جديد المدونة

حفظ الأوقات في رمضان


حفظ الأوقات في رمضان

الحمد لله الذي خصَّ رمضان بالفضل والإحسان ، وجعله موسما لنيل العفو والغفران ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل في الجنة بابا يدخل منه الصائمون ، يقال له الريَّان ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، حثنا على حفظ أوقاتنا في رمضان ، وعدم إهدارها في السوء والعصيان ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أولى الفضل والرضوان ، والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان . وسلم تسليما كثيرا  ،، أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فإن تقوى الله تعالى خيرُ لباسٍ يتخذها المسلم وخير زاد يقرب إلى رضوان الله  { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } الأعراف:26 .

 إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَاباً مِنَ التُّقَى

                      تَجَرَّدَ عُرْيَاناً وَإِنْ كَانَ كَاسِياً

وَخَيْرُ خِصَالِ الْمَـْرءِ طَـاعَةُ رَبِّهِ

                     وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً

معاشر الصَّائمين : شهر رمضان ، موسم عظيم مبارك ، ينبغي لكل مسلم أن يغتنمه أحسن اغتنام ، ويستغله أحسن استغلال ، وأن يحذر من التفريط والتضييع فيه ، لأنه موسم من المواسم ، التي يضاعف الله عز وجل فيها الحسنات والثواب على الأعمال الصالحة ، ومن رحمة الله سبحانه وفضله، أن جعل الحسنة بعشر أمثالها دائما ، وليس في شهر رمضان فقط ، فإذا عمل العبد حسنه ، كتب الله عز وجل له بتلك الحسنة عشرَ حسنات ، إلى أن تصل إلى سبعمائة ضعف ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه  قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ .. ». فكيف يفرط المسلم في هذا الأجر العظيم ، وخاصة في شهر رمضان ، شهر التجليات ، فلا تجعل أيها المسلم أيام رمضان كأيامك العادية  ! بل فلتجعلها غرة بيضاء ، في جبين أيام عمرك ، واحرص على نظافة صومك ، كحرصك على نظافة ثوبك ، فاحفظ وقتك ، باجتناب اللغو ، والفحش ، ورذائل الأخلاق ، وأدي فريضة الصيام بإخلاص وطواعية ، أدي هذه الفريضة واحفظها مما يشينها، فالصوم الحقيقي ، ليس مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والاستمتاع ، ولكنه مع ذلكم ، إمساك وكف عن اللغو والرفث ، والصخب والجدال في غير الحق ، وكف عن الكذب والبهتان ، والهمز واللمز ، والأيمان الكاذبة ، وإمسـاك عن السباب ، وعن قذف المحصنات ، إمساك وكف عما لا يحل سماعه ، من لهو وغيبة وغيرهما ، إمساك عن إرسال النظر إلى ما لا يحل ،،  فالصائم حقيقة ، من خاف الله في عينيه ، فلم ينظر بهما نظرةً محرمة ، واتَّقى ربه في لسانه ، فكف عن كل قولٍ محرم ، وَخَشِيَهُ في أُذُنَيْهِ ، فلم يسمع بهما منكراً ، وَخَشِيَهُ في يديه فمنعهما من سرقةٍ وَغَصْبٍ وَغِشٍّ وإيذاء ، وَخَشِيَهُ في رجليه فلم يمش بهما إلى حرام ، وَخَشِيَهُ في قلبه فَطَهَّرَهُ من الحقد والغل والحسد والبغضاء ، قال جابرٌ رضيَّ الله عنه { إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً } .. فلا تكن أيها المسلم  من أولئك الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ »رواه بن ماجة .

إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ

           وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ

فَحَظِي إِذاً مِنْ صَوْمِيَ الْجُوعُ وَالظَّــمَأْ

            فَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَوْمِيَ فَمَا صُمْتُ

فاجعل من صومك أيها المسلم ، مدرسة تهذب فيها نفسك ، وتعلمها محاسن الأخلاق ، وتربيها على الفضيلة ، حتى إذا انقضى رمضان ، أحسست بالنتيجة الطيبة لصومك ، وكنت من المنتفعين بهذا الشهر المبارك . قال الحسن البصريُّ رحمه الله : " إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه ، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا ! فالعجب من اللاعب الضَّاحك ، في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ! ويخسر فيه المبطلون" !.

فلنحذر عباد الله : من التفريط في هذا الشهر العظيم ، فأيامه معدودة ، وساعاته محدودة ، فلا نكن من أولئك الذين جعلوا رمضان موسم للهو والعصيان ، والغفلة والإعراض عن الرحمات والنفحات الإلهية ، اسمعوا وتدبروا معي قول الله تبارك تعالى { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}طه 124 – 126  . فكم تتألم النفوس المؤمنة ، وكم تتقطع حسرة على ما تراه من شبابنا المسلم ، الذين اجتمعوا على اللهو، وقتل الأوقات في ليالي رمضان الفاضلة ، فيؤذون الناس ويزعجونهم ويقلقونهم ، ويعتدون عليهم في هذه الليالي المباركة ، التي ينبغي أن تكون ليالي عبادة وطاعة ، وتسامح وعفو ومغفرة ، فيا خسارة المفرطين وياندامتهم يوم وقوفهم بين يدي رب العالمين عند مناداته وسؤاله لهم { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:65). فماذا سيكون جوابهم ؟.فلنجتهد أيها الأخوة الصائمون، في اغتنام أيام العمر ولياليه ، وعدم التفريط والتضييع فيها ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} الاسراء:72. وفقنا الله جميعا لكل خير ، وأبعد عنا كل سوءٍ وشر ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء .. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ادعو الله ..

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ووفقنا لإدراك شهر الصيام والقيام ، أحمده سبحانه وله الحمد في البدء والختام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، خير من صلى وصام وقام ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه الكرام ، والتابعين لهم بإحسانٍ على الدوام ، أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ولنوصي أنفسنا بقول ربنا  سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر:18)

إخوة الإيمان : فلنحافظ  على أوقاتنا في رمضان ، لأن الوقت هو رأس مال الإنسان في هذه الحياة البالية ، يربح إن أحسن استخدامه ، ويخسر إن أساء استغلاله ، إن فرط في الوقت وضيَّعه فقد ضيع دنياه وآخرته ، وإن حافظ عليه فقد حفظ دنياه وَضَمِنَ آخرته ، فالوقت هو أنت أيها الإنسان ، فإن زال زلت ، وإن بقي بقيت إلى حين موقوت . ورمضان ضيف عزيز مرتحل ، يحل في مرابعنا اليوم ، ويحزم حقائبه ويسافر غدا ، أنفاسه خاشعة ، وساعاته ذهبية ثمينة ، لياليه مليئة زاخرة بتجليات الرحمان وفيوضاته ، وساعات النهار مزدحمة بنفحات الحق وعطاءاته ، والكيِّس الذي لا يدع ساعاتِ ليل أو أطراف نهار إلاَّ ويجعلُها مطية ومركب عبادة ، قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله - : " ما من يوم ينشقُّ فجره إلا ويُنادي : يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزوّد منِّي فإني إذا مضيتُ لا أعود إلى يوم القيامة ".. وعن بن عباس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " النَّادِمُ يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةُ ، وَالْمُعْجَبُ يَنْتَظِرُ الْمَقْتُ ، وَكُلُّ عَامِلٍ سَيَقْدُمُ عَلَى مَا سَلَفَ عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَإِنَّ مَلاكَ الأَعْمَالِ خَوَاتِمُهَا ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَانِ فَارْكَبُوهُمَا بَلاغًا إِلَى الآخِرَة ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّسْوِيفَ بِالنَّوْبَةِ ، وَالْغَرَّةَ بِحِلْمِ اللَّهِ عَنْكُمْ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  } سورة الزلزلة آية 7-8 "

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا ويوفق المسلمين جميعا لصيام شهر رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه ويقرب إليه، وأن يصلح قلوبنا وأقوالنا وأعمالنا، إنه سميع مجيب ، هذا ثم صلوا وسلموا رحمكم الله ، على من أمرنا بالصلاة والسلام عليه بقوله جلا وعلا  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد سيد الصائمين القائمين ، وعلى الآل والصحب أجمعين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين  ، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام ، واحشرنا في زمرة خير الأنام ، ياذا الجلال والإكرام ..

ليست هناك تعليقات

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون