أيام ونستقبل شهر الصيام
أيام ونستقبل شهر الصيام
الحمد
لله الذي وَصَلَ عباده بنعمه ولطائفه، وعمَّر قلوبهم بأنوار الدِّين ووظائفه، وجعل
للأوقات شأناً في عبادته، وَنَوَّعَ العبادات على حسبِ حُكْمِهِ وحكمته، أحمده
حمداً يدوم بدوام جوده ورحمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا راد
لأمره ولا مُعَقِّبَ لإرادته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه
وأكرم بريَّته ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وجميع صحابته ، وتابعيهم
بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى
وطاعته، والمسابقة بالأعمال الصالحة إلى مغفرته وجنته، وشكره على كريم عطاياه
وجزيل نعمه، وإياكم والمعاصي فإنها مفاتح غضبه ونقمته.
إخوة الإيمان:
أيام قلائل تفصلنا عن شهر رمضان ،شهر الخير والبركات ، شهر البر والخيرات ، شهر الأعمال
الصالحة والطاعات ،الشهر الذي تضاعف فيه الأعمال ، وترفع فيه الدرجات ، وتكفر فيه
السيئات ، ويزاد فيه رزق المؤمن ، جاء في صحيح بن خزيمة عَنْ سَلْمَانَ
الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ
، قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
، فَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ ، وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا ، فَمَنْ
تَطَوَّعَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً
فِيمَا سِوَاهُ ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً ،كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ
فَرِيضَةً ، فَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ ، وَهُوَ
شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ ، وَهُوَ شَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ ، مَنْ
فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، وَمَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ .
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ليس كُلُّنَا نَجِدُ مَا نُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ
. قَالَ : يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ
لَبَنٍ ، أَوْ تَمْرٍ ، أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا كَانَ
لَهُ مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ ، وَسَقَاهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لا
يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا . وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ ،
وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ .. ».
إخوة الإسلام :
ونحن نستعد لاستقبال هذا الشهر ، علينا بالرجوع إلى الله ، بالتوبة الصادقة من
الذنوب والمعاصي ، التي تصدر من أقوالنا وأفعالنا، لأننا نذنب بالكلمة ، ونعصى
بالنظرة ، وهذا يحتاج منا إلى توبة صادقة ، فالصوم جهادٌ وتربيةٌ للنفس، وتدريبٌ
للجوارح على طاعة الله والتَّقَرُبَ إليه وعدم عصيانه ، روى الطبراني عَنْ
عُبَاَدَةِ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا وَحَضَرَ رَمَضَانُ : « أَتَاكُمْ
رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ ، فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللَّهُ فِيهِ ،
فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ ، وَتُحَطُّ الْخَطَايَا ، وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ
، فَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ ،
فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ
فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». فلنستقبل يا عباد الله شهر الصيام بصفاء
النفس ، وطهارة القلب من الغل والحقد والكراهية والبغضاء ، خاصةً وَأَنَ بلادنا
حفظها الله ورعاها من كل مكروه ، قد مرت بمرحلةٍ قاسيةٍ صعبة ، تغيَّرت فيها
القلوب وتشعَّبَت فيها الأحداث ، وتحاملت فيها الأنفس ، على شيءٍ قدَّرَهُ اللهُ
وأجراهُ على حَسَبِ إرادته ومشيئته ، فلنراجع أنفسنا ، ونلعن الشيطان الرجيم ، ونهجر
الأهواء النَّفسية ، قبل حلول الشهر المبارك ، وننظر إلى أنفسنا أننا إخوةٌ في
الله ، يجمعنا قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأننا أبناء وطنٍ واحد وبلاد واحدة
ومجتمع واحد وأمة واحدة ، كلنا على قرابة وصلةٍ وأرحام وجوار، فلا يجوز لنا أن
نعكر صفو عبادتنا ونحن نستقبلها، بالنفور والتهاجر والتقاطع ، بل نستقبلها بالصفاء
والمحبة الصادقة ، والكلمة الطيبة الحلوة ، وننتهي عن هذه الألقاب السيئة ، التي
تصدر من أصحاب النفوس الضعيفة ، ونرضى بما قدره الله وقضاه ،، وأنت أيها الشاب
المسلم ، لتكن لك بصمة خير، تنال أجرها
وأنت تستقبل شهر رمضان ، بأن ترجع إلى الله بالتوبة الصادقة النَّصوح ، فالله جل
وعلا يقبل كل من تاب ورجع إليه ، ومن أغواه الشيطان من الشباب والرجال ، فشرب
الخمر وتعاطى المخدر وفعل الفاحشة ، وأقلق الناس وأزعجهم بإطلاق النار العشوائي ، وبالقذائف
الصاروخية ، فأرهب الصغار والكبار في بيوتهم وشوارعهم ومحالهم، وأقلق راحتهم
بالليل والنهار ، فليعلم من يفعل هذا ، أن الناس يدعون عليه ، ويشكونه إلى الله جلَّ
وعلا ، وكذلك من أطلق لسانه في أعراض الناس ، نهشا وتقطيعا وذمّاً وقدحا ، كل
هؤلاء مطالبون بالتوبة من هذه الأفعال ، فنحن يا عباد الله نتمنى من أعماق قلوبنا ،
أن لا نرى لهذه الأفعال أثرا ولا صيتا في شهر رمضان ولا في غير رمضان . ألا فاتقوا
الله عباد الله وتوبوا إليه واستغفروه ، وأطيعوه ولا تعصوه ، أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ
يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ، وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ
هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النمل 98 - 90 . نسأل الله تعالى
أن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ، وأن يجعلنا من التائبين المستغفرين ، إنه سميع قريب
مجيب الدعاء .. أقول قولي هذا وأستغفر لله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد
لله الذي جعل لعباده مواسم للخيرات، يتسابقون فيها بأنواع الطاعات ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، يقبل التوبة ويغفر الذنوب والسيئات، وأشهد أن
سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، رغبنا في اغتنام شهر الخيرات
والبركات ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما
بعد: فيا عباد الله علينا بتقوى الله
القائل {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ
نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281 . نسأل الله تعالى أن
يجعلنا من المؤمنين المتقين ، وأن يبلغنا شهر رمضان ، ونحن في صحة وعافية ، وأن يُعِنَّا
فيه على الصيام والقيام ، وفعل الخيرات واجتناب المعاصي والآثام . هذا ثم صلوا
وسلموا رحمكم الله ، على من أمرنا بالصلاة والسلام عليه بقوله جلا وعلا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
} اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم
بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذل الشرك
والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين ، واجعل بلدنا ليبيا سخاءً رخاءً أمنا وأمانا ،
وسائر بلاد المسلمين اللهم من وليتهم أمور
بلادنا ، وفقهم وأعنهم على خدمة البلاد وراحة وسعادة العباد ، وقرب إليهم أهل
الخير والصلاح ، وأبعد عنهم أصحاب السوء والفساد ، اللهم احفظ المسلمين في سوريا
وفلسطين وأزل عنهم الظلم والظالمين ، وقوهم وامددهم بمدد من عندك يا كريم واحفظنا
وإياهم من الفتن والمفتنين يا رحمان يا رحيم ،، اللهم اجعل شهر الصيام شهر خير
ورضوان ، يعم خيره وبره علينا وعلى بلادنا جميعا ، وعموم بلدان المسلمين ، وبارك
لنا فيه بالتقوى والإيمان ، وزيادة الرزق والإحسان يا حنان يا منان . اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ، وَلَا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ .عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 . اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه
على عموم نعمه وفضله يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، سبحان ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .. ويغفر الله لي ولكم
وأقم الصلاة ..
ليست هناك تعليقات