وقفات مع شهر الصيام
وقفات مع شهر الصيام
الْحَمْدَ
للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِفَرِيضَةِ الصِّيَامِ، وجَعَلَ صِيَامَ
رَمَضَانَ وَقِيَامَهُ سَبَبًا لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ ، أَحْمَدُهُ
سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ ، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، خَيْرُ مَنْ صَلَّى
وَصَامَ وَقَامَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ ، صَلاَةً دَائِمَةً مَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ. أَمَّا
بَعْدُ: فأوصيكم عِبَادَ اللهِ ونفسي بتقوى الله حَقَّ تُقَاتِهِ، فَإِنَّ فِي
تَقْوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ عِصْمَةً مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَسَلاَمَةً مِنَ الْغِوَايَةِ،
وَنَجَاةً مِنَ الْمَهَالِكِ. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ
بِهِ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد28 .
معاشر المسلمين :
مباركٌ عليكم وعلى المسلمين جميعاً ، حلول شهر رمضان المبارك ، شهر الخيرات والبركات
، شهر المغفرة والرحمات ، فلك الحمد والشكر ياربنا ، أن بلغتنا هذا الشهر ، ونحن
في صحة وعافية ، فكم من أناسٍ حيل بينها وبين الصيام والقيام ، يعانون الآلام
والأمراض والأسقام ، فنحمد الله على الوصول ، ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن يصومه
ويقومه إيمانا واحتسابا ، فَيَتَقَبَّلَ الله منهم صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم ،
ويغفر لهم ذنوبهم وسيئاتهم .
رَمَـضَانُ أَقْـَبلَ يَا أُولِي
الأَلْبَابِ
فَاسْتَـقْـبِلُوهُ بَعْدَ طُولِ غِيَـابِ
عـَامٌ مَضَى مِنْ عُمْرِنَا فِي غَفْلَةٍ
عـَامٌ مَضَى مِنْ عُمْرِنَا فِي غَفْلَةٍ
فَتَـنَبَّهـُوا فَالْعُمْرُ ظِـلُّ سَحَابِ
وَتَهَـيَّؤُوا لِـتَصَـبُّرٍ وَمَـشَـقَّةٍ
وَتَهَـيَّؤُوا لِـتَصَـبُّرٍ وَمَـشَـقَّةٍ
فَأُجُـورُ
مَنْ صَبَرُوا بِغَيْرِ حِسَابِ
اللهُ يَجْزِي الصَّائِـمِيـنَ لأَنَّـهُمُ
اللهُ يَجْزِي الصَّائِـمِيـنَ لأَنَّـهُمُ
مِنْ أَجْلِـهِ سَخِـرُوا بِكُلِّ
صِعَابِ
لاَ يَدْخُـلُ الـرَّيَّـانَ إِلاَّ صَائِـمٌ
لاَ يَدْخُـلُ الـرَّيَّـانَ إِلاَّ صَائِـمٌ
أَكْرِمْ بِـَبابِ الصَّـْومِ فِي الأَبْوَابِ
إخوة الإيمان : في مطلع هذا الشهر المبارك ، هذه وقفات ووصايا ، أذكر بها نفسي وإياكم :
إخوة الإيمان : في مطلع هذا الشهر المبارك ، هذه وقفات ووصايا ، أذكر بها نفسي وإياكم :
الوقفة الأولى :
هي وصية نبوية نجعلها نصب أعيننا ، ونحن في بداية هذا الشهر ، فقد جاء في الصحيحين
من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم « .إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ
أَحَدِكُمْ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ
قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ ..» . فالصيام عباد الله: لا يقتصر
عند الإمساك عن الطعام والشراب فحسب ، ولكن هناك صيام عن الإحجام عن الكلام ، الذي
لا يرضي الله عز وجل ، لأن الصائم ليس لائقٌ به ، أن يرتكب فاحش الكلام ورفثه ، فاحفظ
لسانك أيها المسلم الصائم ، ولا تتفوه إلا بما يرضي الله عز وجل، في صحيح البخاري عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ
بِهِ وَالْجَهْلَ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ».
الوقفة الثانية :
ظاهرة الإسراف المنتشرة في مجتمعنا ، وهي في رمضان أكثر انتشاراً ، بما يقدم في
موائد الإفطار ، من أنواع وأصناف كثيرة من طعام وشراب ، ما غلا منها وما رخص ، ثم
لا يؤكل منه إلا القليل ، ويهدر باقيه في النفايات، وهذا خلاف هدي الإسلام العظيم،
الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأنه:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ
إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 31 سورة الأعراف. فكلُّ ما زاد على حاجة
الإنسان واستهلاكه فهو إسراف مذموم، وَلاَ يَرْضَى بِهِ رَبُّ الصائمين ، ويندرج فاعله
تحت قوله تعالى: { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً }الإسراء 26-27.
وقال الله تعالى في وصف عباده المعتدلين: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} 67 سورة الفرقان. فيف
يكون المسلم الصائم ، مسرفا ومبذَّرا في مأكله ومشربه ؟! متعبا أهله بصنع كثير من الأطعمة والأشربة ، حتى
أشغلهم عن العبادة والطاعة ، ولو اقتصر على الضروري ، لوجد هو وأهله وقتاً واسعاً
للتزود من طاعة الله عز وجل .
الوقفة الثالثة :
ونخص بها إخواننا التجار ، فعليك أيها التاجر المسلم ، أن ترأف بإخوانك المسلمين ،
وتحرص على الأجر ، بمتاجرتك مع الله عز وجل ، في مساعدة إخوانك ، فإن فيهم الفقير
والمسكين والمحتاج ، وقليل ذات اليد ، فلا
يكن همك الربح فقط ، واستغلال هذا الشهر برفع الأسعار ، فتؤذي إخوانك وتشق عليهم ،
اسمع معى أيها التاجر وتدبَّر هذا الحديث الذي رواه الترمذي ، جاء فيه أَنَّ النَّبِىِّ
-صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ
« يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ». فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-
وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ « إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ». وإن
كنت صادقا أمينا، فلك البشرى من الحبيب محمدٍ صلى الله عليه وسلم برفقة الأنبياء
والصديقين ففي سنن الدارمي عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري أن النَّبِىِّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ « التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ ،مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ ». فرفقا رفقا بإخوانك أيها التاجر ، وكن من أهل الخير والمعروف
والإحسان في هذا الشهر المبارك ، ولك الأجر والثواب من الله الكريم الوهاب ،، ألا
فلنتق الله عباد الله في صيامنا وقيامنا ، وفي كلامنا وحديثنا ، وفي مأكلنا
ومشربنا ، وفي بيعنا وشرائنا ، ولنجاهد
أنفسنا في طاعة الله ومرضاته سبحانه وتعالى ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
}العنكبوت69 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ اللهِ الَّذِي اخْتَارَ لِلْخَيْرَاتِ أَوْقَاتاً وَأَيَّاماً،
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، كَتَبَ الْمَغْفِرَةَ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ
إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا
بَعْدُ: فأوصيكم عباد الله ونفس بتقوى الله ، واغتنام أيام هذا الشهر ولياليه
وساعاته ، في الاستزادة من الخير، والإقبال على الله عز وجل ، فإن العاقل والله ! لا
يفرط في هذه الأيام ، وما يدريك أخي المسلم ، لعل بعضنا مكتوب في سجل الأموات هذا
العام ، وما يدريك لعلنا لا ندرك رمضان المقبل ، ألا فلنتق الله عباد الله ولنحفظ
أوقاتنا ، ولنعمرها دائما بالخير والنفع وبما يقربنا إلى الله عز وجل .. هذا ثم صلوا
وسلموا رحمكم الله ، على من أمرنا بالصلاة والسلام عليه بقوله جلا وعلا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
} اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد سيد الصائمين القائمين ، وعلى الآل
والصحب أجمعين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم لك الحمد أن بلغتنا شهر رمضان ، فأعنا
فيه على الصيام والقيام ، اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان إيمانا واحتسابا يارب
العالمين ، اللهم اجعل شهر رمضان فاتحة خير ونعمة ونصر وعز للإسلام والمسلمين ، اللهم
اجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهمَّ مَنْ
وليتهم أمور بلادنا ، وفقهم وأعنهم على خدمة البلاد وراحة وسعادة العباد ، وقرب
إليهم أهل الخير والصلاح ، وأبعد عنهم أصحاب السوء والفساد ، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين ، على
الصهاينة الظالمين ، اللهم حرر المسجد الأقصى من أيديهم يا قوي يامتين ، اللهم
انصر إخواننا في سوريا وأزل عنهم الظلم والظالمين ، اللهم أحقن دمائهم ، وصن
أعراضهم ، وأبدل خوفهم أمنا ، وعجل بالنصر لهم يارب العالمين ، اللهم اجعل شهر
الصيام شهر خير ورضوان ، يعم خيره وبره علينا وعلى بلادنا جميعا ، وعموم بلدان
المسلمين ، وبارك لنا فيه بالتقوى والإيمان ، وزيادة الرزق والإحسان يا رب
العالمين،
ليست هناك تعليقات