جديد المدونة

الكلمة الطيبة وأثرها في النفس


الكلمة الطيبة وأثرها في النفس

الحمد لله الذي أحسن خَلْقَ الإنسان وعدّله ، وعلمه البيانَ وبه فضّله ، وأمَدَّهُ بلسانٍ لينطقَ به أطيبِ الكلامِ وأجمله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يقول وهو خير القائلين  { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة83 . وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل فيما ورد عنه « الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ .. »رواه أحمد.اللهم صل وسلم على صاحب الكلِم الطيب ، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على نهجه وسلكوا طريقَتَهُ ، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد ، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله واحرصوا على القول الحسن السديد ، والكلام الطيب الجميل ، ففي ذلك الصلاح والفوز في الدنيا والآخرة يقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب70 ، 71 .

معاشر المسلمين : الإسلام يريد من المسلم أن يكون كلامه طيبا حسنا ، يبني ولا يهدم ، يجمع ولا يفرق ، فمن استعمل لسانه بألفاظ الحكمة ، والقول النافع الطيب ، وَضَبَطَهُ بخلق الدين وتعاليم الشرع ، فقد فاز بأعظم النِّعم، وكسب محبة مولاه جل وعلا ، وارتقى بنفسه وبمجتمعه وأمته ، ومن أطلق لسانه وساده فاحش الكلام وبذيئه ، وقلة الحياء فَقَدْ فَقَدَ القيم ، وازدانه رذيل الخلق ، فهلك واعوج طريقه ، ولحق به العذاب ولظى جهنم ، اسمعوا معي وتدبروا عباد الله : هذا الحديث الذي يخلع القلوب ، وقفوا عنده واكتبوه في سويداء قلوبكم ، ففيه العظة والعبرة ، في سنن بن ماجة عن بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ». فيا أيها المسلم: تدبر هذا الحديث وحققه في نفسك، وضعه دائما نصب عينيك ، فكفى به رادعا لك من التحدث دون أن تفكر ، فقد تدخل الجنة بكلمة ، وقد تدخل النار بكلمة ، فالمسلم عندما يتحدث دائما بالكلام الطيب الحسن ويداوم عليه، يصبح ذلك سلوكا عنده ، فالكلمة الطيبة ستؤثر في نفسه ، وفي بيته وفي مجتمعه ، ليحظى  برضوان الله جل وعلا ،، فالكلمة الطيبة ، كالشجرة الطيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، يقول الله تبارك وتعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء  ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ، وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }إبراهيم 24 . 25 . 26 . فينبغي عليك أيها لمسلم : أن يكون كلامك جميلا ومنطقك سليما طيبا ، مع من حولك ، متوافقٌ ذلك مع سلوكك وفعلك ، وفيه الخير والنفع دائما  ، فالكلمةَ الطيبةَ ، لها مزايا عديدة ، تقربُ القلوبَ وتذهبُ أحزانها ، وتمسحُ غضبها ، ويشعُر مُسْتَمِعَهَا بالسعادة ، وخاصةً لو رافقتها ابتسامةٌ صادقة ، فالكلمةُ الطيبةُ هي الكلامُ الحسن ، الذي يَلْفِظُهُ اللسان ، فَيُّسرُ منه المُسْتَمِع ، ويُحْدِثُ أثرا طيبا في نفوس الآخرين ، يقول جل وعلا  { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34 . فاحرص أيها المسلم : أن يعم خيرك ، وأن تكف شرك ، واجعل كبير المسلمين أبا ، وصغيرهم ابنا ، وأوسطهم أخا ، فأي أولئك تحبَّ أن تسيء إليه ، هكذا قال عمر بن عبد العزيز ، وقال يحي بن معاذ: لِيَكُنْ حَظُّ المؤمن منك ثلاثة : إن لم تنفعه فلا تضرُه ، وإن لم تفرحه فلا تغمُّه ، وإن لم تمدحه فلا تذمَّه . ومما يروى في حسن القول وجمال المنطق ، أنه لما وليَّ عمر بن عبد العزيز ، وفد إليه أهل الحجاز ، فتقدم  غلامٌ منهم للكلام ، وكان حديث السن ، فقال له عمر : ليتكلم من هو أسن منك ، فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إنما المرء بأصغريه ، قلبه ولسانه ، فإذا منح الله عبدا لسانا لافظا ، وقلبا حافظا ، فقد استحقَّ الكلام ، وعرف فضله من سمع خطابه ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن ، لكان في الأمة من هو أحقُّ بمجلسك هذا منك ، فقال عمر صدقت ، قل ما بدا لك ، فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، نحن وفد تهنئة  لا وفد مرزئةٍ – منقصة -، وقد أتيناك لمنِّ الله الذي منَّ علينا بك، لم تُقدِمْنا إليك رغبةٌ ولا رهبة ، أما الرغبة فقد أتتنا منك إلى بلدنا ، وأما الرهبة فقد أمنَّا جَوْرَكَ بعدلك ، فقال له عمر : عظنِي ياغلام . فقال أصلح الله أمير المؤمنين ، إن أناسا من الناس غرَّهم حِلْمُ الله عنهم ، وطول أملهم ، وكثرةِ ثناء الناس عليهم ، فزلت بهم أقدامٌ فهووا في النار ، فلا يغرنَّك حلم الله عنك ، وطول أملك ، وكثرة ثناء الناس عليك ، فتزل بك قدمك فتلحق بالقوم ، فلا جعلك الله منهم ، وألحقك بصالحي هذه الأمة ، ثم سكت ، فسأل عمر الغلام عن سنِّه ، فإذا هو ابن إحدى عشرة سنة ،  فتمثل عند ذلك عمر قول القائل :

تعلَّم فليس المرء يولد عالما

                   وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل

وإنَّ كبيرَ القومِ لا علمَ عنده

                 صغيراً إذا التفَّت عليه المحافل

فانظروا عباد الله : إلى هذا الغلام الصغير، الذي ماكان له أن يتقدم قومه ، لولا حسن كلامه وجمال منطقه ، فما أحوجَنَا ونحن في وقتنا الحاضر ، أن نتعلم من هذا الغلام حسن الكلام ، الذي يصلح من  أنفسنا وينفع مجتمعنا ، مبتعدين عن الكلام السلبي الذي يهدم المعنويات ، ويدمر النفوس ، فهذا حبيبنا عليه الصلاة والسلام  ، يحثُّنا على أن لا نتلفظ إلاَّ بحسنِ الكلامِ وطيبه ، لما له أثرٌ في النفوس ، وصلاح ٌ للمجتمع ، يقول عليه الصلاة والسلام « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » رواه البخاري.. حفظ الله ألسنتنا وكلامنا عن كل مايسيئ لإخواننا ومجتمعنا ، وجعل منطقنا جميلا وكلامنا حسنا سليما سديدا ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  ..

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تعظيما لألوهيته وإرغاما لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، خير من أرسله الله تعالى بالحق إلى كل البشر ، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر، وأذن بخبر ، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض والمحشر . أما بعد . معاشر المسلمين : يقول الله تبارك وتعالى { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }الإسراء53 . فما أحوجنا أيها الإخوة إلى حسن القول ، وطيب الكلام ، في التعامل مع بعضنا ، وخاصة في دوائرنا الحكومية ، من مستشفيات ومصارف ومؤسسات تعليمية ،  ومحالٍ تجارية ، وَغَيْرِهَا ، نحتاج في هذا التعامل إلى طيب القول ، وطلاقة الوجه وسماحة الأسلوب ، هكذا ينبغي أن يتعامل المسلم مع الناس ، شِعَارُنَا في ذلك المَحَبَةُ والودُّ والتآلف ، وليس الفُحْشُ والتَّجَهُّمُ وإغلاظُ القول ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه { البرُّ شيءٌ هَيِّنٌ ، وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن } فاتقوا الله عباد الله : واعلموا أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يَسَعُهُمْ منكم بسط الوجه وكفُّ الأذى ، وحسنُ الخلقِ وطيِّبُ الكلام .. هذا ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير ، كما أمرنا  بذلك العلي القدير ، في كتابه المنير ، فقال عز قائلا عليما  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب اللسان الذاكر والقلب الشاكر ، والكلمة الطيبة المباركة ، وعلى آله وصحبه وسلم

هناك تعليق واحد:

نعتز بديننا وبتراثنا وأصالتنا

المتابعون