التجار وباعة الأرصفة
التجار وباعة الأرصفة
الحمد
لله ربِّ العالمين ، اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة المتواترة ، ولك الحمد على آلائك
الجسيمة المتظافرة ، اللَّهُمَّ لك الحمد في اللّيل إذا أدبر، ولك الحمد في الصّبح
إذا أسفر ، ولك الحمد في الظَّهائر والأسحار، ولك الحمد بالعشيّ والإبكار، اللَّهُمَّ
أنت الّذي بذكرك تطمئنّ القلوب ، وتنكشف الكروب ، استر علينا فاضحات العيوب ، واغفر
لنا موبقات الذُّنوب ، إنّك أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين . وأشهد ألا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، ملأ القلوب من هيبته ، وعمَّر الأكوان بحكمته، وطوَّق الأعناق
بنعمته . وأشهد أن سيِّدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم أحينا على سنَّته
وأمتنا على ملَّته ، واحشرنا في زمرته . صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله
الأطهار وصحابته الأخيار ، والتابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنَّهار ،، أما
بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فهي العُدَّةُ الْعَتِيدَةُ لمن
رام خيراً وصلاحاً، ونشد عزّاً وفلاحاً، وقصد برّاً وتوفيقاً ونجاحاً. { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ
فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35
.
أيها الإخوة المؤمنون:
انطلاقا من هدي ديننا الحنيف ، في المحافظة على نظافة البيئة وسلامتها ، وخلُوِّها
من الظواهر السلبية ، التي تؤثر على الصحة العامة للمجتمع ، واستكمالا لخطبنا
السابقةِ حول هذا الموضوع ، فإننا نستعرض وإياكم بعضا من الظواهر، التي تسيء للصحَّة
العامة ، وتشوُّه المنظر العام للمدينة ، وتؤذي الناس وتزعجهم وتضايقهم ، وقد نهى
نبينا عليه الصلاة والسلام عن إيذاء
المسلمين ، جاء في شعب الإيمان للبيهقي، عن نس بن مالكٍ رضي الله عنه ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال « ... مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ
فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ »
. فمن الإيذاء للمسلمين في صحتهم وشوارعهم ، هؤلاء الباعة المتجولون ، الذين
يقومون ببيع الخضروات والفواكه ، على الطرقات الرئيسية المزدحمة ، في منظر غير
حضاري ، ومثلهم كذلك أصحاب المحلات التجِّارية ، الخاصة بالخضروات والفواكه ، يقومون
بعرض بعضٍ منها ، خارج هذه المحلات ، وعلى قارعة الطريق ، فيقع عليها الغبار، وما
يخرج من عوادم السيارات، وتكون عرضةً للتلوث بكل مايثار في الجوِّ من أضرار، ونحن
نتسوق منهم دون أن ننكر أو نحتج عليهم، في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ
فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ
الطَّعَامِ ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَفَلاَ
جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى
». فهذا طعام أصابته مياه الأمطار، واعتبره عليه الصلاة والسلام غشا ، فكيف بمن
يعرض هذه الأطعمة ، في الهواء الطلق ، وعلى الطرقات العامة ، ويقع عليها الذباب
وغيره من هذه المواد المضرة ، ثم يقوم ببيعها للناس ،، فعلى المشترين ، أن يقاطعوا
هؤلاء الباعة ، بعدم الشراء من هذه المنتجات المكشوفة ، سواء أمام المحلات
التجارية، أو عند الباعة المتجولون على الطرقات العامة ، حفاظا على صحتهم وصحة
أبنائهم .
أخي البائع:
سواءً كنت تاجرا صاحب محل ، أو بائعا في سوقٍ عام ، عليك أن تحافظ على نظافة متجرك
ومحلك ، ومكان بيعك إن كنت في السوق ، حتى يظهر بالمظهر الجميل اللائق،
وتبدأ بيعك بذكر الله ، حتى يبارك لك في يومك وبيعك ، وأن تبتعد عن الغش وبيع
البضائع الفاسدة ، والمنتهية الصلاحية ، وتحافظ على الأوزان وعدم التطفيف في الكيل
والميزان ، فقد توَّعد الله سبحانه وتعالى
من يفعل ذلك بقوله { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ
عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا
يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}1-6المطففين
.
إخوة الإيمان:
كذلك فإن بعضا من المطاعم ، التي تقوم بشي اللحوم على الطرقات العامة ، بأيدي عمالةٍ
وافدة ، وبأثمان بخسة رخيصة وقد تكون بلحومٍ مريضة ، وبعض الناس يقومون بشراء هذه
اللحوم ويأكلونها أو يطعمونها لأبنائهم ، دون أن يعلم مصدرها ومدى مطابقتها للشروط
الصحية ، فضلا عن نظافة المحل وأدوات العمل ، والشخص الذي يعمل به ، وعدم اهتمامه بنظافة
زيه وشكله، مما يبعث على التقزز والكراهية، وكل هذا يرفضه الذوق ويمجه ، وتستقبحه النَّفس
، فضلا عن إنكار الإسلام له . فهذه المطاعم وكذلك بعض المخابز، تحتاج إلى وقفة
جادة من أصحاب المسئوليات ، ومراقبتها صحةً ونظافةً ، فالغالبية منها ، لا تراعي
شروط النظافة ولا الصحة العامة ، ويخبر عنها بعض الناس ، أنك لو اطلعت عليهم كيف
يعملون بداخلها ، لما استطعت أن تأكل هذه الأرغفة والأطعمة ، بل وقد تقاطعها للأبد
، بسبب الإهمال في النظافة والصحة ، فالأمر جد خطير، ويحتاج إلى وقفة جادٍة من
الجميع ، ابتداء من المواطنين الذين يستهلكون هذه المواد ، فالخبز وجبة رئيسية في
بلادنا ، فلنحرص على أن تكون نظيفة ، وبأيدي عمالةٍ وطنية إن أمكن ذلك ، وإن كان من
عمالةٍ غيرها ، فيجب على مالكي هذه المخابز والمطاعم ، أن يُتابعوا العاملين
بداخلها ، من الناحية الصحية والنظافة ، وقبل ذلك أن يختار للخدمة فيها ، من عنده
دين وأخلاق وضمير ،، وإن من الواجب على كل مسلم إن علم فسادا أو رأى مخالفات ترتكب
، أن يبلغ عنها الجهات المسئولة ، حتى يساهم في إصلاح المجتمع ، فنحن إن لم نستطع
إيقافَ هذه المحال عن نشاطها المخالف، فيجب علينا مقاطعتها وعدم الشراء منها ، لنحميَ
أنفسنا وأبناءنا من الأمراض ، وهذا يدل على إيماننا بالله وحرصنا على سلامة وطننا
وأبنائه وغيرتنا عليهم ، وبذلك نحقق لأنفسنا الأجر الواسع العظيم ورحمة ربنا
سبحانه وتعالى ، لأنه أمرنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن الفساد والمنكر ، يقول
سبحانه وتعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ
اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71
وفي صحيح مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ
وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه
وأن يكلأنا برعايته وأن يجعلَنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه سميع قريب مجيب
الدعاء . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه
إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد
أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، اللهم
صلى وسلم وزد وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهدية
واستن بسنته ، واقتفى أثره إلى يوم الدين .. أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون: علينا
أن نتعاون جميعا ، للقضاء على هذه الظواهر السلبية ، التي تؤثر على صحتنا وتسيء
لمجتمعنا ، فالله سبحانه وتعالى يقول { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى
وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2 . وأخيرا نقول لأصحاب
هذه المحال المخالفة ، انتبهوا لمن يعملون تحت أيديكم ، في مطاعمكم ومخابزكم
ومحالكم التِّجارية ، فأنتم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل ، وأمام الناس جميعا ، وسيحاسبكم
الله عز وجل عن كل تقصير في مسئولياتكم ، فلا تعرضوا صحة الناس للخطر بسبب إهمالكم
وتقصيركم . فالمسلم الحق لا يرضى لإخوانه الضرر ولا الإساءة ، في صحيح البخاري عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ »
. وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني « أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَقْتَرِفَ
عَلَى نَفْسِى إِثْماً أَوْ أَجُرُّهُ عَلَى مُسْلِمٍ ». نسأل الله تعالى أن لا
نكون سببا في إيذاء مسلم ، أو إصابته بأي سُوءٍ أو مرض ، وأن يبعد عنا الأمراض
والآفات ، وأن يصلح حالنا وحال المسلمين جميعا ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، هذا
ثم صلوا وسلموا على حبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله ، فقد أمرنا ربنا بذلك جلَّ
في علاه ، فقال تعالى قولا كريما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
}الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وزد وبارك
على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين زمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم
الدين وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وانصر وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ
، ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاء رخاء منا وأمانا وسائر بلاد المسلمين
، اللهم أصلح نياتنا وقلوبنا ، اللهم وفقنا لكل عمل صالح مبرور، واجعلنا ممن يحافظ
على سلامة البلاد والعباد ، وممن يعمل على سلامة المجتمع والبيئة من الفساد ،
واجعلنا يا كريم صالحين مصلحين ناصحين يارب العالمين ، اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب
الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف
رحيم .
ليست هناك تعليقات