جديد المدونة

محبة النبي صلى الله عليه وسلم


محبة النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله حمدا كما ينبغي لجلال وجه ، وعظيم سلطانه ، أَحْمَدُهُ سبحانه وَأَشْكرُهُ ، وأتوب إليه وأستغفره ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، بعث إلينا نبيا من خيرة خلقه ، وأفضل رسله ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، طب القلوب ودوائها ، وعافية الأبدان وشفائها ، ونور الأبصار وضيائها، شرَّفه وفضَّله ، وزيَّنه وجمَّله ، واصطفاه واجتباه ، ووفقه وهداه .

اللهُ زَادَ مُحَـمَّـداً تَكْـِريـماً

                      وَحَبَاهُ فَضْلاً مِنْ لَدُنْهُ عَظِيماً

وَاخْتَارَهُ فِي الْمُرْسَلِينَ كَرِيماً

                         ذَا رَأْفَةٍ بِالْمُؤْمِنِـينَ رَحِيـماً

صَلُّوا عَلَى الْهَادِي الْمُصْطَفَى

                         فَاللهُ قَـدْ صَلَّى عَلَيْـهِ قَـدِيـماً

صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً

 اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد  ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وكلُّ مسلمٍ آمن بآيات ربه ، ففاز بقربه ، وتمتع بحبه ، وسار على دربه إلى يوم الدين .

معاشر المسلمين: إنَّ من أعظم ما يفتخر به المسلم ، إيمانه بالله سبحانه وتعالى ، ومحبته لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ « فَوَ الَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » . هذا النبي ، الذي جعله الله تعالى رحمة مهداة للبشرية كلها ، وبعثه بشيراً ونذيراً ، فهدى به من الضلالة ، وفتح به أعيننا عميا ، وقلوبا غلقا، فحل من الناس محل الروح ، وشغل منهم مكانة القلب ، وهو الذي جمع الله فيه ، أسمى صفات الكمال والجمال ، وأبلغ معاني الحسن والإحسان ، اندفع إليه الناس بالحب الصادق ، أحبَّه المؤمنون الصادقون وأطاعوه ، وآثروه على النفس والأهل والمال والولد ، فكان ذلك شاهدا صادقا على إيمانهم ، ولعله من الخير، أن نقف على بعض الشواهد ، من حياة الصحابة الكريمة ، تدلنا على صدق المحبة الحقيقية العميقة، وتبين لنا كيف تكون هذه المحبة والطاعة : في صحيح مسلم عن أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قَالَ ، لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ !! لا تكذّب سمعك أيها المسلم !! فالكلمة صحيحة ومقصودة، فهكذا قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، هل ذقت جمال هذا الحب؟ إنه حب من نوع خاص ..!! فأين نحن من هذا الحب!؟ إنه حب النبي أكثر من النفس .. وفي يوم فتح مكة ، أسلم أبو قحافة - والدُ سيِّدنا أبو بكر رضي الله عنه-وكان اسلامه متأخرا جدا ، وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به الى النَّبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ، ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم« يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن اليه » فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى اليك يا رسول الله ، وأسلم ابو قحافة ، فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له: هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك ؟ فماذا قال أبو بكر؟ قال: لِإَنِّي كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر، سبحان الله ، فرحته لفرح النبي ، أكبر من فرحته لأبيه ، أين نحن من هذا ؟ . وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم« لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم  « الآنَ يَا عُمَرُ » .

إخوة الإيمان : لن يشعر بهذه الكلمات من يقرأُها فقط ، إنها والله أحاسيس تحتاج لقلب يحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ليتلقاها كما هي، غضة طريّة. وهذا ثوبان رضي الله عنه ، خادم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد غاب عنه عليه الصلاة والسلام طوال اليوم ، وحينما جاء قال له ثوبان: أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « أَهَذَا يُبْكِيكَ ؟ » قال ثوبان: لا يا رسول الله ، ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة ، فنزل قول الله تعالى { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [69] سورة النساء . وهذا سوادٌ رضي الله عنه يوم غزوة أحد ، واقف في وسط الجيش ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش: « اسْتَوُوا، اسْتَقِيمُوا » . فينظر النبي فيرى سوادا لم ينضبط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « اسْتَوِ يَا سَوَادَ » فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: « اسْتَوِ يَا سَوَادَ »، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق فالقصاص! فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال: « اقْتَصَّ يَا سَوَاد » . فانكبَّ سوادٌ على بطن النبي يقبلها. يقول: هذا ما أردت وقال يا رسول الله : أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فما أعظم هذا الحب؟

أيها المؤمنون : هذه أمثلة سريعة ، تعلمنا الحب الحقيقي للرسول والطاعة له ، وبها يكتمل إيمان المرء ، وإن متابعة سنة النبي ، والاقتداءِ به في كل أمور حياتنا ، لهو واجب من أوجب الواجبات علينا ، وإنه لمن العقوق للرسول ، ومن الخيانة للدِّين ، أن نترك القدوة برسول الله لنقتدي بغيره ، وأن نترك أخلاقه ، لنتخلَّق بأخلاقٍ غيرها ، وأن نزعم أننا نحبه ونؤمن به ، ثم لا نطيعه فيما جاء به . في صحيح مسلم ، عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِىُّ قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِى « سَلْ ». فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِى الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَغَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ « فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ». فما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء به بالأعمال ، لا بالأقوال فقط ، فقد أكثرنا من الأقوال وتركنا الأعمال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، رفع شأن نبيه وعظمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، نسأله أن يملأ قلوبنا بمحبته وطاعته ، ومحبة وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، عرف  قدره الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أمَّا بعدُ: فيَا أيهَا المسلمونَ اتقُوا اللهَ ، واعلمُوا أنَّ محبةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النفوسِ مغروسةٌ، وطاعتُهُ فِي القلوبِ مطبوعَةٌ، وأقوالُهُ وأفعالُهُ والدعوةُ إليهَا والتأسِي بِها ، مِنْ أفضلِ الأعمالِ وأعظمِ القُرُبَاتِ، فعلينَا أنْ نغرِسَ فِي نفوسِنَا ونفوسِ أبنائِنَا ، محبتَهُ صلى الله عليه وسلم ، وذلكَ منْ خلالِ التأسِي بصفاتِهِ وأخلاقِهِ ، ودراسةِ سيرتِهِ العطرةِ المباركَةِ ، وسيرةِ أصحابِهِ رضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعينَ، الذينَ ربَّاهُمْ، فصنَعَ منهُمْ خيْرَ أُمةٍ أُخرجَتْ للناسِ ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وجميع المسلمين ، لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم . كما نسأله سبحانه حبه و حب من يحبه ، و حب كل عمل يقربنا الى حبه ، و حب نبيه محمد صلى الله عليه و سلم و حب عباده الصالحين ، اللهم انا نسألك أن تجعل حبك و حب نبيك ، أحب الينا من أنفسنا ، و أهلنا و أولادنا و أموالنا ،  و من الماء البارد على الظمأ ، اللهم إنا نسألك باسمك العظيم ، أن تحشرنا مع نبيك وحبيبك محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم ، اللهم أسقنا من نهر الكوثر، بيده الشريفة ، شربة هنيئة، لا نظمأ بعدها أبدا ، اللهم يا مجيب الدعوات  ، وياقاضي الحاجات ، وياكاشف الكربات ، منَّ على بلادنا بالأمن والأمان ، والراحة والاطمئنان ، والاستقرار والهناء ورغد العيش ، اللهم وفق وأعن من وليتهم أمور بلادنا ، إلى كل خيرٍ يرضيك ويصلح من شأن العباد والبلاد ، اللهم وارزقهم بطانة صالحة ناصحة ، تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، اللهم استجب دعائنا، وأصلح أحوالنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا وأقوالنا ، وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم ،، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 ، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه وآلائه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.   

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون