ولا سكينة ولا راحة إلا في معية الله عز وجل ، فمع هذه المعية يذهب الخوف والحزن والقلق والهم ، ويتحقق الأمن والسكينة في النفوس ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ، وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40 اللهم أحفظنا بحفظك ورعايتك وكن لنا معينا ومؤيدا وناصراً وكافيا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، جعل المسلمين أخوةً متحابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحقُ المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، سلَّم تسليماً كثيراً . أما بعد فيا إخوة الإيمان ، وأما الدرس الثالث من دروس الهجرة النبوية المطهرة : هي أهمية وحدة المسلمين ، وضرورة اجتماع صفِّهم وتوحيد كلمتهم ،  حيث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في أول ما بدأ حين وصل المدينة ، بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، لقناعته بأهمية اتحادهم في انتصار الدين. ولقد برزت أخوة الإسلام وآثار الإيمان بين المهاجرين والأنصار عقيدة وسلوكا، أخوةً تسامت فوقها كل الأغراض والأهداف ، وكانت برهاناً صادقاً على العقيدة الصافية الخالصة ، حتى قال الله عنهم  { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 . وبدون رباط العقيدة لا يتم تآخٍ ولا تأتلف قلوب ، وَطَلَبُ ذلك من غير هذا الطريق وَهمٌ وسَرابٌ .. إن المسلمين ما هانوا أفراداً وأمماً ، إلا حين ضعفت أواصر الأخوة بينهم ، وتنكر بعضهم لبعض ، بل لعله أن يُنتقص أحدهم أمام أخيه فلا ينتصر له ، فنسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا وأحوال  المسلمين جميعا ، وأن يرفع الضر والشدة عنا وعن جميع المسلمين ، وأن يجمعنا ويوحد كلمتنا وينصرنا على جميع أعدائنا. والله ولي من استعان به سبحانه واعتصم بدينه . عباد الله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاةً وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين ، اللهم بارك لنا في يومنا هذا وشهرنا هذا وعامنا هذا ، واجعله عام خيرٍ وهدى وتقوى وإصلاح ، اللهم غلبنا فيه على هوى النفس والشيطان ، واجعله عاما مباركا على بلادنا وبلدان المسلمين ، اللهم اجعل فيه العزة والنصر للإسلام والمسلمين ، في كل مكان يا قوي يا جبار يا متين ، ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، واغفر لنا ولوالدينا ولكافة المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، برحمتك يا أرحم الراحمين . عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

هناك تعليق واحد:

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون