جديد المدونة

أول جمعة من رمضان


أول جمعة من رمضان
الحمد لله الذي فضل أوقات رمضان على غيره من الأزمان ، وأنزل فيه القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ، أحمده سبحانه وأشكره ، جعل للصائمين بابا خاصا يدخلون منه للجنة وهو باب الريَّان ، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له الملك الواحد الديان ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، الذي  كان يخص رمضان بما لم يخص به غيره ، من صلاة وتلاوة وصدقة وبر وإحسان ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، الذين آثروا رضا الله على شهوات نفوسهم ، فخرجوا من الدنيا مأجورين ، وعلى سعيهم مشكورين ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين  . اما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته،  واغتنام شهر التقوى بتحصيل أعلى درجاتها ، ونيل أسمى مراتبها ، فإنها خَيْرُ زَادٍ وَأَرْجَى ذُخٍرٍ، قال تعالى : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197 .
عباد الله : إن بلوغَ هذا الشهرِ نِعْمَةٌ عُظْمَى، وَإِدْرَاكُهُ مِنَّةٌ كُبرى ، تستوجب الشكر، وتقتضي اغتنام هذه الفرصة ، بما يكون سبباً للفوز بدار القرار، والنَّجاة من النَّار، فينبغي علينا أن نستقبل هذا الشهر العظيم ، بالفرح والسرورِ وَالْغِبْطَةِ ، وشكر الرَّبِ الغفور ، الذي وفقنا لبلوغ شهر رمضان ، وجعلنا من الأحياء الصائمين القائمين ، الذين يتنافسون فيه بصالح الأعمال ، فاللهمَّ كما بلغتنا أَوَّلَهُ ، فاللهمَّ بَلِّغْنَا تمامه ، وأعنَّا  فيه على الصيام والقيام ، وَتَدَّبُرِ القرآن ، اللهم طهِّر به قلوبنا، وزكِّي به أفعالنا ، واجعلنا فيه من أهل العبادة ، وَهَبْ لنا فيه التقوى وزيادة ، فلنتزود يا عباد الله بالتقوى ،، فكم فِي الْمَقَابِرِ مِنْ أُنَاسٍ ، صاموا معنا رمضان في أعوام ماضية ، وهم الآن تحت الثرى رُهَنَاءِ الأعمال ، اللهم ارحم أحبابنا وإخوانا لنا صاروا تحت التراب ، كانوا يودون لو صاموا رمضان معنا ، فوافاهم الأجل ، اللهم اكتب لهم الأجر ، وارفع درجتهم يارب العالمين ، واحمدوا الله يا عباد الله ، أن أمهلكم لتدركوا هذا الموسم العظيم ، فابداؤه بالتوبة النصوح ، والنية الصادقة على استغلاله ، واغتنامه بالأعمال الصالحة ، ففي هذا الشهر تضاعف الأعمال : في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه  قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ . ».
معاشر المسلمين: لقد شرع الله العبادة لصالحنا نحن البشر، ومن أعظمها الصيام ، فقد شرعه تربيةً لأجسامنا، وترويضاً لها على الصبر وتحمُّل الآلام ، شرعه تقويماً للأخلاق ، وتهذيباً للنفوس ، وتعويداً لها على ترك الشهوات ، ومجانبة الْمَنْهِيَّات ، شرعه ليبلونا أينا أحسن عملا ، شرعه وسيلة عظمى لتقواه ، قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183 .
فلنتق الله إخوة الإيمان ، ولنؤدِّ فريضة الصيام بإخلاص وطواعية ، ونحفظها مما يشينها ، فالصوم الحقيقي ، ليس مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والاستمتاع ، ولكنه مع ذلكم ، إمساك وكفٌ عن اللغو والرفث والصخب، والجدال في غير الحق ، وكف عن الكذب والبهتان، والهمز واللمز والأيمان الكاذبة ، إمسـاك عن السباب وعن قذف المحصنات ، إمساك وكف عما لا يَحِلُّ سَمَاعُهُ ، من لهو وغيبة وغيرهما ، إمساك عن إرسال النظر إلى ما لا يحل . فالصائم حقيقةً ، من خاف الله في عينيه ، فلم ينظر بهما نظرة محرمة ، واتقى ربه في لسانه ، فكف عن كل قول محرم ، وخشيه في أذنيه ، فلم يسمع بهما منكر ، وخشيه في يديه ، فمنعهما من سرقةٍ وغصبٍ وغشٍ وإيذاءٍ ، وخشيه في رجليه ، فلم يمش بهما إلى حرام ، وخشيه في قلبه ، فطهره من الحقد والغل والحسد والبغضاء ، في الموطأ  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ ».  قال جابر رضي الله عنه { إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ، ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار،  ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء } . فيا إخوة الإيمان ، هل طبق المسلم الصيام حقيقة ، من تعرض للناس بالأذى ، وأطلق لسانه بالشتم والسب في الأسواق والطرقات ، وغيرها من المخالفات التي تعرض حياته وحياة الناس للخطر والأذى ، هذا المخالف ليس له من صيامه إلى الجوع والعطش ،في سنن ابن ماجة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ ». فلنحذر من التفريط في هذا الشهر العظيم ، فأيامه معدودة ، وساعاته محدودة ، ولا نكن من أولئك الذين جعلوا رمضان موسما للهو والعصيان ، ولنحذر من الغفلة والإعراض عن الرحمات والنفحات الإلهية ، قال تعالى  { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } 124 -126 طه . فكم تتألم النفوس المؤمنة وتتقطع حسرة ، على ما تراه من بعض شباب المسلمين ، الذين اجتمعوا على الإجرام ، والتعدي على الأرواح والممتلكات ، واللهو والفوضى وإزعاج الناس ، وقتل الأوقات في ليالي رمضان الفاضلة وغيرها من الليالي ، كم من حرماتٍ لله تنتهك ، ومعاصي يجاهر بها في ليالي رمضان المباركة . فيا خسارة المفرطين ، ويا ندامتهم يوم وقوفهم بين يدي رب العالمين ، عند سؤاله لهم { مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ }القصص65. فلنجتهد أيها الأخوة المباركون ، في اغتنام أيام العمر ولياليه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } مريم76 .وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ،  ورزقنا نيةً صادقة وهمةً عالية وتوفيقا لاغتنام ومعرفة قيمة هذا الشهر الكريم ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ،، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى ، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسلما ، أما بعد : فاتقوا الله رحمكم الله ، اتقوا الله في ما ظهر واستتر ، وكونوا خير من صام وقام واستبشر ، وأصلحوا من أنفسكم المظهر والمخبر ، تحوزوا عظيم الأجر وأكثر . نسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا ومنكم الصيامَ والقيام، وأن يديم علينا الخيراتِ في مستقبل الأيّام، إنه جواد كريم، هذا وصلّوا وسلموا رحمكم الله، على النبيّ المجتبى، والرسول المصطفى، والحبيب المرتضى، سيّدِ الأنام، خير من صلّى وصام، وتهجّد لله وقام، كما أمرنا بذلك المولى الملك العلاّم، فقال تعالى قولاً كريمًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارك على سيدنا محمد ، وارضى اللهم عن  آله وصحبه أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشِّرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاء رخاء أمنا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق وأعن ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه ، وأصلح بهم العباد والبلاد ،  وارزقهم بطانة خير وصلاح تعينهم وترشدهم إلى كل خير يا أرحم الراحمين ، اللهم أصلح أحوالنا ، وأهد قلوبنا ، و ألف ذات بيننا، و أهدنا سبل السلام ، و أخرجنا من الظلمات إلى النور، برحمتك يا عزيز يا غفور ، اللهمَّ اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم . عباد الله :  {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 . اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم فضله ونعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ... 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون