جديد المدونة

احفظ الله يحفظك


احفظ الله يحفظك
الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدِ، ومن يضلل فلن تجد له أولياء من دونه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
معاشر المسلمين : إن الله سبحانه تعالى أمرنا بحفظ أوامره واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، ومَن حفظ الله في الدنيا حفظه الله في الدنيا والآخرة .. فكيف ينال الإنسان حفظ الله تعالى؟ لقد أجاب عن هذا السؤال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ ، لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».  هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف يحفظنا الله تعالى ، فجعل حفظ الله تعالى إيانا، نتيجة لحفظنا لله عز وجل « احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ » فما معنى حِفْظِنَا لله تعالى؟ إن معنى حِفْظِنَا لله تعالى هو: أن نحفظ حدوده وحقوقه ، وأوامره ونواهيه ، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده ، فلا نتجاوز ما أَمَرَ بِهِ وَأَذِنَ فيه إلى ما نهى عنه، فَإِذَا نحن فعلنا ذلك ، كُنَّا من المؤمنين المتقين، الذين ينالهم حِفْظُ الله ورعايته الخاصة، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }الحج38. وتلك بشارة عظمى ، يسكنُ إليها قلب المؤمن ، وهو يعيش في خضم الصراع ، بين قوى الخير والشر في هذه الحياة ، نعم، "إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض، والمعركةُ مستمرةٌ بين الخير والشر والهدى والضلال ، والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان ، منذ أن خلق الله الإنسان، والشر جامح ، والباطل مسلح، وهو يبطش غير متحرج ، ويضرب غير متورع ، ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له. فلا بد للإيمان والخير والحق ، من قوة تحميه من البطش ، وتقيه من الفتنة، وتحرسُهُ من الأشواك والسموم". ولم يشإِ الله تعالى أن يَكِلَ المؤمنين إلى قوتهم الذاتية ، فأخبرهم بأنه معهم وبأنه يدافع عنهم.
عباد الله : إن الله سبحانه وتعالى يحفظ عباده المتقين في الدنيا والآخرة ، يحفظهم - في الدنيا - في أنفسهم وأولادهم، وأهليهم، وأموالهم ، قال الله عز وجل: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } يونس: 62- 64. يقول الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسيره تعليقا على هذه الآية:  { يخبر الله تعالى أن أولياءه ، هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، فكل من كان تقيا كان لله وليا و{ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } أي فيما يستقبلونه من أهوال الآخرة { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  } على ما وراءهم في الدنيا". وقد قص علينا القرآن ، كيف حفظ الله كنز الغلامين اليتيمين ، بإقامة موسى والرجل الصالح ، للجدار الذي هو تحته وقد أراد أن ينقض، ثم ذكر أن أباهما كان صالحا، فانظر كيف حفظه الله في ذريته، قال الله عز وجل: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ، فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} الكهف: 82.
إخوة الإيمان : إن من حَفِظَ الله سبحانه وتعالى حفظه الله ، فمن حَفِظَ الله في شبابه ، حَفِظَهُ الله في كِبَرِهِ وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وقوته وعقله، كان بعض الصالحين ، ممن طال بهم العمر وحفظ الله عليهم حواسهم يقول: جوارح حفظناها في الصغر فَحَفِظَنَا الله بها في الكبر.
إخوة الإيمان: إن هنالك نماذج وأمثلة كثيرة ، في القديم والحديث ، تقص على الناس من أنباء حفظ الله للمتقين ، ما تحصل به العظة والاعتبار، وحسبنا أن نُذَكِّرَ ببعض النماذج الثابتة في الوحي، لبعض الأنبياء والصالحين، فمن تلك النماذج ، ما سجله لنا القرآن الكريم ، عن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، حين حَفِظَ الله سبحانه في القيام بدعوة الحق والتوحيد ، وتحطيم الأصنام، فلما جاءه الابتلاء وَرُمِيَّ في النار ، جاء أمر الله تعالى: { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء: 69. فماذا حصل { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} الأنبياء: 70. وذلك نبي الله موسى عليه السلام ، وقد جاهد في الله وبلّغ رسالته إلى فرعون وقومِه، وفي آخر المطاف ، وبعد أن أوحى الله إليه أن يسري بأصحابه ، واتبعهم فرعون وقومه ، ووجدوا من أمامهم البحر، ومن ورائهم فرعون؛ جاءه حفظ الله: { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ، فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} الشعراء: 60- 62. وفي ثنايا قصة موسى وفرعون ، يبرز نموذجٌ رائع ، هو مؤمن آل فرعون، فها هو يبرئ ذمته ، ويقدم ما لديه من نصائح صادقه ، ثم يقول لآل فرعون { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} غافر: 44. فكانت النتيجة: { فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} غافر: 45..
إخوة الإيمان : كم نحتاج اليوم إلى حفظ الله في أقوالنا ، وفي أفعالنا ، بل وفي كل حياتنا كلها، بأن نعمل بأوامره ونجتنب نواهيه ، ونقف عند حدوده ، فاتقوا الله عباد الله ولنعلم أن بحفظنا لله يحفظنا الله سبحانه وتعالى في أنفسنا وأهلينا وأموالنا وفي مجتمعنا وبلادنا ، نسأل الله جل وعلا ، بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ، أن يحفظ علينا وعليكم ديننا ، وأن يثبتنا على الإيمان ، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما ، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يحفظنا جميعا من الفتن كلِّها ما ظهر منها وما بطن ، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء ، وهو حسبنا ونعم الوكيل . أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله ، ثم اعلموا أن أعظم نتيجة يجنيها المؤمن ، من حفظه لأوامر الله ونواهيه ، هو أن الله سبحانه وتعالى يهديه ويوفقه ، ويحفظ له دينه من الفتن، حتى يلقى الله وهو عنه راض، يقول الله عز وجل { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69 ويقول سبحانه { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ ، لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً ، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} النساء: 66, 68 . فاتقوا الله يا عباد الله! واحفظوا حدود الله يحفظكم في الدنيا والآخرة. هذا ثم صلوا وسلموا ، على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد بن عبد الله ، كما أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة تحفظنا في ليلنا ونهارنا ونومنا ويقظتنا ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، اللهم احفظ بلادنا وبلدان المسلمين ، واحفظ علينا ديننا وأمننا وأماننا ، واهد شبابنا وشباب المسلمين إلى فيه رضاك يارب العالمين ، اللهم خلِّقهم بخلق والحياء واحترام الناس في الأقوال والأفعال والمجالس والشوارع وفي جميع شئونهم يارب العالمين ، اللهم لا تؤاخذنا بسوء أفعالنا وأقوالنا ، وأيقظنا لعيوب أنفسنا ، وانشر علينا رحمتك يارب العالمين ، اللهم اجعل الصفاء وسلامة القلب وصفاء النية والمحبة الإيمانية متجسدة فيما بيننا يارب العالمين ، اللهم احفظ بلادنا وبلدان المسلمين من كل مكروه، وأكرمنا يا مولانا بالعافية والأمن والأمان ،  اللهم أصلح وأعن ووفق من وليتهم أمور بلادنا ، إلى مافيه صلاح البلاد وسعادة العباد ، وقرب إليهم بطانة الخير وأبعد عنهم بطانة الشر يا أرحم الراحمين ، اللهم لا تفرق جمعنا هذا في هذا اليوم المبارك وهذه الساعة المباركة من يوم الجمعة إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعوات ، عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم .واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون