يوم عرفة وفضائله
يوم عرفة وفضائله
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، ثمَّ الحمدُ لله ربِّ العالمين ، به نستعين وعليه نتوكل وهو أرحم الراحمين ، يعلم نوايانا وما يجول في خواطرنا ، وهو الرَّقيب العليم ، نحمده سبحانه ونشكره ، على مواسم الخيرات والنَّفحات ، التي خصَّ فيها عباده المؤمنين والمسلمين ، بواسع رحمته ومغفرته وتجلِّياته، ومنها يوم عرفة ، يومُ الحجِّ الأكبر ، وأشهد أن لاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً تُدْخِلُ الطُّمَأْنِينَةَ في القلوب ، والانشراحَ في الصُّدُور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسوله ، شهادةٍ صادقةٍ صافية ، ننال بها إن شاء الله شَفَاعَتَهُ ، والشُّربَ من حوضه ومرافقتِه في الجنَّة ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الذين مجَّدوا يوم عرفة ، وانشغلوا فيه بذكر الله وبطاعته ، وطلب مغفرته ورضوانه ، نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا وعلى جميع المسلمين بتقواه ، وأن يرضى عنا ويغفر لنا ويرحمنا .
عباد الله : مرت الأيام العشر من شهر ذي الحجة سريعا ، فهنيئا لمن زاد فيها الطاعات ، واغتنم فيها الأوقات ، بالذكر وقراءة القرآن الكريم، والتكبير والاستغفار، وها نحن اليوم ، نقف على عتبة يوم عرفة ،الذي هو يوم التاسع من شهر ذي الحجة ، فعلينا أن نشتغل فيه بالصيام وكثرة الذكر، ففي سنن الترمذي أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ». فأكثر يا أخي المسلم ، من هذا الذكرفي هذا اليوم ، وإن فاتك الصيام في الأيام الماضية ، فلا تترك صيامَ يوم عرفة ، فقد سُئِلَ عليه الصلاة والسلام ، عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ :« يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً ». فلا تتغافلوا عن هذا اليوم ، واحرصوا على هذا الأجر العظيم ، فإن الله عز وجل يباهي ملائكته بأهل عرفة ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى مَلاَئِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى أَتَوْنِى شُعْثاً غُبْراً ». وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال ، يقول الله تعالى لملائكته { أشهدكم أني قد غفرت لهم } فإذا كان المولى عز وجل، يتجلى على الحجاج في يوم عرفة ، ولا يأتي آخر النهار وغروب الشمس ، إلا وقد غفر لهم ، أفلا يحق لنا ، أن نطلب الرحمة والمغفرة من ربنا مثلهم ، نعم يا إخوة الإسلام: يحق لنا أن نطلب الرحمة والمغفرة مثلهم ، وأن نُفَعِّلَ هذه الرحمة فيما بيننا ، ونسعى كذلك للرفق واللين والتراحم بين بعضنا البعض ، خاصة وإننا إن شاء الله تعالى ، دخلنا في عهد جديد ، ونظام جديد في بلادنا ليبيا ، وهذا العهد الجديد ، يحتاج منا أن نتراحم ولا نتباغض ، من أجل ماذا ؟ من أجل سعادة وتقدم الوطن ، نتراحم فيما بيننا في القلوب ، ونتراحم في الكلمات ، ونتراحم في المعاملات ، وخاصة وإننا قد مررنا بظروفٍ صعبةٍ في بلادنا ، ولازلنا نحتاج إلى التصافي والتسامح ، وإصلاح ذات البين ، من أجل أن تعود الحياة في بلادنا إلى وضعها الطبيعي ، من عملٍ وإتقان ، وبناءٍ وتعمير ، وصناعةٍ وزراعة ، وتجارةٍ وبيعٍ وشراء ، وعدلٍ ومساواةٍ في الحقوق والواجبات ، وَبُعْدٍ عن الظُّلم والفساد ، فعلى كل واحدٍ منا ، أن يفتح صفحة جديدة ، ينهج فيها نهج طريق الاستقامة ، والمعاملة الحسنة مع أخيه المسلم ، لأنه لا بد لنا أن نختلط مع الناس ، ومع أبناء المجتمع، ونعاملهم ويعامِلُوننا ، فلا بد من الصبر وَسِعَةِ الْبَالِ ، فاختلاف وجهات النظر أمر طبيعي، والآراء تختلف من شخصٍ لآخر ، وذلك لاختلاف العلوم والثقافات ، فلا يكن ذلك عائقا لنا في مسيرة الحياة ، والنهوض ببلادنا ليبيا ، المهمُ أن نجعل رِضَا الله تعالى والخوف منه دائما نصب أعيننا ، ولا نفعل ما يغضبه ، ولنكن أصحاب ضمائر حيَّةٍ يقظة ، نعمل جميعا يداً واحدةً ، في جميع مجالات الحياة ، ونصلح حاضرنا ، حتى نسعد في مستقبلنا إن شاء الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلا بالعمل والجدِّ والإصرار ، والتحمل والصبر والتراحم . قال عليه الصلاة والسلام « إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام « إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » البخاري. نسأل الله تعالى أن يرحمنا ، وأن يجعلنا رحماء فيما بيننا ..
إخوة الإيمان: وبمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك ، نقف وإياكم مع بعض من أهم أحكام الأضحية ، فانتبه رعاك الله أيها المضحى ، إلى ما يجزئ من الأضاحي، فالأضحية ، قربةٌ يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، والله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة وسليمة، وخاليةً من العيوب ، التي تنقص من لحمها وشحمها، ولذلك اشترط فقهاؤنا شروطا تتعلق بالأضحية ، أذكر لكم أهَمَّهَا: وهي أن تكون الأضحية من النعم ، وهي : الإبل والبقر والغنم ،، والضأن أفضل في الأضحية، لما روي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ، ضَحَّى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. والفحل أفضل من الخصي ، والخصي أفضل من الأنثى . وأقل ما يجزئ في الضحايا ، الجذع من الضأن، وهو ما أتم ستة أشهر وقيل ثمانية، وقيل عشرة، وقيل ابن سنة كاملة ، فكلُّها جائزة ، وأما ما يجزئ من المعز ، الثني ، وهو ما أوفى سنةً ودخل في الثانية دخولا بينا ، والثني من البقر، وهو ما أوفى ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، والثني من الإبل وهو ما أوفى خمس سنين ودخل في السادسة ، ويشترطُ في الأُضْحِيَةِ كذلك ، السلامة من العيوب ، وذلك لحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم- « الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا ، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لاَ تُنْقِى ». فلا تصح إن كان المرض شديد ، ولا البشم الشديد ، والجرب البين ، والجنون الدائم ، والعجفاء ، والعرجاء ، والعوراء التي ذهب بصرها، والبتراء التي لا ذَنَبَ لها، والبكماء ، والصمعاء وهي صغيرة الأذنين ، والبخراء منتنة رائحة الفم ، ومشقوقة الأذن إذا كان الشق يزيد عن الثلث، ويابسة الضرع ، ومكسورة قرن لم يبرأ ، فلتحرص أيها المضحي على أن تكون أضحيتك حسنة جيدة ، خالية من العيوب المانعة من الإجزاء
معاشر المسلمين : اشكروا ربكم ،حيث أغناكم وهيأ لكم ما تذبحون وتأكلون ، فكلوا منها وتصدقوا على الفقراء والمساكين، وتهادو فيما بينكم .. وعلى القادر المستطيع أن يتصدق بالمال أو الكساء ، أو الأضاحي ، حتى تعم الفرحة جميع المسلمين، ويدخل السرور إلى كل دار من ديار المسلمين ،، جعلنا الله جميعا إخوانا متحابين ، متحدين متضامنين متصافيين ، إنه سميع قريب مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الواحد القهار ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، النبي المختار ، اللهم صل وسلم وبارك عليه بعدد أنفاس المخلوقات في الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم العرض والقرار ،، أما بعد : هذه إخوة الإيمان : بعضٌ من علاقةِ الرحمة بيوم عرفة ، وَتَجَلَّى المولى عز وجل على عباده ، وَعِتْقِهِم من النار ، فاسعوا إلى رحمةِ بعضكم البعض ، وتراحموا فيما بينكم ، وفي مجتمعاتكم حتى تسعدوا وتسعد بلادكم ، فاتقوا الله عباد الله ، وكونوا من المؤمنين الرحماء المتقين ، الصالحين المصلحين ، أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم {وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ ، فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام54 . اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وارحم جميع المسلمين والمسلمات ، واجعل أقوالنا وأعمالنا صالحة ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
هذا ياعباد الله وستكون صلاة عيد الأضحى المبارك في هذا المسجد المبارك على تمام الساعة الثامنة إن شاء الله تعالى ،، فاحرص يا أخي المسلم على صلاة العيد ، ولا تتركها بسبب النوم والغفلة ، وكن حريصا على أن تنال المغفرة والأجر ، والله حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد بعدد أيام يوم عرفة، وبعدد من غفر الله لهم يوم عرفة ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، اللهم اجعلنا في هذا اليوم والشهر من المقبولين ، اللهم اجعلنا ممن نال رحمتك ومغفرتك ، في عرفة المبارك ، اللهم تجلَّ علينا كما تتجلى على حجاج بيتك الحرام ، واجعلنا من أهل شفاعة خير الأنام ، اللهم أدخل الرحمة والخيرات في قلوبنا ، وأزل البغضاء والشحناء من صدورنا ، اللهم اجعلنا متعاونين متصالحين ، من أجل رضاك وإسعاد مجتمعاتنا ، اللهم احفظ بلادنا ليبيا، ، ووفق من حملتهم مسئولية وأمانة البلاد والعباد ، إلى كل خير يرضيك ، ويرضي سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ، ويسعد البلاد ويريح البلاد والعباد ، وسر بنا وببلادنا ليبيا وبلدان المسلمين إلى بر الأمان ، والخير والإحسان ، واجل التقوى زادنا وزادهم ، واحفظنا جميعا من كل عدوٍّ وحاسد وماكر ، اللهم أبدل خوفنا أمنا، وبغضنا حبا ، وحزننا سرورا ، وتأخرنا تقدما ، وذلنا عزا وضعفنا قوة ، وتقاطعنا تواصلا ، وقسوتنا رحمة يا كريم ، اللهم منَّ على الشهداء الأبرار بالمغفرة والرضوان والمنازل والحور الحسان ، اللهم داوي الجرحى واشف المرضى يارؤوف يارحمان ، واغفر للموتى يا أهل المغفرة والرحمة ياحنان ، اللهم ياحنان يامنان منَّ علينا بالخير والرزق المبارك، والصحة والعافية والأمن والأمان ، اللهم أعن أصحاب المسئوليات الكبيرة والصغيرة على مسئولياتهم ، واعنهم على خدمة البلاد والعباد ، يا الله ياكريم ، اللهم اغفر لم أسس هذا المسجد المبارك ، ولمن يقوم على خدمته يارب العالمين ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، عباد الله {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ، ويغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين ، ويرحم الله عبدا قال آمين ....
ليست هناك تعليقات