نهاية العام 1434 هجرية
نهاية العام 1434
هجرية
الْحَمْدُ
للهِ يُدَاوِلُ الأَيَّامَ، وَيُصَرِّفُ الأَعْوَامَ، جَعَلَ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ عِبَرًا، وَفِي تَعَاقُبِ الشُّهُورِ عِظَةً وَمُدَّكَرًا، أَحْمَدُهُ
سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْـلٌ مِنَ الحَمْدِ وَالشُّكْرِ ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ المُؤْمِنِينَ بِالحُسنَى وَالمَزِيدِ،
يُعْطِي بِقَدْرِ الهِمَّةِ وَيَزِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
أَتَى الإِنْسَانِيَّةَ بِالشَّرْعِ الأَكْمَلِ، وَقَادَ البَشَرِيَّةَ نَحْوَ الأَفْضَلِ،
صلى عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
. أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فإنها خير الزاد وأعظم الوسائل
لرضا رب العباد، وتطهير القلوب من الفساد، وبها النجاة يوم التناد، والفوز يوم المعاد..
عباد الله :
إنَّ في مرور الليالي والأيام ، وتعاقب الدهور والأعوام ، العبرة بانقضاء الآجال وتغير
الأحوال ، فهذا يومٌ قد ذهب وانقضى ، وهذا شهرٌ قد تصرم وانتهى ، وهذا عامٌ قد طويت
صحائفه ومضى ، وهكذا تتغير الأحوال ، وتنقضي الآجال، والكلُّ منا في غفلةٍ وتسويفٍ
وأمالٍ متشعبة ، وانهماكٍ في الشهوات ، وتلهفٍ على مافات ، وأفكارٌ تدور على جمع الحطام
، ونفوسٌ تتلوث بالذنوب والآثام ، إلى متى ونحن في سكرة الدنيا ، وحتى متى ونحن في
حظيرة اللهو والهوى ، متى تستيقظُ ضمائِرُنا ، وتَتَنَوَرُ بصائِرُنا ، ونجعلَ هَمَّنا
ما أمامنا من القدوم على الله ، والسؤال عن الصغير والكبير، والجليل والحقير، لقد زجرنا
القرآنُ بمواعظه وآياته ، وصروفِ الدَّهر بنوازِله وتقلباته ، ولكننا بثياب الغفلة
متلحفون ، وعمَّا يراد بنا غافلون { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ}الأنبياء:1-2.
ها
نحن يا عباد الله ، نقف في نهاية العام ، لنسائل أنفسنا ، كيف انقضت ساعاتهُ وأيامُه
وشهوره ، ماذا قدمنا فيها من طاعةٍ وخير ومعروف وإحسان ، هل زاد قربنا فيها من
الله عز وجل ، هل أكثرنا فيها من الذكر والصلاة والصيام والقيام ، هل كنا فيها
قريبين من بعضنا البعض متواصلين متراحمين ، هل حققنا التكافل الاجتماعي فيما بيننا
، وبما يخدم بلدنا ووطننا ؟ وهل اجتمعت آراؤنا واتفقت قلوبنا وعقولنا في وضع حلول
لما يعترض بلادنا من أزمات وفتن ؟ وهل اتحدنا وتماسكنا ، وكنا يدا واحدة ، في وجه
العابثين والمفسدين والمخربين المحاربين لله ورسوله ؟ وهل وقفنا جميعا ووضعنا حدا لوقف
الاعتداءات المتكررة على إزهاق الأرواح واغتصاب الممتلكات وانتهاك الحرمات ؟ هل
حققنا أمر الله سبحانه وتعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ
عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }المائدة2
. فهل حققنا نحن المؤمنون فيما بيننا هذا التعاون ، على فِعْل الخير, وتقوى الله ,
وعدم التعاون على ما فيه إثمٌ ومعصية وتجاوزٌ لحدود الله , وكنا حذرين من مخالفة أمره جل وعلا ، لأنه سبحانه
شديد العقاب . وهل حققنا أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بأن نكون متضامنين قلبا
وقالبا ، متآخين مجتمعين على الخير ، فيما يعود بالنفع علينا وعلى مجتمعاتنا
وبلادنا ، هذا الأمر جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضى الله عنه أَنَّ
النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمُؤْمِنُ
لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
، عليه الصلاة والسلام .
إخوة الإيمان :
إن هذه التساؤلات ، يجب أن يسألها كل واحد منا لنفسه ، ونحن نقترب من نهاية العام ،
فهذه المظالم والاعتداءات على الأرواح والممتلكات ، وانتهاك الحرمات دون وجه حق ، لا
يرضاها المسلم ولا يقبلها مطلقا في كلِّ الأوقات ، فكيف بمن يفعلها في الأشهر
الحرم ، التي عظمها الله تعالى وإنَّ مِنْ تعظيمِها أنْ نهانا عَنِ انتهاكِ حُرمَتِها,
وإخفارِ ذِمَّتِها, قالَ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ
شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ } المائدة:2
.
عباد الله :
لقد كانت العرب في جاهليتها ، مع ما كانوا عليه من الضلال والكفر ، يعظمونها ويحرِّمون
القتال فيها، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه ، لم يهيجه ذلك على اختراق حرمتها، ولكننا
في هذا الزمان العجيب ، الذي اصبح فيه المسلم يحمل لقب الاسلام في بطاقته ، ولكنه في
الحقيقة بعيد عن تعاليمه، ينتهك حرمة الاشهر الحرم ، التي نهانا الله فيها عن الظلم
، فقال جل في علاه { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً
، فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }التوبة36
إخوة الإيمان :
هذا هو واقعنا اليوم ، فمن اين يأتي الأمن ، اذا لم نتحد لدحر الباطل ، ومن أين يأتي
الاستقرار، اذا لم نأخذ على ايدي المفسدين ، ومن اين يأتي الازدهار والتقدم لهذا الوطن
، إذا لم نتعاون في بناءه ، فالاتحاد قوة ، والتفرق ضعف ، فعلينا ان نشد ايدينا ببعضنا،
وننبذ التنازع والأحقاد من صدورنا ، قال الله تعالى{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَا تَنَازَعُوا ، فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ }46الانفال
ويقول جل وعلا{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 105
ال عمران
فَلنتَّقِ اللهَ عِبادَ اللهِ ، وَلنحْسِنَ التَّخْطِيطَ لأَنْفُسِنَا وَلِأُسَرِنَا،
وَلْنَفْتَحَ آفَاقَ فِكْرِنَا لِنَهْضَةِ أُمَّـتِنَا، وَرِفْعَةِ وَطَنِنَا، حَتَّى
يَعْـلَمَ اللهُ مِنَّا الجِدَّ وَالاجتِهَادَ؛ فَيَهَبَنَا الخَيْرَ وَالرَّشَادَ
. نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وإيماننا ، وأن يبعد عنا وعن بلادنا
، ظلم الظالمين ، وشر الأشرار وكيد الفجار ، وشر طوارق الليل والنهار ، إنه ولي
ذلك والقادر عليه ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
لله الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ
حَمْدًا كَثِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى الله وسلم وبارك عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ.. فيا عباد
الله ، علينا أن نستقبل عامنا بتقوى الله جل وعلا ، فإن فيها النجاةَ من المخاوف ،
وفيها السعادة الأبدية، وعلينا كذلك أن نجدد العزم ونحن نستقبل العام الجديد بالتوبة إلى الله ، والندم
على ما فات ، وأن نبادر بالأعمال الصالحة ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِنْبَرِهِ يَقُولُ
:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا
، وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَصِلُوا الَّذِى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِى السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ
تُؤْجَرُوا وَتُحْمَدُوا وَتُرْزَقُوا .. ». نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على ذكره
وشكره وحسن عبادته ، وأن يجمعنا في جنته ودار كرامته إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء .
عباد
الله : فلنكثر في هذا اليوم المبارك ، من الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى والنبيُّ
المجتبى ، استجابة لأمر ربنا جل وعلا إذ يقول {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
}الأحزاب56. اللهم صل وسلم
وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء ، والأئمة الحنفاء أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعنا معهم بمنّك وكرمك ، ورحمتك يا أرحم
الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء
الدين ، اللهم واجعل اشراقة هذا العام الهجري الجديد ، اشراقة خير وهناء ، وتقدمٍ ورخاء
لبلادنا ولبلدان المسلمين ، اللهم وفق جهود المصلحين في بلادنا من أجل المصالحة الوطنية
، وألن القلوب ، ووسع الصدور وأزل الأحقاد ، يا خير من سئل ، وأكرم مَنْ أَعْطَى ،
اللهم وفقنا للتوبة والإنابة ، وافتح لأدعيتنا أبواب الإجابة ، يامن إذا سأله المضطر
أجابه ، اللهم أنت المدعوُّ بكل لسان ، والمقصود في كل آن ، أنت القائل ادعوني أستجب
لكم ، فها نحن متوجهون إليك فلا تردنا ، واستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم أذقنا برد عفوك
، وحلاوة مغفرتك ، ونزِّه قلوبنا عن التعلُّق بمن دونك ، واجعلنا من قوم تحبُّهم ويحبُّونَك
، وأعطنا مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، اللهمَّ اعصمنا من شر
الفتن ، وعافنا في الدارين من جميع المحن ، وأصلح أعمالنا ما ظهر منها وما بطن ، وألحقنا
بالصالحين ، وارحم كافة المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات
، برحمتك يا أرحم الراحمين . عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم
واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، سبحان ربك
رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ..
ليست هناك تعليقات