جديد المدونة

الإسلام وسلامة البيئة


الإسلام وسلامة البيئة

الحمد لله الذي أسـبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، سبحانه هو الخالق القادر، وهو العليم الخبير، خلق فأبدع، وقدر فهدى، بيده ملكوت السماوات والأرض، أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وإليه النشور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الملك، وهو على كل شيءٍ قدير،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، رسول الهداية ونبي الرحمة، امتدحه رب العزة بقوله  { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 . صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين  ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.  أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وبعمل الصالحات وفعل الخيرات  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77.

إخوة الإسلام: إن نعم الله على عباده لا يحيط بها حصر ولا تعد {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18. ومن نعم الله تعالى علينا ، أن هيأ لنا في كونه الفسيح ، كل ما فيه سلامَتِنَا وصحةَ أنفسنا وأبداننا ، قال تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ،  وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ } الرحمن: 10ـ 12 . فقد هيأ الله تعالى الأرض لحياة المخلوقات ، وقدر فيها جميع أسباب الحياة، مما لو تدبره الإنسان لاهتدى إلى الإيمان بالله تعالى، واستجاب لدعوة الرسل الكرام ، وصدق الله العظيم إذ يقول { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا ، وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ، قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت11:9. فهذه الآيات الكونية ، التي أودعتها يَدُ القدرة الإلهية في الأرض التي نَدُبُّ عليها, والسماوات التي تظلنا، فيها من العظة والعبرة ما يهدي كل عاقل إلى الإيمان بالله تعالى  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ق37 . والله تعالى يحذرنا من إفساد البيئة ، بما نقترفه في حقها من ممارسـات غير سـليمة ، في قوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ، لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 . فهذه الآيات البينات ، شواهدٌ واضحات ، وعظاتٌ بالغاتٌ لبني الإنسان جميعاً، ترينا أَنَّ ما ظهر من آفاتٍ في الأرض ، وما دَبَّ في جنباتها من فساد، وما تعرضت له من بوار، كلُّه بسبب النشاط الإنساني غير السوي، فهذه المخلفات الصناعية والعوادم، والنفايات والمخلفات البلاستيكية غير الصديقة للبيئة ، وإشعال النيران وإحراق آلاف الأطنان من هذه المخلفات ، وتصاعد هذه الأبخرة الملوثة في الأجواء ، شواهدٌ ملموسة ، وممارسات عشناها وبدأنا نعاني من آثارها ، وما الأمراض النفسية والعضوية ، التي تفتك ببني الإنسان جميعاً ، إلا من آثار هذا الفساد والإفساد ، الذي جنته يد الناس ، كَمَا تُقَرِّرُ ذلك الآية الكريمة {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 . فليس الفساد المراد هنا مقصوراً على الذنوب والمعاصي ، في عدم التزام أحكام الشرع، وإنما يمتد إلى ما يقترفه الإنسان ، من عدوانٍ وتدميرٍ لمكونات البيئة ، التي خلقها الله وجعلها صالحة لحياة الإنسان ، والكائنات الحية الأخرى ، فهذا العدوان كفرٌ بنعم الله تعالى وخروجٌ عن طاعته.  ورسولنا عليه الصلاة والسلام ،  يهدينا إلى عمارة الأرض ، ونشر الخير في جنباتها ، وبذل ثمراتها للإنسان والطير والحيوان ، في حديثه الشريف ، الذي رواه الإمام مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ ، إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ».. وقد حرم الإسلام إفساد المياه ، أو تعريض الأماكن التي يرتادها الناس بإلقاء الفضلات فيها ، وما ذلك إلا لحرص الإسلام على سلامة البيئة ونظافتها ، فقد نهى الإسلام عن التبول في الماء الراكد وفي الظل، وقس عليها كل ما يلوث البيئة ، ويفسد الفطرة التي فطر الله الكون عليها، وجعل إماطة الأذى عن الطريق ، صدقةٌ يثاب فاعلها ، في صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم قَالَ « ... وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ » . فالعناية بالطريق واجبٌ ديني، لأن الناس جميعاً يرتادونه ، وينشـدون السـلامة من وراء السـير في الطرقات المعبدة ، وما نراه كل يوم من الحوادث المفجعة على الطرقات ، التي جُعِلَت لتيسير الوصول إلى المنافع،  وقضاء المصالح ، ما هو إلا لونٌ بشعٌ من ألوان العدوان على البيئة.

ويذهب الإسلام إخوة الإيمان : إلى ما هو أبعد من ذلك ، حينما يقرِّرُ أن مجرد إزالة ما قد يكون على الطريق ، من مفاجآتٍ أو عقباتٍ ، عملٌ من أعمال البرِّ يثاب عليه فاعله ، جزاءً من عند الله تعالى ، يشير لذلك حديث المصطفى صلي الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ،عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ أَوْ أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ « اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ». وقس على ذلك إزالة كل ما يؤذي الناس ، من شتى أنواع الملوثات في الجو والبر والبحر ، وكل ذلك عملٌ صالح يثاب فاعله ، وواجبنا أن نشيد به. ونكرمه، ونجعل منه قدوةً حسنة في مجتمعه، والعالم من حولنا يتنادى للعناية بالبيئة وحمايتها ، من التلوث والتدمير والعدوان الجائر على مكوناتها الطبيعية، وها هي مؤسساتنا الخيرية تتنادى لحماية البيئة ومكافحة التلوث، ونشر الفكر البيئي، وحماية مصادر الثروة الطبيعية، والاهتمام بالنواحي التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية المتعلقة بحماية البيئة، وستباشر هذه المؤسسات نشاطاتها المتعددة في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها مثل إصدار مطويات عن البيئة، ونشرات تعالج قضاياها، وتنظيم الندوات والمحاضرات.  وهذه كلها جهود تطوعية ، تدعونا للإسهام فيها، وتسخير جانبٍ من أوقاتنا وإمكاناتنا، لتعزيز دورها الفاعل في حماية البيئة والمحافظة عليها، فلنكن من المشاركين في هذه الحملات والسابقين بالخيرات المسارعين فيها {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }المؤمنون61 . وواجبنا أن نكون وقافين عند أمر الله تعالى ، وسنة رسوله الكريم ، تعبداً لله تعالى بطاعته ، واقتداء بالرسول الكريم في سنته، فعلينا أن نأخذ أولادنا منذ نعومة أظافرهم بأدب الإسلام ،، وفي توجيه الرسول صلوات الله وسلامه عليه لنا تجاه الأبناء ، بأن نأمرهم بالصلاة لسبع ونضربهم عليها لعشر ، دلالاتٌ واضحة على أن الواجب علينا ، أن نأخذ أبناءنا بكل أدبٍ حسن، فالصلاة تتطلب الطهارة ، والطهارة قمة النظافة ، كما جاء بها الإسلام، طهارة الجسد والثوب والمكان. ويجدر بالمسلمين ، أن يكونوا في موضع القيادة والريادة ، لبني الإنسان جميعاً ، في مجال المحافظة على البيئة والعناية بها، وتوفير سلامتها، والمسئولية هنا فردية ، قبل أن تكون جماعية، وما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلا توجيه رباني لنا، ليستقيم سلوكنا في هذه الحياة ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41 . بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، أما بعد ، فاتقوا الله عباد الله ، ثم اعلموا أنه علينا، أن نوجه عناية ًخاصةً لحماية البيئة التي نعايشها، فتلك قمة الشكر لله تعالى، والله تعالى يقول في محكم كتابه: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }إبراهيم7 . فالشـكر ليس كلماتٍ تَرَدَّدُ على الشفاه، وإنما هو سلوكٌ عملي ، يتمثل في الطاعة لأوامر الشرع ، والتزام أحكامه وآدابه، فليس هناك بعد طاعة الله تعالى من غاية يسعى إليها الإنسان، من الدعوة إلى حماية البيئة والعناية بها ، والمحافظة على مكوناتها الطبيعية ، فهي واجب كل مسلم، والله تعالى يعلِّمنا بصورة عملية ، المحافظة على مكونات البيئة ، ونحن نؤدي فريضة الحج ، فلا نقتل صيداً ولا نقلع شجراً { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً }المائدة96 . وليس هناك أبلغ من هذا الدرس الرباني ، في تربية المسلم. والله نسأل أن يوفقنا إلى كل ما يحب ويرضى. وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله ، على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أُمِرْنَا من ربنا بالصلاة والسلام عليه بقوله عزَّ قائلا عليما {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 اللهم صل وسلم وزد وبارك ، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين ، اللهم أصلح حال المسلمين ، اللهم أصلح حال المسلمين في كل مكانٍ يارب العالمين ، اللهم اجعل بلدنا ليبيا سخاء رخاء منا وأمانا وسائر بلاد المسلمين ،  اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ووفق من وليتهم أمور العباد والبلاد لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة ، تدلهم على الخير وتعينهم عليه يارب العالمين ، اللهم اجعل لنا ولجميع المسلمين من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ومن كل بلاء عافية ، اللهم اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ولمشايخنا ولمعلمينا ولأصدقائنا ولأحبابنا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ، وَلِلْمُسْلِمِينَ والمسلمات ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأموت  ، يا أرحم الراحمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم . عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .       

 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون