جديد المدونة

المحافظة على البيئة الزراعية


المحافظة على البيئة الزراعية

الحَمْدُ للهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، مُدَبِّرِ الأَمْرِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، خَلَقَ الإِنْسَانَ وَاخْتَارَهُ لِيَكُونَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ، وَسَخَّرَ لَهُ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ، وَحَثَّهُ عَلَى الاعتِنَاءِ بِبِيئَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، شَمَلَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ، حَتَّى الحَيَوانَ وَالنَّبَاتَ، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين ، وَالتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.. أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي جِماع الخيرات، وينبوع البركات، ومصدَر الرحمات، ونور الظلمات، وسببُ الرّقِيّ في علوّ الدّرجات والأمانِ من الدّركات وتكفيرِ الذنوب والسيّئات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } الحديد:28 .

أيها الأخوة الكرام: لازلت خطبنا تتوالى في المحافظة على  البيئة ، فالحديث عنها ذو شجون، لأنَّ هذهِ البِيئَة نعيش فيها، إن فسدت ، فسدت صحتنا، وإن صلحت قويت أجسامنا، والقاعدة الفقهية الأساسية في موضوع البيئة: حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجة عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى، أَنْ « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ ».  قاعدة فقهية جامعة مانعة، الضرر ممنوعٌ أن تحدثه، محرمٌ عليك أن تحدثه ، والضرار إلحاقٌ الضرر بضرر آخر، هذا أصل في العلاقة في البيئة. فإنه لم يحافظ على البيئة مثل الإسلام، ولم يهتم أحد بالنظافة مثل المسلمين، لأن الله سبحانه وتعالى استعمرنا في الأرض ، وخلقنا عليها وهي صالحة ، ونهانا عن إفسادها فقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصلاَحِهَا} الأعراف 56 . وقال سبحانه: {وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} الشعراء 151 ، 152 . فالله سبحانه وتعالى ، أمرنا أن نحافظ على صلاح هذه الأرض، وأن نتصرف فيها دائماً على وجه الصلاح وبقصد الإصلاح ، ولذلك أمرنا الشرعُ بأوامر كثيرةٍ لإصلاح هذه الأرض، ونهانا عن كل ما يفسدها مادياً ودينياً، فأمرنا بالنظافة والمحافظة على الأشجار والثمار، فالمزارع الذي يحرث الأرض ويزرعها ، مطلوبٌ منه المحافظةَ على بيئته الزراعية و، مراعاة ماعليه من حقوق تجاه الناس ، فعليه أن لا يبيع خضرواته  وفواكِهَ ونتاج مزرعته ، إلا بعد نضجها واستوائها ، كما يباع الآن من محصول البرتقال  قبل نضجه ، وكذلك الشعير وغيرها من المحاصيل ،  وقد نهى نبينا عليه الصلاة والسلام عن مثل هذه الأفعال ، جاء في صحيح البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ  صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا ، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ . قِيلَ وَمَا يَزْهُو قَالَ يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ .

وعلى المزارع أيضاً إذا قام برش المبيدات على الخضار والفواكه ، أن لا يبيعها في السوق إلا بعد انقضاء مدة الدواء ، حتى لا يجلب الضرر والأذى  للناس ، إلا  أنه من الملاحظ على بعض المزارعين ، أنهم يستعملون أدويةً محرمة دوليا ، ويرشون بها مزروعاتهم ، وهذه المواد خطيرة جدا بها موادٌ مسرطنة مضرة  بالإنسان ،  وقد يكون المزارع بهذه الأفعال قاتلا عياذا بالله  . وفيها كذلك إساءة إلــى البيئة وإفساد لعناصرها فسادا منهيا عنه, ذم الله جل وعلا فاعله وتوعده , يقول ربنا سبحانه وتعالى { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الاْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } البقرة /203 . فاحذر أيها المزارع من هذه المواد ولا تستعملها واجتنبها ، حتى لا تخسر دنياك وآخرتك ، بسبب دراهم معدودة تحصل عليها ، فيها خسارتك ودمارٌ لبلدك ولأبناء بلدك . كذلك على الجهات المعنية بالزراعة ، متابعة المزارعين ، ومنع استيراد مثل هذه المواد المحرمة والمضرة ، ومساعدتهم بتوفير مواد صالحة ، تساعدهم في زيادة إنتاجهم دون إضرار بالآخرين ، وتكتيف جهود الجميع كذلك ، ضد من يقومون بسرقة أسلاك الكهرباء والكوابل من المزارعين ، أو سرقة أغنامهم ، والتصدي لهؤلاء  ومعاقبتهم ، للحد من هذه الظواهر السلبية ، التي تؤدى المزارع وتحد من نشاطه وإنتاجه.  

إخوة الإيمان : وهذا الحديث يجرنا إلى ظاهرة أخرى خطيرة ، وهي من يقومون ببيع هذه الخضروات والفواكه للمواطنين في الأسواق ، من عمالة وافدة دون حسيب ولا رقيب ، ودون إجراء الكشف الطبي عليهم ، وغالبيتهم مصابون بأمراضٍ خطيرة ، وربما ينشرون الأمراض بين الناس ، فلا بد من إجراء التفتيش الصحي عليهم من قبل وزارة الصحة والحرس البلدي . وإقامة حملات نظافة للأسواق العامة حتى نبعد عن أنفسنا  الضرر ونحافظ على البيئة .

عباد الله : كذلك وجب التنبيه إلى أن  بعضاً من أصحاب السلخانات ، يقومون بدبح الأغنام والإبل في سلخاناتهم ، وطر الفضلات عن طريق الصرف الصحي مما يسبب انسددها، في الشبكة العامة لأحياء المدينة ، فترى الفيضانات في الطرقات وغيرها ، مما يكون سببا في فساد البيئة وانتشار الأمراض والأوبئة والحشرات ، فمن الواجب تفعيل الحرس البلدي والوقوف معه ، للمتابعة والمراقبة والتفتيش الصحي الدقيق لهؤلاء ، من أجل الحفاظ على الوطن وسلامة المواطنين . فلنحذر إخوة الإيمان : من هذا الفساد وغيره من الإفساد للبيئة , الذي سيكتوي الجميع بناره ، وستصاب الأجيال القادمة بأضراره الخطيرة ، بسبب تهاون أصحاب المسئوليات ، وغيرهم من ذوي النيات الخيِّرة في القيام بمسؤولياتهم , وهذا تنبيه من ربنا سبحانه وتعالى علينا أن نتدبره حتى لا نقع فيه يقول جل في علاه : { واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الأنفال/ 25 فلنتق الله عباد الله في أنفسنا وفي بيئتنا ، حتى ننعم بالسلامة والأمن والأمان في بلانا، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة , فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على كل حال, ونسأله العفو والسلامة الدائمة في الحال والمآل , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . أما بعد, فيا عباد الله! : إنَّ جُلَّ المخاطر التي تتعرض لها البيئة ، بِسَبِ ضَعْفِ الوازع الأخلاقي لدى الإنسان، فالأخلاقُ لا تمنح الإنسان معنى إنسانيته وتؤمن له الاستقرار الداخلي وتنظم علاقاته بالآخرين فحسب، وإنما هي أيضاً عنصر الحماية الرئيس للبيئة ومواردها ومكوناتها، وكلما سما الإنسان أخلاقياً وروحياً ، كان ذلك أدعى للاستقرار البيئي ، فضلاً عن الاستقرار الاجتماعي, وكلما تداعت أو تصدعت الأخلاق ، وتردى الإنسان روحياً ، كان ذلك علامة على ازدياد المخاطر البيئية، فضلاً عن الأزمات الاجتماعية، لذا فإن إصلاح البيئة ، يبدأ من إصلاح الإنسان، وإصلاح الإنسان ، لن يكون ميسوراً إلا بإعادة الاعتبار ، إلى القيم الخلقية السامية ، كالرفق والإحسان والاقتصاد والعفة والقناعة, وهذا هو الهدف الأسمى الذي بَعَثَ الله تعالى من أجله نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم , كما جاء في سنن البيهقي  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ ». اللهم ألهم نفوسنا تقواها و رشدها , وزكها أنت وليها ومولاها,  هذا وصلّوا رَحمكم الله على عبد الله ورسوله نبينا محمّدٍ البشير النذير , السراج المنير كما أمَرَنَا ربُّنا بقوله عزَّ قائلٍ عليما:(إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبيء يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارِك على عبدِك ورسولكَ سيدنا محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وَارضَ اللّهمّ عَن خلفائِهِ الراشدين ، وعن سائر الصحب من الأنصار والمهاجرين، وانفعنا اللهم بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم بفضلك يا أرحم الراحمين يارب العالمين .

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون