الإشاعة أخطارها وعلاجها
الإشاعة أخطارها
وعلاجها
الحمد
لله ذي العزِّ القاهِر، والسلطان الظاهر، سبحانه عزَّ مجدُه، وعلا سلطانُه، علِمَ فستَر،
وقدَّر فغفَر، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، أسبغَ النعمة، وأجزلَ المنَّة، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً تقودُ إلى رِضوانه والجنَّة، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا
محمدًا عبدُهُ ورسوله ، أفضلُ خلق الله وأهداهم إليه سبيلاً، وأدلُّهم عليه طريقًا،
صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه ، وعلى آله السادة الأبرار، وأصحابه الميامين الأخيار،
والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ الليلُ والنهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما
بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله ، فالكيِّسُ من
دانَ نفسَه وعمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ من أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على الله
الأماني.
معاشر المسلمين:
إن من أعظمِ ما يستوقِفُ الناظِر، ويبعثُ على المُحاسَبة الجادَّة: ما جاء في صحيح
مسلم من حديث حَفْصٍ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ».
إنها المُحاسبةُ الجادَّة، والفحصُ الدقيق .
إخوة الإيمان:
للكلمة أثرُها، وللصورة مفعولُها في أي وسيلةٍ، في خُطبةٍ أو مقالةٍ ، أو مُحاضرةٍ
من خطيبٍ أو مُتحدِّث، أو كاتبٍ أو داعيةٍ، أو مُعلِّقٍ أو مُتابِعٍ، وفي أي وسيلةٍ
من وسائل الإعلام والتواصُل .. وفي هذا الزمن بتِقنِيَّاته واتصالاته ، ومواقعه وشبكاته،
وإعلامه وقنواته ، وسيلتُهُ كلُّها: الكلمةُ والصورةُ ، فبين الحين والأخر نسمع عن
إشاعات تُبَثُّ وتُنْشَر، وأكاذيب تبعث وترسل ، هذه الإشاعات لها خطر عظيم ، وشر كبير،
فكم دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة ، وكم أهدرت من أموال، وضيعت من
أوقات ، وكم أحزنت من قلوب، وأولعت من أفئدة، وأورثت من حسرة ، و إذا أردت أن تعلم
عظيم شرها، فانظر في حادثة الإفك: كيف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مكث شهرا كاملا
وهو مهمومٌ محزون، لا وحي ينزل يبين له حقيقة الأمر، ولا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر
والعفاف. ولقد فتن كثير من المسلمين بنشر هذه الإشاعات وترديدها، دون نظرٍ في النتائج،
ودون نظرٍ في الشرور الناتجة عنها.
إخوة الإيمان
لقد عالج الإسلام قضية الإشاعة عن طريق ثلاثة نقاط: الأولى: التثبت. والثانية: الناقل
للإشاعة من الفاسقين. والثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة . وقبل البدء في تفصيل هذه
النقاط ،لابد من التنبيه على أمر مهمٍ جدا، ألا وهو : أن الله سبحانه و تعالى ،جعل
العلاج لقضية الإشاعة ، من خلال الناقلين لها من المؤمنين أنفسهم ، دون التركيز على
مصدر الإشاعة ، وذلك لان مصدر الإشاعة قد يكون من أهل النفاق أو من الكفار أو من الأعداء،
و هؤلاء لا حيلةَ معهم، فإِنَّ من دأبهم نشر الإشاعة لإضعاف المسلمين.
نعم
قد ورد تحذير للمسلمين أن يَكْذِبُوا الْكِذْبَةَ ثم يبثوها ( كما في حديث جابر بن
سمرة عند البخاري). لكن هذه الإشاعات ما كان لها أن تنتشر لو قابلها المؤمنون بالمنهج
الرباني لتلقي الأخبار وتلقي الإشاعات .
عباد الله :
إن أول نقطة في علاج الإشاعات هي : التثبت: يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }الحجرات6
، و في قراءةٍ أخرى { فتثبتوا } . فأمر الله بالتبين و التثبت، لأنه لا يَحِلُّ للمسلم
أن يبُثَّ خبرا دون أن يكون متأكدا من صحته. و التثبت له طرق كثيرة ، فمنها :
أ-
إرجاع الأمر لأهل الاختصاص: يقول الله تعالى:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ
أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي
الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ }النساء83
جاء
في تفسير السعدي قوله: { هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنه ينبغي
لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو
الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه
إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي و العلم و العقل ، الذين يعرفون المصالح
وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرُزاً من أعدائهم
: فعلوا ذلك. فإن رأوا أنَّه ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته
لم يذيعوه } ا. هـ . فكم من إشاعة كان بالإمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
هذه
الإشاعات التي تنتشر في بلادنا ، فترى الواحد
منا يرسل عشرات ، بل مئات الرسائل لهذه الإشاعات ، ولا يكلف نفسه أن يَتَثَبَّتَ ولو
أرجعنا هذه الإشاعة لولاة الأمر، عبر الجهات المختصة لما كان لها هذا الأثر العظيم
.
ومن
طرق التثبت ، التفكر في محتوى الإشاعة: لأن كثيرا من المسلمين لا يفكر في مضمون الإشاعة،
الذي قد يحمل في طياته كذب تلك الإشاعة، بل تراه يستسلم لها و ينقاد لها وكأنها من
المُسَلَّمَات. و لو أعطينا أنفسنا ولو للحظات في التفكر في تلك الإشاعات لما انتشرت
إشاعةٌ أبدا. ولقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الإفك فقال سبحانه
: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم
بِهِ عِلْمٌ }النور15
. فانظر يا أخي المسلم لقول الله تعالى : {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ }
فإنه من البديهي ، أن الإنسان يتلقى الأخبار بسمعه لا بلسانه ، ولكنَّ أولئكَ النَّفَرُ
من الصحابة لم يستعملوا التفكير، لم يمرِّروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبرو فيه ، بل
قال الله عنهم ، أنهم يتلقون حادثة الإفك بألسنتهم ، ثم يتكلمون بها بأفواههم ، من
شدة سرعتهم في نقل الخبر وعدم التفكر فيه. ولو تفكر الصحابة قليلا، لوجدوا أنه من المحال،
أن يكون في فراشِ أطْهَرِ الخلق شيءٌ يُعيبه، كيف يمكن أن تتهم زوجة أفضل البشرية الذي
اصطفاه الله ، بتهمة الفاحشة؟ إن هذا لا يعقل أبدأ.
وأما
النقطة الثانية في علاج الإشاعات : هي أنَّ الناقل للإشاعة من الفاسقين. ففي الآية
السابقة يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا }الحجرات6
. فجعل الله مَنْ نَقَلَ الخبر دون تثبت من الفاسقين. فبمُجرَّد نقلِ الأخبار دون التأكد
من صحتها ، موجب للفسق ؛ وذلك لأن هذه الأخبار ليس كلها صحيح ، بل فيها الصحيح والكاذب،
فكأن من نقل كل خبر أو إشاعه؛ داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين. وقد صرَّح
النَّبي بذلك فقال عليه الصلاة والسلام « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين
، الكاذبين وكفى - و الله - بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب. فالعاقل يعلمُ أنَّه
، ليس كلَّ ما يُسمع يقال ، ولا كل ما يَعْلَمُ يصلح للإشاعة والنشر. بل قد يكون الخبر
صحيحا و لكن لا مصلحة في نشره أبدا، في سنن أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا
أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». نسأل الله تعالى أن يطهِّر ألسنتنا وقلوبنا ،
وأن يحفظها من كل سوء ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء .. أقول قولي هذا، وأستغفر الله
لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمدا
عبده ورسوله ، إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى
آله وأصحابه الغرِّ الميامين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما
بعد : فيا إخوة الإيمان : وأما النقطة الثالثة في علاج الإشاعات فهي : التفكر في عواقب
الإشاعة. وعودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى: { أَن تُصِيبُوا
قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 ، فهلا تفكرت أيها
المسلم في نتائج الإشاعة ، هلا تدبرت في عواقبها. فاعلم أخي: أن كل خسارة ، وكل هم
وغم أصاب أخاك المسلم، وكل أموال أهدرت ، وكل روحٍ أزهقت ، بسبب إشاعتك التي نشرتها
أو ساعدت في نشرها فلك نصيب من الإثم فيها. {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
}الحجرات6 . ويظهر الندم في الدنيا
لمن تفكر في عاقبة نشر الإشاعة، ويظهر في الآخرة للغافلين عندما يجدون الجبال من السيئات
كتبت عليهم { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }النور15 فيا أخي المسلم : {يَعِظُكُمُ
اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }النور17. فالحَذَر ثم الحَذَر
أن يكون الإنسان -من حيث يشعُر أو لا يشعُر- مرددا لهذه الإشاعات التي تدمر البلاد
وتهدد أمنها ، وسلامة أهلها ، فالضررُ سيلحقُ بالجميع ، فكن أيها المسلم ،
متصدِّياً لكل من يقوم بهذه الأفعال ، لكي لا تكون شريكاً في إضعاف الوطن وهزِّ
كيانه ، نسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ بلادنا من كل سوءٍ ومكروه ، إنه ولي ذلك
والقادر عليه ،، هذا ثم صلُّوا وسلموا رحمكم الله ، على الرحمة المهداة والنعمة المسداة
، فقد أمرنا بذلك من ربنا جلَّ في علاه ، فقال تعالى قولا كريما، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا – اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه
أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بجودك وكرمك وإحسانك
يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل
الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء هذا الدين، واجعل بلدنا ليبيا أمنا
وأمانا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم يا مجيب الدعوات ، ويا قاضي الحاجات ، ويا كاشف الكربات ، منَّ على
بلادنا بالأمن والأمان ، والراحة والاطمئنان ، والاستقرار والهناء ورغد العيش ، اللهم
وفق وأعن أولاة أمورنا ، على مسئولياتهم ، ووفقهم إلى كل خيرٍ يرضيك ويصلح من شأن العباد
والبلاد ، اللهم وارزقهم بطانة صالحة ناصحة ، تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، اللهم
استجب دعائنا، وأصلح أحوالنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا
وأقوالنا ، وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم ،، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات
، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . عباد الله : {إِنَّ
اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 ، اذكروا الله يذكركم
واشكروه على نعمه وآلائه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
ليست هناك تعليقات