جديد المدونة

آداب المرور


آداب المرور

الحمد لله رب العالمين ، يحب من عباده أن يعيشوا بأمنٍ وسلام ، وخيرٍ وإنعام ، ويكره منهم الأذى والظلم والطغيان ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لَّا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل سبحانه {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب58 وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، كان رحيما حليما عطوفا مع أهل الخير والصَّلاح ، حازما شديدا مع أهل الشر والفساد والإيذاء ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عباد الله وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَرَاقِبُوهُ ، وَأَطِيعُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور:52) .

معاشر المسلمين:  لَمْ يَتْرَكِ الشَّرْعُ الْحَنِيفُ مِنْ أُموُرِنَا شَارِدَةً وَلاَ وَارِدَةً ، إلاَّ وَكَانَ لَهُ فِيَها تَوْجِيهٌ وَتَعْلِيمٌ وَإِرْشَادٌ، ففي مسند الإمام أحمد ،عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: « لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلاَّ ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْماً». وَإِنَّ مِنْ أِعْظَمِ مَا جَاءَتْ فِيهِ تَوْجِيَهاتُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: أَرْوَاحُ النَّاسِ وَدِمَاؤُهُمْ ، فَالْحِفَاظُ عَلَيْهَا مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الإِسْلاَمِ ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ جَمِيعُ الْوَسَائِلِ ، التِي تَكْفُلُ سَلاَمَةَ الْمُجْتَمَعِ بِأَسْرِهِ ، وَمِنْ أَكْثَرِ الْوَسَائِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ انْتِشَاراً فِي حَيَاتِنَا ، مَرْكَبَاتُنَا وَسَيَّاراتُنَا، فَهِيَ مِنْ أَلْصَقِ مَا يَكُونُ بِنَا فِي سَاعَاتِ أَيَّامِنَا وَلَيَالِينَا، وَهِيَ بِلاَ شَكٍّ نِعَمٌ مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً، وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }النحل: 5-8 . نَعَمْ ، هِيَ نِعَمٌ عَظِيمَةٌ مُمْتِعَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا، وَتَدبَّرَ حَالَهُ يَوْمَ كَانَ يَقْطَعُ الأَمْيَالَ الْقَلِيلَةَ فِي مَسِيَرةِ أَيَّامٍ ، وَأَصْبَحَ الْيَوْمَ يَطْوِيهَا فِي سَاعَاتٍ أَوْ دَقَائِقَ ، فَسُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَ لَنَا هَذِهِ الْمَرَاكِبَ وَأَوْزَعَنَا شُكْرَهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ، وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }الزخرف:13-14.

إِخْوَةَ الإِيمَان: إِنَّ الأَرْوَاحَ لاَ تَهُونُ إِلاَّ إِذَا هَانَتْ عَلَيْنَا نُصوُصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ! وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ، وَتَأَمَّلُوا - سَلَّمَكُمُ اللهُ وَعَافَاكُمْ - كَمْ مِنْ عَائِلَةٍ فَقَدَتْ أَصْحَابَهَا!، وَأُسْرَةٍ تَيَتَّمَ أَوْلاَدُهَا!، أَوْ أَصَابَهَا عَاهَاتٌ فِي أَهْلِهَا!؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ فَقَدَ سَمْعَهُ أَوْ بَصَرَهُ ، أَوْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شُلَّ عَنِ الْحَرَكَةِ تَمَاماً، نُصَابُ بِهَذِه العاهات بِأَنْفُسِنا وَبِأَيْدِينَا؛ فَنَفْقِدُ كُلَّ يَوْمٍ أَعْدَاداً لاَ نُحْصِيهَا ، تَحْتَ هَذَا الْحَدِيدِ الذِي لاَ يَعْرِفُ رَحْمَةً وَلاَ شَفَقَةً؟!. إِنَّ نَظْرَةً خَاطِفَةً فِي كَثِيرٍ مِنْ شَوَارِعِنَا ، تَجْعَلُنَا أَمَامَ كَوْمٍ هَائِلٍ مُرِيعٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الْمُرُورِيَّةِ ، فَهَذَا مُتَهَوِّرٌ مِنْ شِدَّةِ سُرْعَتِهِ بين الأحياء الضيقة وأمام المدارس ، وَذَلِكَ يَقُودُ سَيَّارَتَهُ مُعاكِساً السَّيْرَ، وَهَذَا يَقِفُ فِي غَيْرِ أَمَاكِنِ الْوُقُوفِ، وَهَؤُلاَءِ رِفْقَةٌ وَاقِفُونَ وَسَطَ طَرِيقِ الْماَرَّةِ لِلسَّلاَمِ، وهذا قائم بتعتيم زجاج سيارته في منظر غير حضاري ولا أخلاقي ، وَلَعَلَّكَ تَرَى فِي يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ ، عَدَداً كَثِيراً مِمَّنْ يَقْطَعُ إِشَارَةَ الْمُرُورِ، لاَ يَعْرِفُ لَهَا حُرْمَةً وَلاَ يُقِيمُ لَهاَ وَزْناً. رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  رضي الله عنه ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»؛ فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ. إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا! قَالَ: « فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ»؛ فَالْمُسْلِمُ - بِأَمْرِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم - يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وأَذَاهُ. فَهَلْ مِنْ شَكٍّ فِي أَنَّ مَنْ يَقُودُ بِتَهَوُّرٍ فَيَصْطَدِمُ بِالنَّاسِ أَوْ يُرْبِكُهُمْ وَيُفْزِعُهُمْ في أنه مُؤْذِياً للنَّاسَ؟

أَوَتَشُكُّ أَخِي أَنَّ مَنْ يَقْطَعُ الإِشَارَةَ الضوئية فِي أَنَّهُ مُؤْذِياً للنَّاسَ؟ أَوَتَشُكُّ فيمن لا يحترم رجل المرور الواقف من أجل تنظيم حركة السير ، فِي أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْذِياً النَّاسَ؟ أَفَلاَ يَكُونُ أَخَذَ بِهَذاَ الطَّيْشِ حَقَّ غَيْرِهِ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَرُبَّمَا أَزْهَقَ أَرْوَاحاً وَأَتْلَفَ أَمْوَالاً بِهَذِهِ الرُّعُونَةِ. وَلاَ شَكَّ إِخْوَانِي في أَنَّ مَنْ يَعْكِسُ اتِّجَاهَ السَّيْرِ، قَدْ آذَى إِخْوَانَهُ وَشُرَكَاءَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ وُقُوفاً خَاطِئاً، وَهَلُمَّ جَرّاً ..هَذِهِ الأَذِيَّةُ  أَيُّهَا الإِخْوَةُ: مِنَ الضَّرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعاً؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم  « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» رواه بن ماجة. فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ ، وَذُرِّيَّتِكَ وَأَهْلِكَ وَإِخْوَانِكَ وَأَحْبَابِكَ يَا سَائِقَ السَّيَّارَةِ ، لاَ تَتَكَلَّفْ - هَدَاكَ اللهُ وَبَصَّرَكَ- بِتَهَوُّرِكَ مِنَ الْحِمْلِ مَا لاَ تُطِيقُهُ لاَ فِي الدُّنْيَا ولاَ فِي الآخِرَةِ ، فَإِنَّ خَطَأً وَاحِداً فِي الدُّنْيَا ، يُكَلِّفُكَ وَغَيْرَكَ مَآسِيَ لاَ تَنْمَحِي جِرَاحَاتُها ، وَلاَ تَنْدَمِلُ آثَارُهَا، وَإِنَّ قَطْرَةَ دَمٍ وَاحِدَةً ، تَتَسَبَّبُ فِي إِرَاقَتِهَا مِنْ أَخِيكَ الذِي ظَلَمْتَهُ ، تُطِيلُ وُقُوفَكَ لِلْحسَابِ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى.

أَخِي قَائِدَ السَّيَّارَةِ: يَنْبَغِي عَلَيْكَ مُرَاعَاةُ مَا أَرْشَدَكَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَثْنَاءَ قِيَادَتِكَ لِسَيَّارَتِكَ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تُسَمِّيَ اللهَ تعَالَى عِنْدَ رُكُوبِكَ وَتَحْمَدَهُ وَتُسَبِّحَهُ ، في سنن الترمذيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيّاً أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا؛ فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ؛ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ؛ ثَلاثاً، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا؛ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } الزخرف: 13 ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ ثَلاثاً، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ ثَلاثاً، سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ»، ثُمَّ ضَحِكَ؛ فقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ؛ فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ».. وَإِنْ كُنْتَ مُسَافِراً دَعَوْتَ بِدُعَاءِ السَّفَرِ الْمَشْهُورِ؛ فَقَدْ عَلَّمَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَصْحابَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ ، كَبَّرَ ثَلاثاً، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا ، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ» وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ« آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» مسلمٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَثِيراً مَا نَرَى وَنَقْرَأُ عِبَارةً جَمِيلَةً؛ تَقُولُ: «الْقِيَادَةُ فَنٌّ وَذَوْقٌ وَأَخْلاَقٌ»، فَيَا لَيْتَكَ أَخِي السَّائِقَ تَتَّصِفُ بِهَا؛ فَتَكُونُ قَائِداً مُتَخَلِّقاً بِأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ، تُحْسِنُ التَّصَرُّفَ وَالْهُدُوءَ وَالرَّوِيَّةَ، وَتَتَجَنَّبُ الْوُقُوعَ فِي الْمَهَالِكِ ، أَوْ إِيقَاعَهَا بِالآخَرِينَ، وَتَكُونُ صَاحِبَ ذَوْقٍ وَخُلُقٍ رَفِيعٍ ، يَتَجَلَّى فِي إِكْرَامِ الآخَرِينَ وَإِيثَارِهِمْ ، لُطْفاً مِنْكَ وَبِرّاً وَإِحْسَاناً . نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويقينا شر أنفسِنا ، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ ، ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

                الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصَّالحين ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أمَّا بَعْدُ: فَيَأَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى: { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَا أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَّماً ، وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ، وَابْتَلُواْ اليَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }النساء: 4- 5   إنَّ عُمُومَ الأَمْرِ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ، يَقْتَضِي أَنْ لاَ نَدْفَعَ بِأَمْوَالِنَا التِي جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَصَالِحَنَا الدِّينِيَّةَ والدُّنْيَوِيَّةَ لِلسُّفَهَاءِ، والسَّفِيهُ هُوَ الذِي لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ، وَلاَ شَكَّ- أَيُّهَا الفُضَلاَءُ- أنَّ السَّيَّارَاتِ مِنَ الأَمْوَالِ، وَدفْعُهُا لِلسُّفَهَاءِ مِنَ الصِّغَارِ أَوِ الْكِبَارِ ، فِيهِ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لأَنَّ السَّفِيهَ سَوْفَ يُهْمِلُ تِلْكَ النِّعْمَةَ، وَلَنْ يُقَدِّرَهَا قَدْرَهَا. وَالْمُلاَحَظُ أَنَّ بَعْضَ الآبَاءِ الْيَوْمَ ، يَدْفَعُونَ بِسَيَّارَاتِهِمْ لأِبْنَائِهِمْ ، إِمَّا بِإلْحَاحٍ مِنَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ أُمِّهِ، وَإِمَّا بِرَغْبَةٍ مِنْ الأَبِ فِي أَنْ يُرِيحَهُ ابْنُهُ مِنْ بَعْضِ الْمُهِمَّاتِ، وَيَكْونُ ذَلِكَ فِي مُقَابِلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُصُولِ مَصَائِبَ أَوْ مُضَايَقَاتٍ وَإِزْعَاجٍ لِلنَّاسِ؛ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُرَاقِبَ رَبَّهُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَيَقِيَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الضَّرَرِ؛ إِذْ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ فِي الإِسْلاَمِ . فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي أولادكم وفي إخوانكم، والتزموا بحفظ نظام السير، وتعاونوا مع كل مسؤول عن مصالح المسلمين، وتعاونوا على البر والتقوى ، ليحصل بذلك الأمن والسلامة لجميع المسلمين. نسأل الله سبحانه وتعالى، أن نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وأن يكتب لنا وللمسلمين جميعًا السلامة والعافية في البر والجوِّ والبحر، وأن يحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا هذه خاصة وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في سربنا، وعافنا في أجسامنا، وارزقنا رزقا طيبا حلالا وبارك لنا فيه . اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا بذنوبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير، اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك نعم المولى ونعم النصير ، يا رحمن يا رحيم. اللهم أحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، اللهم أحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك يا ذا الجلال والإكرام. اللَّهُمَّ احفظ بَلَدَنا ليبيا واجعلها أمناً وأمانا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وأعن ولاة أمورنا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، ، اللهم اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ولمشايخنا ولمعلمينا ولأصدقائنا ولأحبابنا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ، وَلِلْمُسْلِمِينَ والمسلمات ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأموت  ، يا أرحم الراحمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم . وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،، عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

 

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون