جديد المدونة

العبادة وأثرها في سلوك المسلم


العبادة وأثرها في سلوك المسلم
الحمد لله الذي أمرَنا بعبادته ، فكان بعبادهِ خبيراً بصيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه وتعالى في الحديث القدسي « يَا عَبْدِى مَا عَبَدْتَنِى وَرَجَوْتَنِى، فَإِنِّى غَافِرٌ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ، وَيَا عَبْدِى إِنْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى ، لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الإمام أحمد.  وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، بلغ الرسالةَ وأدى الأمانة ، وتركنا على المحجةِ البيضاء ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين  ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعدُ فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته ، والفوز بعبادته ، فإن الله سبحانه وتعالى خلق الجنَّ والإنسَ لِيَعْبُدُوهُ ، وفي ذلك شَرفَهُمْ وَعِزَّهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ في الدنيا والآخرة ، لأنهم بحاجةٍ إلى ربهم ، ولا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ، وهو غنيٌ عنهم وعن عبادَتهم ، يقول سبحانه وتعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 . ويقول جل وعلا { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ }الزمر7.. فالعبادةُ عباد الله: هي التقربُ إلى الله تعالى بما شرع من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، ولكي يَعْرِفَ العبادُ حقيقةَ هذه العبادة ، لم يَكِلَهُمْ جل وعلا إلى أنفُسِهم ، بل أرسل إليهمُ الرسل ، وأنزل الكُتُبَ ، لِيُبَيِّنَ هذه العبادة ، يقول عز وجل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنُ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }النحل36. ولكي تلقى عِبَادَتَنَا قَبُولاً من الله جل وعلا، فينبغي على العبد أن يُخلص بها لله تعالى ، يقول عزَّ سلطانه { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110.
مَا فِي الْوُجُودِ سِوَاكَ رَبٌّ يُعْبَدُ
                   كَلاَ وَلاَ مَوْلًى هُنَاكَ فَيُقْصَدُ
يَا مَنْ لَهُ عَنَتِ الْوُجُوهُ بِأَسْرِهَا
                  رَهَبًا وَكُلُّ الْكَاِئَنَاتِ تُوَحِّدُ
أَنْتَ الإِلَهُ الْوَاحِدُ الْحَقُّ
                  الَّذِي كُلُّ الْقُلُوبِ لَهُ تُقِرُّ وَتَشْهَدُ
معاشر المسلمين : إن العبادةَ إذا أدَّى المسلم حقَّها، وَحَرِصَ على أدائها بصدقٍ وإخلاص ، كان لها أثرا بالغا على سلوكه في مجتمعه ،، فعلينا عباد الله : أن نخلص لله في عبادَاتِنَا ، حتى يكون لها أثرا مباركا في سلوكنا وأعمالنا ، فعلى الطبيب التقي الغيور على بلاده وأهلها ، أن ْتَجْعَلَهُ هذه العبادة، يُضَاعِفُ جُهْدَهُ ووقْتَهُ ، من أجل تقديم علاجٍ ناجحٍ للمرضى ،، وكذلك ما يقدمه المُعلم التقي المخلص، من مُضَاعَفَةِ جُهْدِهِ لطلابه ، من توجيهٍ ناجحٍ وتعليمٍ مفيد ، يخدُم البلاد ويُسعد العباد ،، وما يقدمه رجل الأمن الغيور المحب لوطنه ، من توجيهٍ في الطرقات ، وحراسةٍ للمنشآت ، مضحياً بنفسه ، حازما في تطبيق عمله رحمةً بأبناء وطنه ، فعلينا عباد الله: أن نَتَكَاتَفَ جميعا بتقدير جهود هؤلاء المخلصين ، وأن نُكِنَّ لهم التقدير والاحترام ، وأن نساعدهم بالتزامنا ، فهذه الأعمالُ الصالحات ، تَأْتِي ثَمَرَةً إيماننا وَتَقْوَانَا وَإِخْلاصِنَا لله تعالى ، في مسند الإمام أحمد ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ ، حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَاناً مِنْ عُمْرِهِ ، أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ ، بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً سَيِّئاً . وَإِنَّ الْعَبْدَ لِيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحاً ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ ». فالعمل الصالح هو سفينة النجاة ، التي أشار إليها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله :
إِنَّ للهِ عِـَــباداً فُطُنًا        طَلَقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الْفِتَنَا
نَظَرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا    أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا     صَالِحَ الأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا
فلنكن عباد الله من هؤلاء الْفُطَنَاءِ الذين عرفوا الله تعالى فاتقوه وأخلصوا في طاعته ، وعرفوا الحق فاتبعوه ، والباطل فاجتنبوه ، والنار فهربوا منها ، والجنة فعملوا من أجلها ،  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ، وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }محمد12. أجارنا الله جميعا من النار، وجنبنا طريق المنافقين والكفار، وجعلنا من المتقين الأخيار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ..
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لهُ العزَّةُ والكبرياء ، وله الشكرُ والثناء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة يَجْمَعُ بها شَمْلَنَا ، وَيُوَحِّدُ بها فُرْقَتَنَا ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فيا عباد الله : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّى قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَقَالَ « .. عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ ، وَسَاءَتْهُ  سَيِّئَتُهُ ،، فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ » رواه الترمذي. فهذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم ، يأمُرُنا بعدم الفُرْقَة ، وَيَحُثُّنَا على التماسك وتوحيد الصفوف ، فحريٌ بنا معاشر المسلمين : أن نَدْعُوَا للتَّمَاسُكِ واللُّحْمَةِ الوطنية ، من أجلِ أن تكونَ بلادُنا أرضًا واحدة ، وشعبًا واحدا ، فَالْوَحْدَةُ قُوَّةٌ وَعِزَّةٌ وَمَنَعَةٌ ، وَتَقَدمٌ وازْدِهارٌ ونماءٌ ، والتَّفَرُقُ خُذْلاَنٌ وَضَعْفٌ وَهَوَانٌ ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا متحدين متعاونين ، متحابين متناصحين ، وأن لا يجعلنا من المتفرقين المتخاصمين الغافلين

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك على هدا الطرح الشيق والاستدلالات الكبيرة في معانيها لقضية تشفل بالنا وكثرت اشكال الطرح وخاصة في قنواتنا الاداعية الى درجة التحريض على عدم المسامحة والانتقام لا قدر الله . وكنت اتمنى ان تكون الاولوية لطرح تفعيل القضاء اولا وبما ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع في مجتمعنا فالشرع يحثنا على التقاضي عند التخاصم ثم تأتي المعاني السامية الاخرى مثل الصفح والعفو عند المقدرة والصبر وغيرها
    المنتصر بالله / سبها سكرة

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا أخي المنتصر بالله وأحسن الله إليك ، وشكرا لمتابعتك لمدونتي المتواضعة .. نعم أخي لابد من إرجاع الحقوق ومحاسبة المخالفين ثم تأتي بعد ذلك المصالحة لمصالحة الوطنية بين الجميع . علينا نحن الليبيين توحيد كلمتنا وصفوفنا وتغليب مصلحة ليبيا على مصالحنا ، وأن لا نسمح لأحدٍ بأن يسلب حريتنا مرة أخرى ، وأن ننظر لمستقبل أبناءنا فهم عماد الوطن .. شكرا .

    ردحذف

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون