جديد المدونة

الدواوين عند الله ثلاثة


الدواوين عند الله ثلاثة  
الحمد لله ربِّ العالمين , الحمد لله الذي أراد فقدَّر, وملك فقهر, وخلق فأمر، وعبد فأثاب وشكر, وَعُصِيَّ فعذَّب وغَفَر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اتَّقو ربهم إلي جنَّاتٍ ونهر, لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , شهادة عبدٍ خضع لهيبته وتذلل .
يا من يجيب دعاء المضطر في الظُّلَم
                 يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
إن كان أهل التُّقى فازو بما عملـوا
                  فمن يجود على العاصين بالكـرم
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله  فاتقوا الله حقَّ التقوى ، فتقوى الله نور البصائر ، وبها تحيا القلوب والضمائر.  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35.
 معاشر المسلمين : حقوق العباد عظيمة عظيمة، وأذية العباد من أعظم الذنوب ، التي لا يَغْفِرُهَا الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا قد يغفر الذنوب التي بين العبد وربه، أما حقوق العبادِ فلا تُغْفَر، في مسند الإمام أحمد ، عن أمُّنا عَائِشَةَ رضيَّ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ ، دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً، وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً ، وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ ، أَوْ صَلاَةٍ تَرَكَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِى لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً ، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ لاَ مَحَالَةَ ». فما أكثر الناس اليوم إخوة الإيمان: الذين يندرجون تحت ديوان ظلم العباد ، ممن يتهاونون في حقوقهم ، ويؤذونهم بالاعتداء عليهم من تهديد بالسلاح ، وقتل وضربٍ وسرقة بالإكراه ، وترويع للأمنين بتفجيراتٍ عشوائية هنا وهناك ، ويتلذذون بهذا الظلم والبطش والجبروت {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ }الشعراء130 . فيا أيها الظَّالم المعتدي هل نسيت من سَيُسَلَّطُ عليك ، هل نسيت المنتقمُ الجبَّار ، اعقل وتنبه ، فالعظيم يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ ، فهل تعلم ما هو مخبَّئٌ لك ، جزاءً لذلك ، تنبه أيها الغافل ، إنها ظلمات في يوم عصيب ، تكاد تصبغ الوجوه بلون القطران ، من أثر الظلم ، إن ظننت الأعين لا تراك ، فعين الرقيب، لا تأخذها سنة ولا نوم ، وإن عَجِز المظلوم، فللجبار قدرة وجبروت أعظم {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ }الفرقان27 . ندماً وتحسُّراً ، فلن ينفعك حينها البكاء والندم ، ففي عمق الليل البهيم ، رفعت أكفٌّ لخالقها ، تردد بإلحاح والجراح تنزف مُخَالِطَةً دُمُوعَ العين ، حسبي الله ونعم الوكيل ، « وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ». وكذلك يوم القيامة تكون من المفلسين ، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». وهذه امرأة يُرفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال: إِنَّ فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا ، قَالَ « هِيَ فِي النَّارِ ». فأين نحن ـ يا عباد الله ـ من هذه الأحاديث؟!! وأين نحن من هذه التوجيهات؟!! إلى الله نشكو الحال التي وصلنا إليها، أصبح كثير من الناس وحوشٌ في ثياب بشر، أصبح كثير من الناس لا يهدأ لهم جنب ولا تنام لهم عين ، إلا إذا باتوا على أذى العباد، وظلمهم وترويعهم والإساءة إليهم ، ليس لهم دَيْدَنٌ إلا تتبع العورات ، وتصيد الزلات والعثرات، فأين الصلاة؟ وأين الزكاة؟ وأين الصوم؟ أين الإسلام؟ وأين الإيمان؟ وأين الخوف من الله الواحد الديان؟ فلا تغتر بحلم الله عليك ، لا تغتر أيها المسلم بحلم الله عليك ، في صحيح البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى  رضى الله عنه  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } . الأذية لها صور كثيرة، فالعين تؤذي، واللسان يؤذي، واليد تؤذي، والرجل تؤذي، والبطن يؤذي، والقلب يؤذي، فأذى العين أن تنظر إلى محارم الله وأن تتبع عورات المسلمين.أذى العين أن تنظر إلى نِعَمٍ أنعم الله تعالى بها على عبد من عبيده ، فتتمنى زوال هذه النعمة، وتعترض على عطاء الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ » رواه أبوداود. وأذى اللسان الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والهمز واللمز، وقد مَرَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ « بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِى أَعْرَاضِهِمْ »رواه أبوداود. وأذى اليد والرجل البطش والقتل والسرقة والسعي في الإضرار بالناس. وأذى البطن أكل الحرام من ربا ورشوة وأكلٍ لأموال الناس بالباطل وأكلٍ لأموال اليتامى والضعفاء. وأذى القلب الغل والبغضاء والضغينة والحقد والشحناء، يقول عليه الصلاة والسلام: « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ » رواه الترمذي .. فاللهَ اللهَ أن ينظر الله سبحانه وتعالى إلى قلبك ـ أخي المسلم ـ وفيه غل أو ضغينة لأخ لك في الله. نسأل الله تعالى أن يصلح فساد قلوبنا، وأن ينزع الغل والحسد والحقد من صدورنا.. إنه سميع قريب مجيب الدعاء . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق تقاته وأسعوْا في مرضاته ، وأَحِبُّوا لأنفسكم ما تحبونه لإخوانكم من الخير ، وإياكم وظلم الناس والاعتداء عليهم ، أو ترويعهم وإيقاع الأذية بهم ، يقول سبحانه وتعالى  {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب58 . فعلينا إخوة الإيمان : أن نصلح ذات بيننا ، وأن نرفق ببعضنا البعض ، وأن نبتعد عن كل ما يغضب ويسخط ربنا سبحانه وتعالى ، حتى يصلح الله حالنا ويرضى عنا ، ويعلى درجتنا ، ويرفع ذكرنا ، وينشر الأمن والأمان في ربوع بلادنا .
عباد الله:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا – اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بجودك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء هذا الدين . يارب العالمين . « اللهم أَعِنِّا وَلاَ تُعِنْ عَلَيْنَا ، وَانْصُرْنَا وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيْنَاَ ، وَامْكُرْ لَنَا وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيْنَا ، وَاهْدِنِا وَيَسِّرْ الهُدَى لَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ شَاكِرًين لَكَ ذَاكِرًين ، لَكَ رَاهِبِين ، لَكَ مِطْوَاعِين، إِلَيْكَ مُخْبِتِين مُنِيبِين ،  رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا ، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا ، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا ، وَثَبِّتْ حُجَّتَنَا ، وَاهْدِ قَلُوبَنَا، وَسَدِّدْ ألْسِنَتَتَا ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلُوبِنَا ». الله أصلح حالنا وحال المسلمين جميعا ، اللهم آمنا في وطننا ليبيا ، واجعله بلد أمنٍ وأمان ، وهناءٍ واستقرار ، اللهم وفق وسدد وأعن ولاة أمورنا ، إلى كل خير يرضيك ويصلح من حالنا وحال بلادنا ، اللهم ارزقنا وإياهم التقوى ، ومن العمل ما تحب وترضى ، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير ونعينهم عليه ،  اللهم استجب دعائنا، وأصلح أحوالنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا وأقوالنا ، وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا كريم ،، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 ، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه وآلائه وفضله يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون